لحظات مصيرية تلك التى تمر الآن على مصر، ففى الوقت الذى كان يتجادل فيه المصريون حول حقيقة تمثيلية محاولة اغتيال عنان، فاجأنا الفريق رغم أن بعض المراقبين كانوا يتوقعون انسحابه من المعركة الانتخابية، لكن فى موعد متأخر أكثر من ذلك! هذه الأجواء الساخنة لا يزال يشعلها صباحى بالحديث المتكرر تارة عن الانسحاب اعتراضا على تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، أو الإصرار الثورى على الاستمرار تارة أخرى.. والكل يترقب إعلان «السيسى» ترشحه للرئاسة رسميا وسط رضا شعبى عن مشروع المليون وحدة سكنية، وتحركه السريع لإنقاذ أهالينا فى الصعيد الذين غرقوا فى السيول، ليغطى على لا مبالاة المحافظين والمسئولين! لا يجب أن نخفى قلقنا من السيناريو الذى حذر منه كاتب هذه السطور منذ أسابيع، وهو «السيسى وحيدا» بعد ما كنا نتحدث عن السيسى رئيسا! فالانسحاب الغامض بعد الحديث عن محاولة الاغتيال الأكثر غموضا الذى جذب بهما عنان المشهد من خلال الساعات الأخيرة، قبل أن تتحول الأنظار إلى الترشح المرتقب للمشير، ما هو إلا إجراء يفتح ملفات أكثر منه يغلق أخرى، هذا سبب ما تعرض إليه من وقفوا وراء قرار انسحاب عنان من هجوم، خاصة أن توقيته مثير للتساؤلات لأنه يسبق الإعلان عن ترشح السيسى، لدرجة أنها تغسل سمعة الفريق وتقدمه فى صورة البطل الشعبى الذى يعلى مصلحة البلاد العليا، ويدوس على طموحاته الشخصية من أجل عدم انقسام الجيش بين السيسى وعنان، على أساس أن هناك مقارنة أساسا، وكأن البعض تناسى أن المشير محبوبا شعبيا والفريق مكروها بشكل ملحوظ.. وهو الآن يناور بدور فى الفترة المقبلة.
وطبعا هذا كله بخلاف مزايدته بمحاولة اغتياله الغامضة جدا التى نفاها كل شهود العيان فى موقع الحدث أمام مقره الانتخابى فى الدقى، إذن المحصلة ليست فى صالح السيسى بل بالعكس، الذين لايمثلون أساسا أى قلق عليه لشعبيته الجارفة وبالتالى فتح هذا الباب رسميا للتشكيك فى نزاهة وواقعية وجدية هذه الانتخابات الرئاسية المرتقبة، خاصة أن حمدين صباحى سبق انسحاب عنان الفعلى بالتهديد المتكرر بالانسحاب عن المعركة الانتخابية اعتراضا على تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، وبالتالى من الممكن ولو بنسبة ضئيلة أن نصل إلى سيناريو السيسى وحيدا، وهذا بالتأكيد سيكون مضرا جدا لثورة يونيو والمشير سيسى، ومن المهم أن نستعد لهذا السيناريو من الآن حتى نعرف كيف نتعامل معه بالطريقة المثلى!
وعلمت من مصادرى أن قوى إخوانية رفعت يدها عن عنان بدعم أمريكى للتراجع الفاضح جدا فى شعبيته مع انكشاف تمثيلية محاولة اغتياله، مما دفع قوى تصف نفسها بأنها داعمة للقوات المسلحة للتدخل لاقناع عنان بالانسحاب، حيث يتناحر فيها مشير وفريق، وبالتالى من المهم أن نعرف أن سيناريو السيسى وحيدا سيكون دراميتيكيا بصورة كبيرة حتى إن البعض لم يستبعد اللجوء لخيار مرشحى خيال المآتة رغم أن ثوراتى يناير ويونيو ترفض هذا الفكر المدنس!
«السيسى وحيدا» ينهى على تجربة ديمقراطية غاية فى الأهمية نحلم أن تكتمل للنهاية وبمنتهى القوة رغم معدلات شعبية المشير التى تحسم كل شىء قبل أن يبدأ، والحل الوحيد فى ألا نصل إلى هذا المشهد الصعب من خلال الحلول الوسط فى قانون الانتخابات الرئاسية خاصة أن الاعتراضات تتسع عليه بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة!
ومن الخطير أن يلعب الإخوان التنظيم الداخلى والدولى على هذا السيناريو الذى سيحبط الكثيرين وسيملأ الساحة السياسية بالاستقطاب ضد ومع القوات المسلحة وقوى يونيو، وبالتالى من الصعب تقبل حملات التشويه المتواصلة التى يتعرض لها صباحى حتى فى الأمور الصحية لمعاناته من الإصابة بفيروس سى، حينما تحدثت الفضائيات عن شرط الكشف الطبى على مرشحى الرئاسة لأن هذه الأجواء بعيدة عن الديمقراطية وطبيعى أن يستغلها صباحى بسهولة لصالحه.!
وبالفعل صباحى شكك خلال أحاديثه الدولية الأخيرة فى الديمقراطية التى يريدها السيسى والانتهاكات الحقوقية التى وقعت فى مصر منذ ثورة يونيو، تمهيدا للتشكيك فى نزاهنة نظام يونيو، وما بعده، واستكمل رؤيته المصرة على التشكيك باتهام مؤسسات الدولة بدعم مرشح رئاسى لم يعلن ترشحه، مؤكدا أنه لن يتعاون مع أى إخوانى ردا على ما تردد بعد انسحاب عنان حول أن الإخوان لم يبق أمامهم إلا صباحى فلو بقى سيصوتون له، ولو انسحب سيلعبون على خطوته للتشكيك فى نزاهة العملية الانتخابية!
إلا أنه فى إشارة مباشرة يستبعد معها سيناريو السيسى وحيدا، أكد أنه رغم رفضه لتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، سيبقى فى الصراع الانتخابى بإصرار على خوض الانتخابات كصوت وطنى يعبر عن الثورة المصرية فى 25 يناير و30 يونيو، وفق تعبيره! وبذلك فإن كان صباحى صادقا، ولن يغير بعد عدة أيام، فإننا الآن بصدد سيناريو السيسى - صباحى، وهذا يحزن الكثير من المصريين الذين كانوا يريدون هذه الانتخابات تعددية وتنافسية بحق، وأكثر من ذلك أن هذا السيناريو سيزيد من الاستقطاب فى الشارع، ولفترة كبيرة حتى ما بعد الانتخابات البرلمانية!
حمدين الذى ركز على قضية تحصين لجنة الانتخابات لم تبرز له تصريحات عن السيول التى تعرض لها الصعيد، لكن السيسى فى المقابل تعامل مع الموقف سريعا فى وقت كان يعد فيه الترتيبات لمشروع المليون وحدة، وقبلها كان التأكيد على صحة جهاز كشف الفيروس الكبدى الوبائى، أى أن الأمور مليئة بالتفاؤل والأخبار الطيبة، لكن الإصرار على صفقات التهدئة مع الإخوان الإرهابيين من خلال القوى الإخوانية و6 أبريل وحسن نافعة، خاصة أن محمد على بشر القيادى الإخوانى لم يخف تأييده لمبادرة نافعة وغيرها من محاولات التهدئة، لكن لم يقل أصحاب هذه الصفقات رأيهم فى تورط الإخوان الإرهابيين فى حادثة مقتل وإصابة عدد من الضباط والجنود فى الزيتون بشهادة المتحدث العسكرى، خاصة أنه لا تفصلها سوى ساعات عن دعاوى العصيان الإخوانى.
إجمالا، فإن الساعات القادمة ستشهد تحركات وتطورات مصيرية فى تاريخ مصر خلال الفترة القادمة، ومن المهم جدا رصدها للسيطرة عليها، خاصة التوترات التى أشعلت غزة فجأة بالغارات الإسرائيلية المكثفة، واستمرار حرب الإبادة الجماعية للمصريين فى ليبيا بمقتل مصرى تاسع على أيدى مجهولين، يشير إلى أن مصر تحاصرها «كماشة» من غزة وبنى غازى، كما حذرنا الأسبوع الماضى، ومن الضرورى توفير البيئة الهادئة لانتخابات الرئاسة المرتقبة، فيكفينا العمليات الإرهابية الداخلية!
وكان مستفزا أن يدعى المشاركون فى جلسة إقناع عنان بالانسحاب بأن قراره هذا يحمى القوات المسلحة من الانقسام، خاصة أن عنان غير مذكور تماما، فلماذا يروجون لذلك، والآن بالذات، الخطورة تنبع فى هذا التخبط من اللعب الإخوانى على إمكانية الفرقة فى الجيش كما يدعى المشاركون فى جلسة إقناع عنان، ومن المهم أن يختفى تماما عنان عن المشهد وألا يطلب أى مقابل ردا على هذا الانسحاب المفاجئ!