«أرزاق» هذا هو اسمها، و«أرزاق» هى الكلمة التى يرددها الناس عن قدرتها على كسب المال السريع، فهذه الفتاة صغيرة السن التى تدعى أن عمرها عشر سنوات، ذاع صيتها فى جميع المحافظات أنها تعالج الناس، بل تقوم بإجراء عمليات لهم دون مشرط أو تعقيم، فقط تستعين بالجن، ولا يدفع المريض سوى عشرين جنيها ثمنا للعملية! ولكن بالطبع هناك المئات الذين يطلبون منها العلاج، بل يعتقدون قدرتها على شفائهم. ترجع دراسات المركز القومى للبحوث الاجتماعية أن عدد الدجالين فى مصر يصل إلى 500 ألف دجال، وتتراوح نسبة إنفاق المصريين على الدجالين ما بين 10 و15 مليار جنيه، وتلخص الدراسات أن 50٪ من النساء تعودن على الذهاب إلى الدجالين، و63٪ فى مصر يؤمنون بتلك الخرافات والأوهام، وتصل نسبة الفنانين والرياضيين والسياسيين والمثقفين إلى 11٪ من المؤمنين باللجوء إلى الدجالين! ذهبت «روزاليوسف» إلى مسقط رأس الفتاة الصغيرة «أرزاق» فى جزيرة «الرقة» التى تقع بين محافظتى بنى سويف والجيزة، ما إن تطأ قدما أى زائر غريب للجزيرة ويسأل عن «الشيخة أرزاق» كما ينادونها حتى يبادر الجميع فى طمأنته أن علاجه عندها. البداية كانت مع سائق التوك توك الذى أوصلنى إلى منزلها، وقال لى إن الشيخة «أرزاق» تخصصت فى إجراء العمليات الجراحية، وهى ناجحة فى ذلك، مضيفا أن هناك سيدة أخرى فى جزيرة «السعيدات» تدعى «صابحة» متخصصة فى علاج العقم للسيدات المتأخرات عن الإنجاب. وأضاف سائق التوك توك: لجأت إلى «صابحة» لعلاج زوجتى من العقم منذ 15 عاما، وساعدتنى بورقة مكتوبة، وبالفعل حاليا لدىّ من الأبناء خمسة، ولا أنسى جميل تلك السيدة على الإطلاق، وكلما أراها «أقوم معها بالواجب»! وعندما اقتربت من منزل الشيخة «أرزاق» وجدت والدها الرجل الخمسينى يقف على أول الشارع ليستقبل الزوار، و«يقطع» لهم ثمن الكشف الذى لا يزيد على 20 جنيها. ∎ منزل أرزاق ومنزل الشيخة «أرزاق» عبارة عن ثلاث غرف فقط، وأمامه مصطبتان لاستقبال الزوار، وتستقبل أم «أرزاق» الزبائن وتحدد لهم ميعاد الكشف، ويبدأ توزيع الزبائن فى الغرف الثلاث المختلفة، الغرفة الأولى على اليمين مخصصة للرجال، ولا يوجد بها سوى سجادة فقط، ولا شىء آخر، وبطاطين للغطاء، لأن زوارها يأتون من محافظات بعيدة، ويكونون متعبين وبحاجة للراحة، فضلا عن أن العلاج يتم على الأرض، أما الغرفة الثانية فهى خلف غرفة الرجال مباشرة، ومخصصة للسيدات، أما الثالثة ففيها الشيخة «أرزاق» ومعها 5 سيدات للعلاج فى وقت واحد، نظرا لضغط الزوار وعددهم الكبير. ∎ فتاة نحيفة دخلت على الشيخة «أرزاق» التى يردد الناس أن عمرها 10 سنوات فقط، وجدتها ذات جسد نحيف جدا، وترتدى جلبابا وحجابا، ولكن هيئتها تدل على أنها أكبر من عشر سنوات، لا تستخدم «أرزاق» سوى كفيها فى العلاج بتحريكهما على الجسد بالكامل من أول الرأس حتى أسفل القدمين، وكل منطقة لا تستغرق أكثر من خمس دقائق، وهذه الحركات تشبه المساج أو العلاج الطبيعى، وأثناء الكشف تحضر الشيخة أرزاق بطاطين للسيدات لتغطيتهن. قلت ل«أرزاق» إن خالتى مريضة بالغضروف وتحتاج إلى علاج لأتمكن من الدخول ومتابعة ما يحدث فى بيتها، فنصحتنى أن أبدأ بنفسى علاج خالتى بالتدليك لمدة أسبوع متواصل عن طريق زيت الخروع من أعلى الرقبة حتى أسفل سلسلة الظهر، وطلبت منى أن أحادثها ثلاث مرات فى اليوم عن طريق التليفون، وبعد «كورس» العلاج تأتى خالتى إليها لإجراء العملية، وأكدت لى «أرزاق» أنها أجرت الكثير من العمليات، خصوصا الغضروف، وعمليات العيون، ومدة العملية ثلاث ساعات وتكلفتها 20 جنيها فقط، وأشارت إلى أن عملياتها مضمونة، ويمكننى أن أسأل عنها فى كل مكان، سألتها كيف تقوم بإجراء العملية، فقالت إن الجن هم من يجرون العملية كاملة، وهم خادمون لها! ∎ الآثار! وبينما كنت أتحدث مع الشيخة «أرزاق» جاءتها أكثر من مكالمة تليفونية على هاتفها المحمول، فهمت منها أنهم أشخاص يعملون فى الآثار، وأخذت تؤكد لهم أن كل شىء تمام، وتحت السيطرة إلا أنها بعد انتهاء المكالمة أكدت لى أن الجن الذين معها لا يعملون إلا فى العمليات فقط، أما هؤلاء الرجال فإنها علمتهم «المهنة»، ولكن عضّوا اليد التى مدت لهم بالخير، وما يشغلهم فقط العمل بالآثار، لذلك هى «هتعلمهم الأدب» وكان من الملحوظ أن الشيخة «أرزاق» تتفوه بالعديد من الألفاظ أثناء حديثها فى التليفون. وكان لافتا للنظر وجود أطفال صغار السن لا تزيد أعمارهم على عشر سنوات، وحضروا للعلاج مع ذويهم، ومعظهم مصابون بأمراض فى البطن والعظام، وإذا لزم الأمر تجرى لهم «أرزاق» عمليات. ولاحظت أن زوار «أرزاق» من محافظات مختلفة هى سوهاجوقنا وبنى سويف والمنصورة وأسوان وكل محافظة يوجد بها شخص أو شخصان تابعان للشيخة «أرزاق» مهمتهما متابعة الزبون، والاتفاق معه وتعريفه بعنوان «أرزاق». وجدت رجلا اسمه حربى محمد، سألته فقال إنه أحد أبناء قرية «الروبيات» من محافظة الفيوم، ويعمل سائق ميكروباص، ويأتى كل جمعة فى مهمة محددة، هى تجهيز وإحضار الزوار للشيخة «أرزاق»، وأكد لى حربى أن مهمته تنقسم إلى شقين، الأول كتابة اسم الزبون أو المريض على ورقة العشرين جنيها التى يدفعها ثمنا للكشف، والشق الثانى توصيل الزوار كل جمعة إلى الشيخة، وقال: الشيخة سرها باتع، ولها كرامات، مضيفا: لا أعمل بمفردى، فيوجد سائق آخر فى القرية نظرا للإقبال الشيد للزوار أو المرضى الذين يحتاجون للكشف وإجراء العمليات. وأكد السائق حربى محمد أن الشيخة أرزاق تجرى العمليات دون أى جروح أو أى أدوات، ومدة العملية ثلاث ساعات فقط، وذلك عن طريق الإشارة بمسطرة على جسد المريض الذى يحتاج إلى إجراء العملية، ولا يساعدها أحد من البشر، فهى تعتمد فقط على الجن. ∎ ضحايا أرزاق ورغم شهرة أرزاق، ومدح الأهالى لها، إلا أن هناك من يشكو من طريقة علاجها، فيقول أحد الضحايا: ذهبنا إليها بسبب شهرتها، لعلاج «فرج عبدالحميد» قريبنا من مرض الغضروف الذى تحول إلى شلل نصفى، وكان جليس الفراش منذ فترة طويلة، ولم نجد أى طريقة لعلاجه، وذهبنا به إلى أطباء كثيرين، ودفعنا «اللى ورانا واللى قدامنا» ولم نصل لشىء، لكن زوار الشيخة أرزاق أكدوا لنا أن الشفاء على أيديها، وذهبنا به لإجراء العملية، وكانت تكلفتها 20 جنيهًا فقط، بالإضافة إلى ثمن المواصلات، وعند دخولنا إليها، وجدناها فتاة صغيرة السن نحيفة الجسد، وعمرها لا يزيد على 13 عامًا، وترتدى جلبابًا وحجابًا وجريئة فى الحديث، وعندها قدرة على إقناع الزائر. ويضيف: دخل فرج عبدالحميد إلى غرفة مغلقة لا يوجد بها سوى سجادة، وطلبت الشيخة أرزاق من أقاربه أن يتركوها بمفردها مع المريض، لأنها ستقوم بإجراء العملية بمساعدة الجن، وقبل أن نخرج تحدثنا معه، لأنه كان بصحة جيدة، ولا يعانى سوى من الغضروف، وبعد مرور الثلاث ساعات، وجدناه لا يتحدث، فأكدت لنا «أرزاق» أن ذلك من أثر العملية فقط لا غير، وطلبت منا أن نأخذه إلى البيت، وهناك سوف يعود لوعيه، وعدنا إلى البيت، لكن دون جدوى، فلم يتحدث، ولم يخرج من غيبوبته، وأحضرنا الطبيب على الفور، الذى أكد لنا أنه توفى إثر جلطة فى الدماغ، ولذلك تراجعت شعبية «أرزاق» ولا نقول سوى حسبى الله ونعم الوكيل، ونتمنى أن تعاقب، لكن لم نوجه لها أى اتهام، لأنه ليس هناك دليل ضدها. والغريب أننى وجدت طبيبًا بيطريًا من بين المرضى الذين يطلبون الشفاء على يد أرزاق، وهو الدكتور موسى أحمد، قال لى إن الكثير من الناس نصحوه بالذهاب إليها، لكن حالات الوفاة التى سمع عنها إثر العمليات، جعلته يتراجع خوفًا على حياته، رغم ما يقال إنها لا تستخدم مشرطًا أو أى أدوات جراحية. وتقول شيماء مصطفى من مدينة نصر، إنها حضرت للشيخة أرزاق، لأنها تعانى من تكسير كامل فى العظام منذ سبع سنوات، ولم تجد علاجًا عند الأطباء، وحالتها تحسنت عند الشيخة أرزاق! أما السيدة العجوز نفيسة عبدالعليم التى حضرت من محافظة قنا، فتقول إنها تعانى من أمراض عديدة فى جسدها لم يستطع الطبيب تحديدها، لكن الشيخة استطاعت علاجها عن طريق الجلسات، وتوافق نفيسة على إجراء عملية إذا تطلب الأمر ذلك، مؤكدة أنها تثق فى الشيخة أرزاق، وتتوقع الشفاء الكامل! وأضاف حسن خليفة من محافظة الشرقية، أنه يعانى من ألم شديد فى العظام، وحضر للشيخة بناء على صيتها، وينتظر العلاج على يديها، ولديه ثقة كبيرة فى قدرتها على علاجه! ∎ خزعبلات! يقول الشيخ فكرى حسن إسماعيل، أحد علماء الأزهر الشريف، إن ما يحدث فى الآونة الأخيرة من لجوء بعض الناس للعلاج عن طريق السحر والشعوذة، عودة إلى الجاهلية، ويضيف أن فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، كان هناك رجل به مرض، زاره الرسول، فاشتد عليه المرض، ثم أتاه أهله برجل عراف غير مسلم، فردد بعض الكلمات وهمهم ببعض التعويذات، وبعد يومين أو ثلاثة شفى المريض، فقال البعض إن محمداً زار المريض فاشتد عليه المرض، ولما زاره العراف شفى، فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، أنه عندما زار المريض كان المرض فى بدايته، ولما زاره العراف كان فى نهايته. ويضيف الشيخ فكرى: مما يؤسف له أننا نرى فى هذه الأيام من يؤمن بهذه الخرافات والخزعبلات ويصدقها، وبعض من يدعون العلم يقومون بأعمال الشعوذة والسحر، ويضحكون على الناس، ويأخذون أموالهم بغير وجه حق بحجة شفائهم من هذه الأعمال، وفك السحر، ولا غرض لهم من هذا إلا كسب المال وتحقيق الثراء. ويضيف: هذا العمل شيطانى، وعلى الجميع أن يعلم عدم قدرة المشعوذين والدجالين والمنجمين على شفائهم، لأنه ليس فى استطاعتهم الإضرار بأحد إلا بإذن الله. ويؤكد الشيخ فكرى أن طغيان الحياة المادية، وانتشار الأمراض النفسية، والفضائيات المروجة لبضاعة السحر والساحر، السبب الرئيسى فى انتشار هؤلاء الدجالين، ويجب سن القوانين الرادعة وزيادة التوعية الدينية لعلاج هذه الظاهرة.∎