الدين يحرم.. العلم يكذب.. والشباب في وادٍ آخر شمس المعارف الكبرى.. السحر الأحمر.. أسرار مزامير داود.. كتب انتشرت في الفترة الأخيرة بين أعداد كبيرة من الشباب واختلفوا في مصداقيتها، وبين ناقم ومغامر أصبحت هذه الكتب في لمح البصر من أكثر المواد المقروءة رغم حظر تداولها.. وفجأة تحول الأمر من مجرد كتاب إلى مغامرة مصبوغة بروح الفضول لا يضمن أحد سلامته في نهايتها، فهي ليست مجرد مغامرة في صحراء أو وسط الجزر البعيدة، إنها المخاطرة في العالم الآخر، عالم الجن المحفوف بالخطر والغموض منذ بداية الخليقة، فهل حقا الجن وطلاسم تحضيره حقيقة تستحق كل هذا العناء؟ أم إنها "تقاليع" بشرية أبتدعها البعض للخروج من أجواء الحياة النمطية... الجن في الإسلام والمسيحية يقول الشيخ "صلاح مختار" خطيب جامع الأزهر، إن الجن مخلوق من مخلوقات الله شأنه كشأن الإنسان، خُلق لعبادة الله وليس من شأنه التدخل في تغيير مصائر البشر، وتعجب قائلا " كيف غيب الإنسان عقله، واقتنع أنه من الممكن أن يكون لمخلوق قدرة التحكم في حياة مخلوق آخر في وجود الخالق؟ "، لذلك حرم الإسلام الذهاب للسحرة والدجالين والاعتقاد بقدراتهم في الاستعانة بالجن لصنع أمور معينة أو معرفة المستقبل وما شابه، نافيا أن يكون للسحرة قدرة على تسخير الجن بشكل كامل لأن هذه السيطرة لم تكن لمخلوق سوى سيدنا سليمان، موضحا أن كل ما يفعله هؤلاء أنهم يقومون ببعض الأفعال المحرمة لجلب بعض الجن من قرناء البشر فقط، ويطلب معاونتهم بشكل معين في المقابل تقديم أشياء بغيضة تغضب الله. وتابع أن الجن لا يستطيع إيذاء الإنسان إلا في حالات معينة أبرزها الغفلة عن ذكر الله، ودخول الأماكن الخربة التي يسكنها الجن، والخوف الشديد الذي يتملك الإنسان، ولكن تنحصر قدرة الجن في تمكنه فقط من مسه؛ مما قد يؤدي إلى بعض الاضطرابات في سلوك الفرد، ويمكن صرف هذا المس بالطرق التي أبلغنا بها الرسول كتلاوة بعض آيات القران والمواظبة على الوضوء وذكر الله. وكان ل "إكرام لمعي" رئيس لجنة الإعلام للطائفة الإنجيلية رأيا مشابها فقد قال: إن الأرواح الشريرة وهي الشياطين تنتج من أعمال الإنسان، فهي تسكن من يبعد عن الله ويسلك في طرق غير مرضية، فلا يوجد شخص مسيحي مؤمن بالفعل تسكنه روح شريرة، كما قال أن ما يفعله المعالجون قوة ربنا التي تتمثل فيهم وليس قوتهم الشخصية، موضحا أن اسم رب المجد قادر على فعل أي شيء وليس إخراج الشياطين فقط، مشيرا إلى أن اللجوء للدجالين والأعمال والحجاب وما إلى ذلك بالتأكيد اسم رب المجد لا يجتمع مع أعمال الشر هذه والأرواح لا تخرج من الجسد في هاتين الحالتين. اختلاف بين" النفس" و"الاجتماع" ذكرت الدكتورة "سامية الساعاتي" أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس، أن مس الجن شيء وارد يمكن حدوثه ولا يمكن لأحد أن ينكر وجود الجن, لكن الخرافات التي يعتقدها البعض هي ما تجعلهم ينسبون أي علل أو اضطرابات نفسية للجن، وبالتالي تم استغلال ذلك من قِبل تجار الوهم ومدعي التدين ومعرفة الغيب، وحققوا من وراءها مكاسب كبيرة، الأمر الذي يرتبط بانعدام الوعي وانتشار الفكر الخرافي في المجتمع ومازال يؤمن بالظاهرة حتى يومنا هذا, مشيرة إلى أن هناك نسبة كبيرة ممن يعانون من اضطرابات نفسية لديهم اعتقاد أن هناك قوة خفية تسيطر على أفعالهم، وأنها سبب إصابتهم بالعلل وهو ما يسمى بالوسواس. مضيفة أن هناك إحصائيات تشير إلى أن ما يقرب من 50% من المترددين على الدجالين ينتمون إلى طبقات راقية ومثقفة من فنانين وسياسيين ورياضيين، وفي دراسة أخرى أوضحت أن أغلبهم من النساء فالمرأة بطبيعتها عاطفية لذلك يسهل التأثير عليها، وذكرت الدراسة أن 51% من المترددات على الدجالين متزوجات و2.1% من الراغبات في الزواج، رغم حدوث العديد من عمليات النصب باسم السحر، حيث أن كثيرات يدفعن في المقابل مبالغ مالية أو بيع مصوغاتهم لكي يقمن بدفع ثمن الأحجبة والأعمال وما إلى ذلك. وبخلاف اقتناع علم الاجتماع بإمكانية المس بالجن جاء رأي دكتور "أحمد البحيري" استشاري الطب النفسي رافضا تماما للأمر، فعلى الرغم من عدم وصول علم النفس لرؤى محدده حول الجن؛ إلا أنه يرى وفقاً لما عاصره في معظم الحالات إن الموضوع ليس له علاقة بالجن وإنما هي اضطرابات نفسية تتنوع بين حالات هستيرية وذهنية وصرعية، قد تكون غير مألوفة على صاحبها مما يدفعه للتفكير في أنها أفعال جنية، في حين أن علاجات النفس ساعدت في شفاء الحالات واستجابتهم للعلاج بنتائج ملحوظة. واتفقت معه دكتور "إيمان سرور" أستاذ علم النفس وزميل الكلية الملكية، في أن الطب النفسي غير مقتنع بمس الجن للإنسان، وأن الإشكالية تكمن في أن هناك مريض إيجابي وآخر سلبي، إذ أن المريض الإيجابي هو من يشعر بقوة داخله توحي له بقدراته على التغلب على الجن، وأن هذا النوع من المرضى يتم إيحاءه بأن ما يتناوله من دواء يعالجه من المشاكل التي يعاني منها، ومن ثم يبدأ عقله بترجمة ذلك الكلام حتى يشعر بالارتياح، وأنه إذا لجأ إلى معالج روحاني قد يشفى؛ وذلك لأن الروحاني يعطيه إيحاء بأن ما يفعله يساهم في شفائه، مضيفة أن هناك إمكانية لرجوع الأعراض إليه مرة أخرى، وذلك إن لم يتم علاج الأسباب النفسية وراء إصابته بالمرض من الأساس. أما المريض السلبي ممن لديهم أمراض نفسية معقده كالانفصام والذي يحتاج بعض الوقت ولا يمكن علاجه بالطرق الروحانية؛ الأمر الذي يدفع الدجالين لاستغلال المريض بشتى الوسائل هدفا لجمع الأموال، مشيرة إلى أن المعالجين بالقرآن الكريم أصبح لديهم وعي في الفترة الأخيرة أن الفرد ليس بداخله جن وأن ما يشعر به ما هي إلا اضطرابات نفسية، وينصحوا المريض على الفور بالاستعانة بطبيب نفسي. ملاذ الجميع وعن المعالجين.. فنجد أبرزهم في المسيحية القمص "مكاري يونان" كاهن بالكاتدرائية المرقسية بالأزبكية، وقد عُرف بموهبة إخراج الشياطين لديه وبدأها منذ 37 عاما، الذي يعلق على ما يردده البعض أن ما يفعله شعوذة، منفعلا، بأن اسم رب المجد قوة غير طبيعية وليس شعوذة، نافية أن المسيحية بها جن، وأن هناك جن مسلم وآخر مسيحي، موضحا أنه فقط روح شريرة متمثلة في شكل الشيطان، والتي تسبب أضرار بالغة على جسم الإنسان تصل إلى حد الموت. قائلا: إن عدد الحالات التي تأتي له للعلاج لا يحصر، وأن هناك أشخاص من كافة المدن والأديان، كما يرى أنه لا يمكن أن نطلق على سكون الروح الشريرة للجسد بحالة نفسية، وأنها أمر سكون الروح الشريرة معلوم منذ الأزل لا يمكن إنكاره. ولكن ل "عمرو الليثي" المعالج الروحاني بالقرآن، رأي آخر، بشأن تأثير الجن على الإنسان فقال، إن الجن يحضر على جسد الإنسان بعده أشكال تختلف وفقاً لقدرة الجن ومدى تمكنه من الإنسان، موضحا أن بعض الحالات يكون الجن مسيطر على عقله ومعظم حواسه، إلى درجة تجعله يتكلم على لسان المصروع، وقد يحاول الجن في حالات أخرى إرهاقه بالوساوس والهواجس التي تفقده القدرة على النوم، وقد تصل إلى أن الجن يجعل المريض يمشي وهو نائم. كما ذكر أن أشهر أسباب المس هو الصراخ في الخلاء أو دخول الأماكن المهجورة أو عمل سحر للشخص عند أحد الدجالين، مضيفا أن طرق إخراجه تعتمد بشكل أساسي على آيات الله وأذكاره، قائلا الذكر له قدرة على الإنسان أقوى من أي قدرة شيطانية، كذلك هناك وسائل أخرى كالضرب الخفيف على الجبهة والقراءة المقرونة بالنفث المتتابع في أنف وفم المصروع، ووضع بعض أنواع من الطيب والمسك عند أنف المريض، نتيجة لأنها تزعج الشياطين، مستنكرا ما يقوم به آخرين من الضرب المبرح على جسد المريض، موضحا أنها ليست من أصل الدين في صرف الجن. مرضى على أمل الشفاء "أرى أشباح ليلا تحاوط سريري" هكذا تروي "ماجدة رءوف" مسيحية من طهطا- حالتها، وأن لا أحد في المنزل يرى هذه المناظر سواها، مضيفة أنها تسمع أصوات تقول لها "سوف نأخذك قريبا"، وقد أتت للعلاج لدى الأب مكاري بعد فشل محاولات عديدة مع أطباء وشيوخ ودجالين. بينما "وفاء فكيه" حالة مسلمة من أسيوط –مقيمة في القاهرة للعلاج- تصرخ ليلا من أيد تلتف حول رقبتها وتتجه للنافذة بأمر من الروح للانتحار، حاول علاجها جار يدعى الشيخ محمد عبد لله ولم يفلح، وتفكر في الذهاب إلى مصحة نفسية. الناس تجيب.. حقيقة أم خيال ؟! وتتباين أراء الناس في هذا الصدد حيث إذ يقول "عبد المجيد منصور" -50عام- إن ضعف الإيمان هو السبب الرئيسي في اعتقاد البعض بأن جن ما قد مسه، مشيرا إلى أن قوى الإيمان يظل ذاكرا لربه، ما يحميه من الجن والشيطان، بينما تقول "مريم خالد" -18 عاما- إن الجن قريب من الإنسان ومرافق له طوال يومه، موضحه أن احتمالية مس الجن للإنسان واردة، وأن هناك العديد من الحالات التي تؤكد من وجود الجن واستطاعته لمس الإنسان ومن ثم أذيته. في حين أكد "أحمد رأفت" -22 عاما- أن الدجالين هم مروجي تلك "الهلاوس"، مستهدفين الطبقة الفقيرة ثقافيا ودينيا للحصول على مبالغ مالية، مرجحا أن ما يتعرض له الفرد من وساوس واضطرابات ما هي إلا مرض نفسي، وأكدت "ماجدة محمود" -ربة منزل- أن الجن قد ذُكر في القرآن الكريم، موضحة أن الله –سبحانه وتعالي- خلقهم للعبادة، أما عن مس الجن لفرد تؤكد أن تلك الأفكار غير صحيحة وهي لا تؤمن بها. أما " مريم خالد " فهي ترى أن الجن قريب من الإنسان وهو مرافق له طوال يومه، موضحة أن احتمالية مس الجن للإنسان واردة، مضيفة أن هناك العديد من الحالات التي تؤكد من وجود الجن واستطاعته لمس الإنسان ومن ثم أذيته.