على نحو ما ارتأى الرحابنة أن المسيح طفل، دون أن يغادر المغارة بعد.. كان باكيا، بكياه وأمه.. لعلها بكائية طويلة، بكائية الأرض، القدس الضائعة، أتباع إنجيله المضطهدين، وأولئك الذين كتب عليهم حمل الوصمة التاريخية الأشهر «شرق أوسطى-عربى»، أيا كانت ديانتهم!
على نحو خاص أكن شجنا للمسيح وأمه، الكلمة التى شقيت بأطول فترة سباب وتشكيك نسب على طول الدهر، ما يزيد على ألفى عام حتى الآن! لم تختلف الرواية الإسلامية كثيرا عن مثيلتها فى واقعة حمل البتول وإنجابها للكلمة الطاهر، كتب اليهودية الوضعية للحق هى التى أفاضت على اختلاف نِحَلِها الفكرية- أفاضت فى سب العذراء وافترت عليها بكل ما يمكن أن يقال فى سياق التشكيك فى سمعة النساء، واعتبرت ابنها سفاحا، حتى إنها خلطت فى تماهٍ وضيع بينها وبين المجدلية.
لهذا فعلا أحترق دهشة حين يتحدث أحد الإسلامبوللية عن المسيح وأمه، هذا الأفاق أبودقن تشبه مؤخرات قردة البابون، الذى جرؤ على حرق الإنجيل باعتباره كتابا محرفا، من أنت لتدعى ادعاء وضيعا كهذا على كتاب ذكر اسمه نصا ولفظا وصفة فى القرآن الذى يفترض بك تقديسه، وكذلك زميله فى الفكر الإسلامبوللى الذى «نطق كفرا» مدعيا أن مريم البتول تزوجت!، ثم يحدثك باعتباره فقيها إسلاميا!!، مولانا الشيخ الذى يفترض به أن يعرف على الاقل أن كتابه تقدست أسماؤه قد خصص للبتول سورة باسمها، يزعم دفاعه عن شرفها وشرف نسب ابنها فيقول إنها تزوجت!!
بقدر ما أندهش لهذه الاتضاعات التى باتت المجاهرة بها مفخرة بين مدعى الإسلام الذين خرجوا على السطح كدبيب الأرض الخبيث، بقدر ما أتفهم من أين استقى هؤلاء الوهابيون تعاليمهم ومعلوماتهم، جوهر الإسلام والمسيحية لم يختلفا فى تقديس هذه العائلة كلها، القرآن أيضا سجل لها سورة باسم آل عمران التى تنتسب إليها مريم وابنها، سدنة بيت الله، ودار شهدائه وأولهم يوحنا المعمدان ابن خالة المسيح عيسى ابن مريم، فقط أولئك الإسلامبوللية فى غيهم فعلا يعمهون.
وفيما يقول الإنجيل فى البدء كانت الكلمة، عيسى، اليسوع، المسيح، يقول القرآن ''إنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ''، ويقول أيضا ''إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ''، لا خلاف مطلقا ولا تعارض حتى بين اللفظتين، المسيح هو كلمة الله السواء فى الديانتين ولا تثريب، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم ليعارض هذا، ولم يثبت عنه أنه رأى خلاف ذلك.
لقد ظل أولئك يتقولون على المسيح منذ ميلاده إلى اليوم، لم يتركوا إفكا إلا وألحقوه به، ولم يكن منه إلا أن قال اعبدوا الله، ومن ضربك على خدك الأيمن، أدر له الأيسر، وأحبوا أعداءكم، ديانة جوهرها التسامح إلى حد المثالية التى يستحيل وجودها على الأرض، هو نفسه كان من المستحيل بقاؤه على الأرض فى ظل تعاليم بالغة النقاء عصية على اختراق تلك القلوب الغُلْف المغرقة فى الجهل والقسوة، قلوب لم تتورع عن الخيانة فى أحط صورها، خيانة التلميذ الثقة الذى قاسمه آخر شربة ماء وآخر كسرة خبز قبل أن يبيعه لأعدائه بثلاثين فضة، قلوب لم تتورع عن «ترصده»، وإعداد الصليب المهيب والتخطيط لدق جسده الطاهر الواهن المؤمن بمسامير الحقد والكراهية عليه، وعلى مرأى من العذراء الملتاعة المنكوبة فى ابنها وشرفها، المشهد الذى لم تكن لتتحمله أى أم!
اليوم يواصل هؤلاء الأجلاف الإسلامبوللية الوهابيون حملاتهم الموتورة ضد المسيح ذاته، ضد كلمة الله وظله، يحرمون أعياده، ويمنعون ماعون تهنئة أتباعه، يحرضون فى ابتذال همجى على قتلهم وحرق كنائسهم وإخراجهم من أرضهم، المسيحيون أهل الكتاب، والأسبق إلى الإسلام، وإلى معرفة الله عبر كلمته، أى غى هذا!
هذه الأيام نحيى جميعنا المسلمين قبل المسيحيين ذكرى أسبوع الآلام، نحتفل بالأعياد بعده، وندعو الله حقا أن يعيننا على آلامنا، آلام الشقاق والاضطهاد، وفتنة الزيجات «المختلطة» التى أعان الله المبتلين بها، ندعوه أن تنتهى آلامنا، آلام الوطن، آلام أمة استجار بأهلها المسيح يوما!