رغم وجود اتفاقيات بين السودان ومصر وصلت فى وقت سابق إلى مرحلة التكامل فى سنوات السبعينيات، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين ظلت دائماً خاضعة لما هو سياسى ولم يُغلب الجانب الاقتصادى، رغم وجود استثمارات بينية يقودها القطاع الخاص عبر رجال الأعمال والشركات المتوسطة. تقدر الاستثمارات المصرية فى السودان ب«10» مليارات دولار، أغلبها مجمدة فى شكل أصول وملكيات أراض زراعية وصناعية، ويصل حجم المفعل منها إلى المليار دولار، وبالمقابل تجاوزت استثمارات رجال الأعمال السودانيين فى مصر المليار ولا يتجاوز حجم المفعل منها سوى (200) مليون. الاستثمار فى السودان رغم وجود قانون يعتبر جيداً فإن الفساد المالى والمعوقات المحلية الخاصة بنوع ملكية الأراضى يقفان حجر عثرة أمام المستثمرين فى القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والألبان واللحوم وغيرها. رغم ذلك شهد السودان تدفقات رءوس أموال مصرية من خلال رجال الأعمال وفى مجالات الزراعة وإنتاج اللحوم والألبان وتجارة الجلود وعباد الشمس والبقوليات المنتجة للزيت إضافة إلى قطاع الخدمات والاتصالات والمطاعم والبنوك. أغلب استثمارات رجال الأعمال المصريين فى السودان، مملوكة لسياسيين، وبعضهم يشغل مناصب قيادية فى الأحزاب السياسية المصرية نفسها، وآخرون على درجة ما من الانتماء والتفاعل والنشاط فى الحياة السياسية المصرية. وأقدم تلك الاستثمارت المصرية وأكثرها تاثيراً كانت مملوكة لإسلاميين مصريين، وكانت الأهداف السياسية سبباً ساعد فى وجودها، فقد شهدت العلاقة الرسمية بين البلدين توتراً فى سنوات التسعينيات استمر لفترة طويلة بسبب توجه نظام الخرطوم الإسلامى، ووصلت العلاقة إلى أدنى مستوياتها، وقامت حكومة الخرطوم وقتها باستمالة إسلاميى مصر ذوى القربى الفكرية والسياسية من مشروع السلطة فى السودان، حيث فتحت المجال أمام تدفقاتهم المالية والاستثمارية فى مجالات الزراعة والتجارة، فدخلت رءوس أموال مملوكة لهولاء الإسلاميين وشملت مجالات الزراعة والصناعة والاستثمارات المالية فى الصرفات والبنوك. أبرز تلك الاستثمارات مشروع زراعى مملوك للقيادى الإسلامى الراحل إبراهيم شكرى رئيس حزب العمل الإسلامى، حيث مُلك مشروع زراعى بمنطقة الدويم بولاية النيل الأبيض، وأقام مزارع للأرز والمحاصيل الصيفية، ودخلت حكومة السودان كشريك معه وتولت مهمة شق الترع وعمليات الرى وفشل ورثته من بعده فى إدارة المشروع بعد وفاته. وفى جانب آخر، تقدر مساحة الأراضى الزراعية المملوكة للقيادى بحزب الوفد سيد البدوى، المقرب من حكومة الخرطوم، ب«300» ألف فدان بولاية النيل الأزرق منطقة جنوب الرصيرص، وينتج المشروع الذرة المطرية وبه أراض تتم فيها تربية المواشى من خراف وأبقار وعجول، حسب مصدر مقرب من حكومة ولاية النيل الأزرق، على الرغم من نفى البدوى دخوله فى الاستثمار فى هذه المجالات، ويعد مصنع «سيجما للصناعات الدوائية» أضخم استثمارات البدوى فى السودان بالاشتراك مع معتصم جعفر سر الختم رئيس اتحاد كرة القدم فى السودان. لكن يظل رجل الأعمال والسياسى المصرى الشهير نجيب ساويرس أكثر رجال الأعمال المصريين حظاً فى السودان، حيث حصل على الحق فى التنقيب فى أحد أكبر مربعات الذهب بشرق السودان، فقد اشترت مؤسسة ويذر للاستثمارات التى يملكها فى العام 2012، نصيب أسهم شركة التعدين الكندية «لامنشا» من مجموعة الطاقة الفرنسية «آريفا» وقدرت الصفقة ب317 مليون دولار أمريكى. وتمتلك شركة لامنشا 40٪ من شركة (أرياب) للتعدين العاملة فى السودان وتعتبر بذلك الشريك الأول فى استكشاف الذهب، ويستقطب قطاع تعدين الذهب فى السودان بشكل عام بعض المستثمرين المصريين والشركات متوسطة الحجم، حيث يفضل رجال الأعمال المصريون الاستثمار فى السودان فى قطاع التعدين بشكل خاص، بسبب جاذبية ومرونة قانون الاستثمار السودانى. وعقب تحسن العلاقة بين نظامى البشير ومبارك قامت حكومة السودان بمنح «5» مستثمرين مصريين ينتمون إلى الحزب الوطنى أراضى زراعية قرابة ال«مليون» فدان موزعة على عدد من ولايات «محافظات» السودان، وتمت زراعتها بمحاصيل عباد الشمس وبعض البقوليات بهدف إنتاج الزيوت، وتم تعبئة المنتجات كزيوت نباتية للطهى، وتولت مهمة التصدير شركة أُوكرانية ذات خبرة فى مجال إنتاج وتصدير وتسويق الزيوت إلى كل من إيطاليا وإسبانيا، وكانت الأراضى الزراعية ممنوحة حسب تصريح سابق لوزير الدفاع السودانى عبدالرحيم محمد حسين هدية للشعب المصرى! وفى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى تم الاتفاق بين الحكومة السودانية وكل من القيادى الإسلامى «خيرت الشاطر» وبعض رجال الأعمال المنتمين للإخوان المسلمين المصريين، على إعطائهم هذه الأراضى مع زيادة الحصة! ولكن قامت ثورة ال«30» من يونيو فأطاحت بهم وبآمالهم فى الحصول على تلك الأراضى الزراعية الخصبة. وشهد تاريخ العلاقات التجارية بين السودان ومصر إبرام عدة اتفاقيات لتحقيق التكامل الاقتصادى، أهمها بروتوكول وقع عليه الرئيسان وقتها أنور السادات وجعفر النميرى عام 1974م ثم اتفاقية «الحريات الأربعة» «الحق فى العمل والتملك والإقامة والتنقل» فى عهد كل من البشير ومبارك وكانت تهدف إلى دمج الاقتصاد، وتشييد الأسس التى تحقق التكامل الاقتصادى بين البلدين. وركزت زيارة الرئيس عمر البشير الأخيرة إلى القاهرة 18-19 أكتوبر الماضى على مناقشة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين فى مباحثات القمة بينه وبين الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، والتى أعقبها اجتماع البشير مع وفد رجال الأعمال المصريين، أبرزهم نجيب ساويرس ومحمد الأمين وأحمد بهجت، وناقش اللقاء كيفية زيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين بعد افتتاح ميناء «قسطل/ أشكيت» البرى، وبحث إمكانية إنشاء منطقة تجارة حرة بينهما لم يحددها، مؤكداً حرصه على تفعيل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، وإزالة العوائق التى تحول دون الارتقاء بالتعاون الثنائى بينهما فى كل المجالات. وأكد البشير استعداده لتقديم تسهيلات للمستثمرين المصريين وطالب بزيادة حجم الاستثمارات المصرية فى السودان فى مجالات الثروة الحيوانية والزراعية والتجارة. ويشير خبراء اقتصاديون إلى أهمية التوافق السياسى بين القاهرةوالخرطوم، لتحقيق تكامل اقتصادى يليق بالعلاقة التاريخية بين البلدين، خاصة بعد ازدياد حجم التبادل التجارى الذى ارتفع إلى 893 مليون دولار بنهاية عام 2013 مقابل 722 مليوناً، فى العام 2012 بزيادة قرابة ال9٪، وتستورد مصر من السودان اللحوم المبردة والجمال الحية والجلود والبقوليات، بينما يستورد السودان المنتجات الصناعية كالبلاستيك والأسمنت والمبيدات والأرز، كل ذلك بناء على اتفاقية خاصة للتجارة والتبادل السلعى وقعت عام 2003 بين البلدين.∎