بعيدا عن تأخر إذاعة لقاء الرئيس مرسى مع الإعلامى عمرو الليثى والتكهنات حول أسباب هذا التأخير حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى ليكون أول رئيس فى تاريخ مصر ينهى لقاء له مع تباشير صباح اليوم التالى إلا أن ما يهمنا فى هذا الصدد هو رصد دلالات لقاء الرئيس، ومن الطبيعى أيضاً أن نقوم بتحليل سياسى لهذا اللقاء، ولكن مع الأسف فإن أعتى المحللين السياسيين يقفون أمام هذا اللقاء مكتوفى الأيدى، فلقد بدا التوتر والقلق واضحين على الرئيس وهو ما انعكس على ردوده وتفاعله مع محاوره فلقد جاءت الأسئلة فى وادٍ والإجابات فى واد آخر ولم يقدم مرسى ردا شافياً أو غير شافٍ لأى من التساؤلات التى وجهت إليه، بل كان يهرب وبطريقة ساذجة.
وأخيرا قدم مرسى للشعب المصرى أكبر رشوة انتخابية فى التاريخ وكأن هذا الحوار كان الغرض منه شراء ذمم وضمائر المصريين فى صفقة على الهواء مباشرة وهو ما سوف نتعرض له لاحقاً، ولكن التساؤل الكبير الذى يقفز أمامنا هنا هو: لماذا تم الزج بالرئيس فى حوار مع إعلامى محترف قام بتجميع كل أخطاء وخطايا جماعة الإخوان فى الفترة السابقة بشكل منظم ومرتب و(تلبيسها) للرئيس؟ ولماذا تركت الجماعة الرئيس وهى التى تراقبه وتعد عليه أنفاسه يقع فى حبائل الليثى المحكمة؟! لوغاريتمات وطلاسم علينا هنا وقبل أن نشرع فى المحاولة للبحث عن أجوبة لهذا التساؤل (اللوغاريتمى) أن نرصد أجواء الحوار والتى يمكن لها أن تفك لنا بعض الطلاسم وهى: تسارع وتيرة أخونة الدولة بالتزامن مع تعجل جماعة الإخوان لإتمام عملية التمكين من الأرض بعد أن تم لهم التمكين من الحكم من خلال إقصاء كل القوى المعارضة سواء كانت حزبية أو مؤسسية بشكل يبدو مشروعا ومقننا من خلال دستور ملفق وقانون انتخابات غير دستورى والانقضاض على السلطات، وهو ما حدث مع المحكمة الدستورية العليا وتحصين انتهاكات الرئيس الدستورية والنائب العام. تردى شعبية الجماعة وزيادة وتيرة الغضب الموجه ضدها، وهو ما خرج عن طور السجال السياسى ليتبلور شعبيا على أرض الواقع ليتخذ شكل تظاهرات واعتصامات تطورت إلى عصيان مدنى خرج من بورسعيد وبدأ يمتد إلى بقاع كثيرة فى محافظات مصر مع تزايد فى الحشود المنضمة إلى هذا العصيان يوما بعد يوم. فشلت جماعة الإخوان فى اختراق أو احتواء أو التصدى للعصيان. بل وصل الأمر إلى هروب نواب الجماعة واختفائهم من مناطق العصيان المدنى، بل أغلقوا مقراتهم تحت الضغط الشعبى كما حدث فى بورسعيد لتقع الجماعة فى مأزق، فعلى الرغم من تسارع وتيرة الأخونة والتمكين إلا أن كل تلك المحاولات تظل إجرائية وليس لها أى مردود فى الشارع، بل على العكس تلقى مقاومة ومعاوقة كبيرتين ليصبح التمكين نظريا بعيدا عن التطبيق العملى على الأرض. كان لابد أن تفكر الجماعة فى مخرج من مأزقها ولكن مع انعدام الخبرة والرؤية السياسية للإخوان والإصرار على العناد مع القوى السياسية المختلفة حدث انسداد سياسى بين الجماعة والشارع أدى إلى قطع كل سبل التواصل مع تلك القوى السياسية، فكان لابد من البحث عن كبش فداء يتم تقديمه إلى الشارع يتحمل كل أخطاء الفترة الانتقالية وكان لابد أن يكون هذا الكبش بحجم المشكلة فالمشكلة كبيرة جداً. إن تاريخ الجماعة فى إقصاء ونفى رموزها وقياداتها ملىء بشخصيات كاريزمية قيادية تم العصف بهم لتحقيق مصالح الجماعة، أمثال الدكتور محمد حبيب والدكتور إبراهيم الزعفران وغيرهما الكثير، فالجماعة ليس لديها عزيز ولا غالٍ. من هنا كان التفكير فى تحميل الرئيس كل إخفاقات الإخوان وجرائمهم فى الفترة الماضية والإطاحة به، خاصة أنه لم يكن رجل الجماعة الأول المرشح لمنصب الرئيس فالجميع يعلم أنه كان البديل لخيرت الشاطر الرجل الأقوى لدى الإخوان. إن الإطاحة بالرئيس فجأة سوف يعيد الجماعة إلى أجواء 25 يناير لتتصارع معها القوى السياسية من جديد على كرسى الرئاسة وهو صراع غير مأمون العواقب بعد أن أظهر الإخوان وجههم القبيح للجميع. قلقلة الرئيس هنا نصل إلى مربط الفرس وتبدأ طلاسم حوار الرئيس مع الليثى تنفك تدريجيا، فبعد أن قرر الإخوان الإطاحة بالرئيس ككبش فداء كانت هناك عقبتان فى هذا الطريق، وهما كيف يضمن الإخوان أن إزاحة الرئيس لن تفقدهم ما حققوه من مكاسب بعد سقوط النظام السابق؟ والعقبة الثانية كيف يتم تمهيد الرأى العام وخاصة الإخوانى لقبول حقيقة إقصاء الرئيس؟ وجد الإخوان ضالتهم المنشودة فى الدستور الملفق الذى يقضى بأن رئيس مجلس النواب هو من يحل محل الرئيس حال اختفائه، وهو ما يستدعى بأن تتم انتخابات مجلس النواب بأسرع وقت ويتم تزويرها لتأتى بأغلبية إخوانية تحت قبة البرلمان تلك الأغلبية تدفع برئيس إخوانى يتولى رئاسة المجلس يكون بديلا لمرسى بعد أن تجبره الجماعة على التنحى بأى حجة، أما تمهيد الرأى العام لتقبل هذا السيناريو فكان عن طريق تدبير هذا اللقاء التليفزيونى . الرشوة الانتخابية لم ينس الإخوان أن يرسلوا مع مرسى من خلال حواره التليفزيونى أكبر رشوة انتخابية عرفها الشعب المصرى فى تاريخه، فها هو الحد الأقصى للإعفاء الضريبى يرتفع وزيادة معاش الضمان الاجتماعى وزيادة التعويضات لشهداء بورسعيد وغيرها، فلقد قرر الإخوان التوقف عن تقديم الرشاوى الانتخابية العينية من سكر وأرز وزيت وخلافه وإعطاء المصريين كل ذى حق حقه (ناشف) . وبحرفية شديدة استدرج عمرو الليثى مرسى إلى المنطقة المكروهة وهى انكسار الرئيس عندما سأله: هل يبكى الرئيس؟ والسؤال مستغرب وخارج السياق، بل لعله يكون خارجا عن الذوق فليس من اللياقة أن يكشف الرئيس عن نقاط ضعفه البشرية، فالسؤال دخول فى خصوصية لا محل لها من الإعراب فى الحوار، ولكن كان الغرض منها سحب الرئيس إلى منطقة انكسار، وللحق فإن مرسى كان أكثر من إيجابى مع الليثى فلم ينسحب إلى منطقة انكسار فقط، بل بكى وذرف الدموع ليعيد إلى الأذهان انكسار مبارك ليلة موقعة الجمل وبدلا من أن تثير تلك الدموع التعاطف والشفقة مع الرئيس أثارت السخرية والتهكم وعلق عليها الكثيرون بأن (مبارك عملها قبلك وخلعناه)! البرادعى والكتاتنى لا أستطيع أن أفصل لقاء الدكتور محمد البرادعى والدكتور سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة عن هذا السياق، خاصة أننا لم نعرف بعد تفاصيل مقنعة لهذا اللقاء وأظن وليس كل الظن إثما أن هذا اللقاء كان متقاطعا مع حوار الرئيس الأخير ويبدو أنه تم الاتفاق على زيادة وتيرة المعارضة للرئيس مقابل كوتة سياسية لجبهة الإنقاذ حال إقصاء الرئيس!!