الحرب الإعلامية القذرة التى يشنها الغرب على الثورة الشعبية المصرية لا تجد من يقف ضدها فى ظل الجمود الذى يحاصر هيئة الاستعلامات المصرية فى سقطة تاريخية لها، وعلمنا أن هناك تغييرات جذرية مرتقبة فى «هيئة الاستعلامات» لعدم تكرار ذلك، بالإضافة لحركة تعديلات واسعة بين الدبلوماسيين المؤيدين للإخوان فى سفاراتنا.. فلا يمكن أن تكون الدولة المصرية غير قادرة على التصدى لشركة علاقات عامة تعاقد معها التنظيم الدولى للإخوان لتشويه صورة ثورة 30 يونيو أمام العالم والتمهيد لتحويل مصر إلى سوريا ثانية. لا يمكن أيضا أن يكون للدور القطرى من خلال قناة الجزيرة بأصنافها المختلفة ونسبتها فى «الجارديان» الإنجليزية السبب فى قوة هذه الحملة، ولا حتى الغضب الأمريكى والإنجليزى والألمانى من الثورة المصرية الثانية هو السبب فى ذلك، لكن منالممكن أن تكون كل الأسباب مجتمعة.. والحل فى المواجهة التى بدأت تؤتى ثمارها بشكل تدريجى.. لكن مبشر رغم استغلال أحداث دموية مثل «الحرس الجمهورى» و«المنصة» وغيرهما مما يجهز لها الإخوان لتشويه صورة مصر وتصويرها على أنها ساحة الفوضى !
رصدنا خط التناول فى أبرز الصحف الغربية قبل الثورة بأيام وحتى الآن لنحلل الصورة كاملة، ولاحظنا أن «واشنطن بوست» تصدرت فى افتتاحيتها بعددها الصادر فى 28 يونيو بعنوان «بعد عام من الحكم الردئ» ادعاء تحرك مصر نحو صراع سياسى قد يخلف نتائج كارثية وأعربت عن اعتقادها بأن هذا الصراع «من المحتمل ألا يعود بالفائدة على أى من الحكومة الإسلامية أو المعارضة التى يغلب عليها الطابع العلمانى، لكنه قد يدمر آمال مصر فى تعزيز نظام ديمقراطى مستقر أو تناول مشكلاتها الاقتصادية العميقة».
أما مجلة «الأوبزرفر» البريطانية فقد اختارت عنواناً صادماً لمقالها الافتتاحى فى 29 يونيو «مصر : ثورة على حافة تدمير ذاتها» وكانت الصحيفة ترى أن 30 يونيو قد يشهد خروج الملايين للشوارع واشتعال مواجهات ملحمية وأعمال العنف التى وقعت قد تمهد «لانهيار شامل وفوضوى». وفى نبرة تحذير مليئة بالتشاؤم، تشرح الصحيفة أن «الحديث الدائر فى مصر كلها حول «ثورة ثانية» لاستكمال أو إنجاز أهداف الأولى، لكن الخطر أنه فى إطار مساعيهم لإنجاز أو إعادة توجيه التحول الذى حققوه بكل فخر، ربما يخسرون المكاسب التى حققوها، ويدفعون للوراء عكس حركة التاريخ داخل الأنفاق المظلمة للاستبداد الكئيب والقمع وتكميم الأفواه. وما تم الفوز به قد يتعرض للمصادرة، وما يتبع ذلك ربما يكون أسوأ بكثير جدا».
لم يتغير الحال كثيرا فى تناول الصحف الغربية لأحوال مصر خاصة بعد نزول الملايين إلى الميادين لمساندة الجيش كما دعا الفريق السيسى يوم 26 يوليو الماضى، فقد تناولت الصحفالغربية وعلى رأسها «لوس أنجلوس تايمز» أحداث النصر التى وصفتها بالدموية، وتطرقت الصحيفة إلى الحديث عن اختلاف الروايات عما حدث فجر السبت الماضى بين الشرطة والإخوان.
من ناحية أخرى تتصدر تصريحات الإخوان بعض المحطات الأجنبية وقناة الجزيرة بكل أصنافها ليعلنوا أن حصيلة قتلاهم تصل إلى 120 قتيلاً بالذخيرة الحية من قبل الشرطة وقناصة المحتجين السلميين ؟!
أما التايم الأمريكية فترى أن قوات الشرطة المصرية سارعت وبادرت بإقناع أنصار المعزول بالعودة إلى منازلهم ومحاولة الاندماج مرة أخرى فى نهاية المطاف إلى مستقبل ما بعد مرسى، إلا أنها ترى أن ما قام به الفريق السيسى من مناورات لحشد الشعب المصرى لدعم الجيش فى مكافحة الإرهاب تنذر بأن الجيش والشرطة قد بدأوا فى فقدان صبرهم خاصة بعدما أظهر اعتصام الإخوان مؤشرات ضئيلة لفض الزخم. وفى النهاية أكدت «التايم» أن الإخوان تعمل الآن على جر الشرطة والجيش لاستئصالهم بالقوة، وهى العملية التى لا يمكن أن تحدث ببساطة ودون إراقة لدماء الكثيرين.
أما «نيويورك تايمز» الأمريكية فأكدت تلاشى الآمال لخلق أى نوع من أنواع التوافق السياسى بين الإخوان والجيش اللذين سعيا إلى استعراض قوتهما فى مسيرات انتهت باندلاع اشتباكات السبت الماضى والتى انتهت بوجود 25 جثة ترقد على أرضية غرفة تستخدم كمشرحة فى «رابعة»، كما اعتبرت الصحيفة أن خروج الملايين إلى الميادين تأييدا للفريق السيسى ضربة موجعة للجماعة.
واعتبرت الصحيفة أن الإعلان عن توجيه اتهامات للرئيس المعزول ربما يهدف إلى توفير الغطاء القانونى فى وجه الضغوط الدولية المفروضة على السلطات المصرية لإطلاق سراح مرسى، وكتب «روبرت فيسك» فى مقالته فى صحيفة «الإندبندت» تحت عنوان «إطلاق النار على رؤوس المتظاهريين عدا واحد فقط أصيب فى ظهره» وجاء العنوان الجانبى للمقال ذاته «كل القتلى من الإخوان المسلمين ولم يقتل شرطى واحد».
ويقول «فيسك» إن المستشفى الملحق بمسجد رابعة العدوية مكتظ بالنساء والرجال المنتحبين، وكان الكثير منهم يتحدث عن الله، حيث قال أحدهم وهو يجفف دموعه «كان الله فى عون الواقفين فى الخارج فى الشمس.. نحن هنا فى الظل» فى إشارة إلى المعتصمين منذ الإطاحة بمرسى 3 يوليو، ويقول فيسك الذى انحرف إخوانيا بصورة مثيرة للتساؤل أن معظم القتلى حملوا آثار إصاباتهم بأعيرة نارية على رؤوسهم وعيونهم، وبعضهم أطلقت النار على صدره، وأضاف أن الجماعة تقول أن رجالها غير مسلحين، وهو ما قد يكون صحيحا، «على الرغم من أن الرجل الذى يحرس مرآبا للسيارات الذى رافقنى إلى المستشفى كان يحمل كلاشنيكوف»؟!
ومن صحيفة «صنداى تايمز» نطالع افتتاحية بعنوان «الصقيع يحيط بالربيع المصرى»، ويقول المقال أنه من الصعب التصديق أنه مر أقل من شهر منذ إطاحة الجيشبحكومة مرسى، ومن الأصعب إيجاد مخرج للفوضى فى مصر، وتقول الصحيفة أن ملابسات إطلاق الجيش النار على المتظاهرين المؤيدين لمرسى لم تتضح بعد، ولكن المعلوم أن الجنرال السيسى الذى طلب تفويضا لمكافحة «الإرهاب» عاقد العزم على «القضاء على الإخوان».
ووصف «هيومايلز» الكاتب فى صحيفة «صنداى تليغراف» مزاعم قتل الجيش المصرى مؤيدى مرسى بأنه مقامرة خاضها جنرالات الجيش تشى بزيادة احتمالات تحويل نزاع القوى فى مصر إلى صراع دموى. ولكن «مايلز» شدد على أن المشهد فى مصر تغير كثيرا بعد الربيع العربى، وأن المصريين لم يعودوا كما كانوا من قبل، وبالتالى فإن مخاطرة الجيش باستخدام القوة المفرطة أو إقصاء الإخوان المسلمين فى أى انتخابات مقبلة قد تؤدى إلى عواقب وخيمة قد تحرق البلاد.
ولم تكتف الصحف الأجنبية بهذا الحد فى تحليل الموقف المصرى والوقوف بجانب الإخوان على اعتبارهم «شهداء الوطن» ونسيان كل الأحداث والمجازر التى قاموا بها ولم يكن آخرها بل أشهرها فقط رمى المتظاهرين من فوق أسطح المبانى فى الإسكندرية.. فالمكان لا يتسع هنا لذكر المذابح التى ارتكبوها ضد الشعب المصرى و«عاصرى الليمون»، بل امتدت إلى شبكة السى إن إن التى كانت تذيع مشاهد الاتحادية يوم 26 يوليو على أنها مشاهد لمؤيدى المعزول من جامع رابعة، فبالرغم من الحرفية التى من المفترض أن تتبعها المحطة إلا أنها انجرفت فى سياسة بلدها التى تدعم الإخوان المسلمين لتعزيز مصالحها فى الشرق الأوسط.
هذا كله فى غياب كامل من قبل مؤسساتنا المفترض أن تقوم بتعزيز ونقل صورة مصر الحقيقية. ففى الوقت الذى اصطحب متظاهرو رابعة المراسلين الأجانب الساعة الثالثة فجرا لمعاينة المشهد والوقوف على عدد الضحايا، كانت هيئة الاستعلامات تبحث عن أرقام المراسلين الأجانب حتى يتسنى لها اصطحابهم فى جولة تفقدية عبر طائرة لتصويرالشعب يوم 26 يوليو . وبالرغم من حالة الركود التى تعانى منها المؤسسات الحكومية يظهر فى الأفق مصطلح الدبلوماسية الشعبية التى تحقق مكاسب بأسرع من الدبلوماسية الرسمية !.
لكن نتوقع أن يدعمنا أشقاؤنا فى أفريقيا وفى الاتحاد الإفريقى بشكل حقيقى بعد نجاح الزيارة الأخيرة للوفد الإفريقى الذى زار مرسى فى الوقت الذى رفض طلب وزير الخارجية الألمانى بزيارته !
السفير عبدالرؤوف الريدى الخبير الدبلوماسى أكد لنا أن الموقف خارجيا والإعلام الأجنبى وخاصة فى أمريكا بدأ يتغير لصالح الشعب خاصة بعد المقال الأخير الذى كتبه «فيسك» وأشار فيه إلى أن السيارة التى أوصلته إلى رابعة بصحبة واحد من التيار الإسلامى كان بها سلاح وهذا ينفى شائعة أن الاعتصام سلمى.
وأوضح الريدى أن نبرة حديث أشتون هذه المرة تأتى فى صالح إرادة الشعب، فالموقف خارجيا «بدأ يتغير تدريجيا»، ويجب على كل الجهات والهيئات التعاون لتوضيح الصورة الحقيقية للخارج. فالإخوان كما يقول الريدى لديهم فريق عمل وشركات تعمل على تحسين صورتهم فى الخارج، فضلا «عن قناة الجزيرة التى تعمل ليل نهار» على بث صور ما يصفونه بمعاناتهم !
«قناة الجزيرة» التى نقلت أحداث الاتحادية على أنها أحداث رابعة المؤيدة لمرسى تقوم بدور خطير فى دعم الإخوان، وهو الذى قامت به السى إن إن من نقل وقائع الاتحادية على أنها مشاهد لمؤيدى المعزول من رابعة.
وانتقد «الريدى» غياب «هيئة الاستعلامات» عن القيام بدورها الأساسى وتوضيح الصورة للخارج، الأمر الذى خلق فجوة كبيرة جدا استغلها الإخوان بمنتهى الذكاء، ولكن المشهد بدأ فى التغيير لصالح الشعب رغم ذلك !
وبالرغم من الموقف المخزى لهيئة الاستعلامات فإن السفير نبيل فهمى وزير الخارجية يعمل على قدم وساق لتوضيح الصورة الحقيقية فى الخارج. وبالنسبة إلى موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية فأكد الريدى أن موقفها فى تحسن واضح وأنها بالتأكيد سترضخ لإرادة الشعب المصرى، ولكن يجب على القادة والإعلاميين توضيح الصورة كاملة للغرب بالنسبة لاعتصامى رابعة والنهضة حتى يكون لديهم علم بأنها اعتصامات غير سلمية كما أشار فيسك فى مقاله.