لعل اصطلاح «البحث العلمى» - على مطاطيته - لم يعد «ملطشة» إلا فى مصر، فالأصل أن البحث - أى بحث - لابد من توافر اشتراطات معينة يفترض أن يعرفها الأكاديميون لتمام أركانه، فما بالك إن كان هذا البحث «علمى»!! فى السنوات الأخيرة ومع تراجعات عدة شهدتها مصر، ابتذل اصطلاح البحث العلمى كثيرا، ورافقه اصطلاح «اختراع» على درب الابتذال، وكأننا نصر على أن نصبح أضحوكة أمام أنفسنا وأمام العالم.. هذا العالم الذى يقدّر البحث العلمى حقا ويخصص له إمكانيات مالية وبشرية ومعملية مذهلة، بعضها يتكلف ميزانيات تفوق ميزانيات «دولة صغيرة» وفى نفس هذا السياق أصبح «المصريون» يفخرون فاه الدهشة بانبهار الجهلاء أمام كل من يجرؤ على ادعائه اختراعا، حيث صار أحد «نواتج» تراجع الدولة عن دورها الحقيقى والفعّال فى توفير المناخ العلمى ذاته هو أن «يعيد المصرى» اختراع العجلة بخامات محلية محدودة واضعا رأسه برأس «أيناشتاين» بجرّة قلم!!
فى سياق إيجاد البدائل يقول مجموعة من شباب جامعة النيل أنهم أنجزوا مشروعا لسيارة تعمل بإشارات المخ عن طريق إرسال إشارات المخ لجهاز كمبيوتر بالسيارة يستطيع فك شفرات المخ لتحويلها لأوامر للتحكم بالسيارة، أحمد نصار أحد القائمين على المشروع قال إنه يمكن التحكم فى أى جهاز فقط عن طريق التفكير، وأنهم تمكنوا من التوصل لفك شفرات المخ لمساعدة المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة للتحكم بسياراتهم بعيدا عن استخدام اليد كما يمكن استخدام الجهاز أيضا فى التحكم فى جميع أجزاء السيارة واتجاهاتها.
على صعيد أبحاث الإيدز أيضا يقول شريف صلاح - استشارى تحاليل طبية إنه قد نال عدة جوائز عالمية وتم تكريمه فى العديد من المؤتمرات العلمية ومجلات مهتمة بالأبحاث والاكتشافات آخرها معرض جنيف الدولى للاختراعات لعام 2014 وحصل على ميدالية ذهبية من الاتحاد الأوروبى وإيطاليا وجنيف وروسيا والمركز الثانى من كوريا لعلاج مرض فيروس سى، ويضيف «عملنا مركب بيولوجى بتقنية جديدة لعلاج الإيدز، فالأدوية المتواجدة تقتضى أن يداوم المريض لمدة 15 سنة على العلاج ثم تؤثر على مناعة الجسم، بينما علاجنا يستخدم من 3 ل 6 أشهر على الأكثر فى فترة الحضانة الفيروسية، بتكلفة لاتزيد على 200 جنيه، كما أنه لايعانى الأعراض الجانبية كالعلاجات الأخرى، يعتمد على تنشيط أجسام مناعية خاصة ضد أنزيم (reverse transferase system) وهو نهج جديد للقضاء على فيروس الإيدز مكونا صبغة فعالة لتثبيط متلازمة نقص المناعة المكتسبة.
وأشار إلى أن الفكرة قد تساعد على صنع مصل واق من المرض لأن يحفز الجسم على إنتاج مضادات حيوية وعن تنفيذ الفكرة قال «حاولنا نأخذ دعما من المجلات والدول التى ترعى الاختراعات وعرض علينا دعم للمشروع من الخارج وجنيف أصرت أن تنفذ مصر المشروع حتى تستطيع تنفيذه، لكننا فى انتظار رد أكاديمية البحث العلمى.
بمرارة تتحدث د.هبة الرحمن أحمد نقيب المخترعين عن الأزمة التى يشهدها البحث العلمى فى مصر بالآونة الأخيرة، من بيروقراطية شديدة فى التعامل مع المبتكرين والمخترعين قائلة: «ليس من المعقول أن أمكث 15 شهرا حتى أسجل براءة اختراع، بينما ننشد التغيير رويدا مع كل نظام يتغير، فى نفس الوقت لانتوانى عن تقديم المساعدة لكل صاحب فكرة. فالنقابة ساعدت العديد من المخترعين على إبراز أعمالهم فى الدول الكبرى ونشر أبحاثهم فى المجلات العلمية المختلفة، وعن قضية عبدالله عاصم - الهارب للولايات المتحدة والمعروف بالمخترع الصغير قالت: «على الرغم من اختلافنا السياسى معه ورغم أنه حصل على إخلاء سبيل بكفالة ولايوجد ما يدينه ورغم الإحراج الذى سببه للبعثة المصرية إلا أن نقابة المخترعين وقفت بجانبه ودعمته وأرسلت له العديد من المرات رسائل تطمين وتأييد ودعم لمشروعه لكن بعض المقربين منه يستغلون قضيته سياسيا».
نقيب المخترعين ترى أن أكاديمية البحث العلمى تصب اهتمامها بمشروعات قليلة الأهمية فى الشأن والتنفيذ كأن تتباهى بزيت شعر جديد أو بوتاجاز يعمل بالطاقة الشمسية وذلك لأن هناك من يشترك مع الأكاديمية فى عمل معارض وخلافه وبالتالى يكونون على قائمة أولوية ترشيحات الوزارة، وتقول إنها نفسها تعانى من أجل تسجيل براءة لاختراعها الجديد عن جهاز يستطيع عمل ترميمات للشروخ والسطوح بالليزر يفيد فى الترميمات الأثرية، فمشروعها سيظل قيد الأدراج لمدة 15 شهرا بحسب قولها.
لاستيضاح الأمر توجهنا ل «وزارة البحث العلمى» وجدنا أكواما متراكمة من التقارير والأبحاث العلمية لا تجد من يسمع وينفذ، وإجراءات معقدة حتى يجتاز الابتكار المصرى ويحصل على براءة اختراع من الوزارة ودعم وحماية لاتكفى ثمن الأوراق البحثية نفسها.
منى يحيى رئيس المكتب الإعلامى للوزارة قالت إنه حتى يتسنى للمصرى للحصول على براءة الاختراع لابد أن يتقدم الراغب بأوراق بحثية للأكاديمية لم تقدم فى أى دولة فى العالم وتظل تحت فترة رهان لدى الأكاديمية لمدة 12 شهرا ثم تدخل فى دورة من الاختبارات والفحص الفنى وفور الحصول عليها تأخذ حماية الأكاديمية والوزارة لمدة 20 عاما ولايحق لأى أحد التقدم بدراسة حول ذات الموضوع خلالها. منى أفادت بأن المتقدمين الأجانب يحصلون على ذات الاختبارات للحصول على براءات اختراعات مصرية ليستطيعوا بيع منتجاتهم فى مصر بأضعاف ثمنها وبحماية معلنة من الوزارة كالهواتف الذكية والأدوية والمنتجات الطبية التى تباع ب10 أضعاف ثمنها الحقيقى لأن كل منتج يحمل ثمن البراءة.
احصائية صادمة حصلنا عليها من الوزارة تفيد بأنه فى عام 2012 تقدم الأجانب ب 1528 طلبا للحصول على براءة اختراع فى مقابل 683 للمصريين فى الوقت الذى حصل فيه المصريون على 92 براءة هذا العام مقابل 542 براءة اختراع منحت للأجانب. أما فى العام الماضى فتقدم 1416 أجنبيا للحصول على براءة اختراع مصرية لمنتجاتهم فى مقابل 641 للمصريين وتم منح 379 براءة للأجانب فى مقابل 86 للمصريين.
وحينما طلبنا التواصل مع مخترعين ومبتكرين أتيح لنا التواصل مع أحد الحائزين مؤخرا على براءة اختراع وهى أمينة محمد رشاد لابتكارها زيت شعر يعمل على إنبات الشعر للمصابين بالصلع ويعالج التقصف والقشرة، الغريب دعم الوزارة لها وحصولها على 3 جوائز مختلفة لابتكارها آخرها من كوريا العام الماضى وآخر قام بتصنيع بوتاجاز يعمل بالطاقة الشمسية.
وفقا لآخر تقرير لمركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، احتلت مصر المركز 106 عالميا من حيث الإنفاق على البحث العلمى، والمرتبة 122 من حيث هجرة العقول، أما عن درجة التعاون بين الجامعات وقطاع الأعمال فى البحث فمركزها رقم .113 د.عادل عويضة - مدير مكتب براءات الاختراع دافع عن اتهامات المخترعين بالبيروقراطية والعرقلة، قائلا: إن مدة التسجيل للحصول على براءة اختراع هى 12 شهرا وهى أقلها فى دول العالم أجمع التى قد تصل إلى 18 شهرا قبل البدء فى الفحص الفنى للمشروع المقدم فربما يكون قد تم نشره فى أى دولة أخرى وفور حصول المتقدم على براءة اختراع له حق الحماية منا لكن لايتسنى لنا تسويقه بل نوكله إلى جهاز تنمية الابتكار والاختراع لدعمه وتسويقه.
وأضاف أن معظم المتقدمين من المصريين للحصول على براءة اختراع لا يعرفون كيفية صياغة التقرير المقدم وقد يقدمه بدلا منهم شركات، فى المقابل الأجانب يعرفون جيدا كيفية كتابته ويتقدمون بآلاف الطلبات للحصول على براءة اختراع لمنتج لهم، لافتا أن معظم المصريين الذين يتقدمون بطلبات للحصول على براءات اختراع لا يهتمون بالبحث الدقيق عالميا حول فكرة مشروعهم التى قد يكون تم تنفيذها بالخارج ويكتفون بأن تكون فكرة جديدة فى مصر فقط، وطالب وزير التضامن الاجتماعى بوقف إعطاء تراخيص لعشرات الجمعيات التى تتحدث باسم المخترعين دون صفة رسمية، فمنذ سنوات مضت لم يكن هناك سوى جمعية المخترعين أما الآن فهناك العشرات غيرها.