هذا العمل ليس مجرد فيلم مصرى ينافس بخطوات واثقة للحصول على الجائزة الأهم فى العالم- الأوسكار- وذلك من واقع تصدره للمراكز الأولى فى قوائم الأفضل والأهم والأكثر تأهلا للجائزة فى معظم مجلات ومواقع السينما العالمية.. لكنه وثيقة عن ثورة مصر وكفاح المصريين على مدار عامين ونصف العام، أسقطوا فيها رئيسين وثلاثة أنظمة. الفيلم تسجيلى طويل يحمل اسم «الميدان» للمخرجة المصرية الأمريكية «جيهان نجيم»، وهو كما يدل عنوانه يدور حول ميدان التحرير. ربما لم يلق الفيلم الذى أثار انتباه العالم نفس درجة الاهتمام عندنا بل إن معظمنا لم يسمع حتى باسمه.
فيلم «الميدان» للمخرجة «جيهان نجيم» من المفترض أن يعرض فى القاهرة فى الذكرى الثالثة للثورة فى يناير .2014 ولذلك حاولنا أن نقترب أكثر من مخرجته وصاحبته التى بدأت بالحديث حول المقدمات التى سبقت تنفيذ هذا الفيلم واللحظة التى جاء فيها قرار عمله فقالت :
قدمت فيلما فى عام 2007 بعنوان «شايفين دوت كوم» الذى يتناول المجهود الذى قامت به ثلاث نساء هن: بثينة كامل، إنجى حداد وغادة شهبندر.. من أجل تحقيق التغيير السياسى والاجتماعى فى مصر وذلك من خلال الموقع الإلكترونى الخاص بهن (شايفين).. وعندما سمعت عن مسيرات 25 يناير سألت هؤلاء الصديقات لمحاولة فهم ما سوف يحدث، وقررت أن أكون جزءا من هذا الحدث وأن أصنع فيلما عنه. واتبعت الطريقة المفضلة لدى وهى اختيار شخصيات من المشاركين فى الحدث ليكونوا أبطال الفيلم.. وذلك على أن تتوافر بهم شروط الذكاء والمرح والابتعاد عن النمطية، وأن تنعكس من خلالهم شخصية مصر المليئة بالجمال والتعقيد. وفى أثناء ال(18) يومًا التى سبقت سقوط مبارك التقيت بأبطال الفيلم: «أحمد حسن»، «خالد عبدالله»، «مجدى عاشور»، «راجية عمران»، «رامى عصام»، «عايدة الكاشف»، «بيير السيوفى»، «بثينة كامل». والتقيت أيضا بطاقم عمل الفيلم: مجموعة من شباب السينمائيين الموهوبين.. اتبعنا خطوات أبطال الفيلم، كانوا هم الدليل الذى يرشدنا ويوجهنا لمدة ثلاث سنوات.
∎ هل اتبعت سيناريو محددًا للفيلم أم جاء بشكل ارتجالى؟
- لم يكن هناك أى تحضير للفيلم قبل تصويره. الفيلم يعتمد على رد الفعل على الأحداث التى وقعت، من خلال قصص الأبطال، التى تجسد لمحة خاطفة عمن كانوا فى الميدان لمعرفة حقيقتهم بعيدا عن عناوين الصحف ونشرات الأخبار التى لم تقرب الناس من شباب الميدان.
∎ وهل كان تحديد الرؤية النهائية للفيلم أثناء أم بعد التصوير؟
- نصف الرؤية تحدد أثناء التصوير والنصف الثانى أثناء المونتاج. لقد قمنا باستخدام أربع كاميرات لتصوير أماكن متفرقة من الميدان.. لذلك حققنا مادة مصورة ضخمة جدا. حاولنا أن نأخذ منها الأكثر خصوصية وأهمية لدى شخصيات الفيلم. لنقدم تجربتهم فى أوقات الانتصار والانكسار. وتصوير إحساسهم بالضياع والوحدة والفشل ثم القرار بالعودة مرة أخرى للميدان فى اليوم التالى. وهذا هو قمة الإلهام لأى إنسان يريد أن يستوعب معنى الصمود والإخلاص.
∎ على أى أساس اخترت شخصيات الفيلم، لماذا هؤلاء الستة بالتحديد ولماذا ثلاثة منهم فنانون؟
- هناك ثلاث شخصيات رئيسية وثلاث ثانوية. الشخصيات الرئيسية كان لديها علاقة متواصلة بالميدان خلال الثلاث سنوات. ومعايير اختيارهم كانت على مقدار شعورهم بأن هذه البقعة من الأرض هى أداة مهمة فى الثورة.. وسبب آخر أن هؤلاء الأشخاص مصريون أذكياء ولديهم مبادئ ويهمهم حقا مستقبل مصر. وكذلك فإن شخصياتهم جذابة. تجعل المتفرج راغبا فى مشاهدتها وقضاء الوقت معها. الشخصية الرئيسية «أحمد حسن» والذى أصبح مخرجا واعدا، «خالد عبدالله» ممثل وناشط سياسى.. جذوره العائلية كلها مناضلون، جده ووالده حاربا من أجل إحداث تغيير سياسى وعدالة اجتماعية فى مصر. وفى النهاية «مجدى عاشور» كهربائى وعضو فى جماعة الإخوان المسلمين. وهو الذى يرد على التساؤلات حول هذه الجماعة فى نقاط محورية فى الفيلم، أما الشخصيات الأخرى فهى «راجية عمران» محامية وناشطة حقوقية، «عايدة الكاشف» ممثلة ومخرجة، «رامى عصام» مطرب.. وبالفعل لقد انجذبنا للفنانين، ربما لأنهم كانوا أصحاب الأصوات العليا والمعبرة عن الثورة.
∎ وهل كانت هذه الشخصيات معبرة عن اختلافات الشارع المصرى؟
- هذا أمر شبه مستحيل أن تعبر عدة شخصيات عن آراء المصريين.. ولكن من المؤكد أن هذه الشخصيات عكست الآراء المختلفة للميدان خلال السنوات الماضية. وما كنت أتمنى تقديمه فى فيلم مدته تسعون دقيقة ليس تقديم وجهات النظر بقدر ما تمنيت الغوص داخل الشعور بأن تكون هناك - فى الميدان.. أردنا أن نتواصل مع لمحات من السحر والحسرة لرحلة السنوات الثلاث. ما هو إحساس أن تكون موجودا فى الميدان كمتظاهر، كمحارب لشىء أكبر منك. مثلا «أحمد» الذى يحكى بالأشعار وهو شخصية فريدة وعبقرية، يبدأ الحديث فى الميدان وبعد لحظات يلتف الناس حوله.. يستمعون إليه ويناقشونه. لانجذابهم لانفتاحه وضحكاته وذكائه وحبه العميق وآماله لهذه البلاد. وإيمانه بالتغيير. كل الشخصيات تشاركت هذا الإيمان وآمنوا أيضا بمبادئهم.. كلهم آمنوا أنهم قادرون على أن يجعلوا مصر أفضل مكان. وناضلوا من أجل تحقيق ذلك الحلم. على الرغم من أنهم جميعا جاءوا من بيئات متنوعة ولديهم وجهات نظر مختلفة. لكنهم يدركون أن مصر وطن للجميع.
∎ ما أكثر الصعوبات التى واجهتك أثناء التصوير خاصة أنه تم القبض عليك أثناء أحداث محمد محمود الأولى؟
- لا أريد التركيز حول القبض على. لأننى واحدة من الكثيرين الذين واجهوا ذلك. بل هناك من واجهوا ظروفا أصعب أثناء اعتقالهم. لقد تم القبض على فقط ليومين ولم أتعرض لأى أذى. الصعوبة الحقيقية كانت عندما يختفى أحد أبطال الفيلم، ولا نتمكن من الوصول إليه. كنا نشعر بالفزع من أن يكون قد أصابه مكروه.
∎ أيهما كان الأهم أن تقدمى الجانب السياسى أم الإنسانى؟
- كان الجانب الإنسانى هو الأهم بالنسبة لى، لأننا فى مصر والعالم نجد دائما أخبار المسيرات أو الانتخابات أو المعارك الدموية. لكننا لا نقترب من البشر. ومن المستحيل توثيق حدث سياسى لم ينته بعد. أفضل ما نستطيع عمله هو أن نعطى لمن لم يذهب إلى الميدان مشاعر الأمل والتوحد والنضال من أجل الكرامة والتى صاحبت كل من كانوا هناك.
وأن نتعرف على الرحلة الشخصية لعدد قليل من شباب الميدان. هذا الفيلم عنوانه «الميدان» وليس «الثورة» التى تحتاج كى نوثقها سنوات طويلة وأفلامًا كثيرة.
∎ قمت بتغيير نهاية الفيلم بعد سقوط مرسى، هل كان ذلك ضروريا؟
- النهاية الأولى الممكنة للفيلم كانت مع انتخاب مرسى. فكان الفيلم يبدأ مع إسقاط مبارك وينتهى مع انتخاب مرسى. ولكن الناس عادت للشوارع بعد أشهر قليلة. فشعرنا أنه لابد من مواصلة التصوير. فقد كان مهما توضيح دور حركة تمرد وإظهار خيانة مرسى للثورة وسقوط نظامه.
∎ هل من الممكن أن يغير الفيلم الفكرة التى أخذها الأمريكيون من الإعلام هناك عما يحدث فى مصر الآن؟
- أعتقد أن هناك اضطرابًا وسوء فهم من الإدارة والإعلام الأمريكيين تجاه ما يحدث فى مصر. فالذى حدث من الصعب أن يفهمه الأمريكيون إن كان انقلابا أم لا.. لذلك أتمنى أن يتفهم كل من يشاهد الفيلم حقيقة الموقف. ومن شاهدوا الفيلم بالفعل قالوا: لقد فهمنا أخيرا ما حدث.. وقد نال الفيلم جائزتى الجمهور فى مهرجانين مما يعنى أن شباب الميدان تمكنوا من إحداث تأثير، لمسوا القلوب والعقول لجمهور أمريكى وغير أمريكى. جمهور لم يأت إلى مصر، لا يتحدثون العربية ولا يعرفون شيئا عن السياسة فى مصر. وبالنسبة لى كمواطنة مصرية عشت فى الولاياتالمتحدة وشاهدت الكثير من الصحافة المروعة عندما تغطى أخبارا عربية. لذلك كنت سعيدة بأن أسمع الناس تقول عن شخصيات الفيلم إنها كانت ملهمة بالنسبة لهم.. ولكن علينا أن نتذكر أن الثورة المصرية تذكر الأمريكيين بحركة الحقوق المدنية فى الستينيات. ولكن فى نفس الوقت لم يشهد الشارع الأمريكى أية حركات منذ عقود. المسيرات ضد حرب العراق لم تفعل الكثير، الحرب مازالت تحدث. وأذكر أن طالبة قالت لى بعد عرض الفيلم «أنا لا أعرف شيئا عن مصر أو السياسة ولكن هذا الفيلم بالنسبة لى كان عن النضال من أجل المبادئ فأنا ناشطة أدافع عن البيئة ولكن بعد مشاهدة هؤلاء الأشخاص وكيف يتواصلون، ويهتمون بمستقبل بلدهم سأفكر ثانية فيما أفعله».