ما أن انتهى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ياسر على من إعلان قرارات الرئيس مرسى حتى انتفض شارع محمد محمود يهتف: «عيش .. حرية .. إسقاط التأسيسية» كما رددوا: «ديكتاتور .. ديكتاتور» معتبرين أن هذا انقلاب واضح على الشرعية وعلى الدولة المصرية.. بينما نزلت فى المقابل عناصر من جماعة الإخوان المسلمين للاحتفال بقرارات الرئيس فى مواجهة ثوار الميدان الرافضين لبعض قرارات الرئيس.
البرادعى
ووقعت اشتباكات كانت متوقعة فى انقسام خطير لمصر، ورغم أن جميع الشخصيات السياسية كانت منشغلة بتحليل هذه القرارات على شاشات التلفاز والتى رأى البعض أنها ثورية ورأى الآخر أنها تخلق فرعونا جديدا، بالإضافة إلى تحصين الجمعية التأسيسية لتمرير دستور إخوانى - سلفى فإن شارعى محمد محمود ويوسف الجندى لم تتوقف فيهما حالات الكر والفر بين المتظاهرين والداخلية حتى إبان قراءة ياسر على لقرارات الرئيس.. ورغم أن المظاهرات التى استمرت على مدار 4 أيام كاملة شهدت خلالها اشتباكات بين المتظاهرين والداخلية وإلقاء للقنابل المسيلة للدموع وهو ما قابله المتظاهرون بإلقاء الحجارة عليهم، ما أسفر عن عشرات الجرحى، بالإضافة إلى شهيد واحد وهو الشاب جابر صلاح عضو حركة 6 أبريل.
كل هذا كان فى الذكرى الأولى لأحداث محمد محمود ورغم أن الأحداث أبت أن تنتهى فى نفس اليوم وقد اقتربت على أسبوع كامل وكأنها «حرب شوارع» بين المتظاهرين وقوات الأمن فى شارع محمد محمود وقصر العينى ويوسف الجندى حتى جاءت «جمعة القصاص» أو الغضب كما أطلق عليها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى والتى شاركت بها القوى الثورية أمس الجمعة ورفعت ثلاثة مطالب رئيسية وهى حل الجمعية التأسيسية وإسقاط حكومة هشام قنديل والقصاص العادل للشهداء، فإن قرارات الرئيس التى أصدرها مساء الخميس الماضى بإعادة محاكمة قتلة الثوار وعزل النائب العام وتحصين اللجنة التأسيسية لوضع الدستور من أى طعن قضائى كان لها أثر سلبى فى نفوس المشاركين بعد أن اعتبروا أن مرسى قد نصب نفسه «إلها» على مصر ورفعوا شعارات تنادى بحل التأسيسية وإقالة حكومة هشام قنديل.
وعلى مقربة من شارع محمد محمود كان مئات الإخوان يتظاهرون أمام دار القضاء العالى داعمين لقرارات الرئيس فى مشهد اعتبره البعض نسخة مكررة مما فعله أنصار النظام السابق عندما خرجوا فى مظاهرات مؤيدة للرئيس السابق حسنى مبارك فى ميدان مصطفى محمود بعد إلقائه للخطاب العاطفى المشهور أثناء ثورة يناير.
واعتبر العديد من شباب الإخوان أن قرارات الرئيس تصب فى مصلحة الثورة والثوار وأن عزل النائب العام هو مطلب ثورى وشعبى منذ قيام ثورة يناير، كما أن إعادة محاكمة رموز النظام السابق هو قرار ثورى يستحق الانحناء له!
وبالعودة إلى شارع محمد محمود نجد أن لافتة «ممنوع دخول الإخوان».. ربما توجز وبشدة رد «الثوار» على «الجماعة» تبلورت بصورة مرسى عليها اسمه الجديد من وجهة نظر الثوار «محمد مرسى مبارك».. الذى تخلى عنهم بحجة عدم تعطيل العرس الديموقراطى كما قال مرشد الجماعة محمد بديع ! ولم لا.. فهم مأجورون كما قال نائب المرشد خيرت الشاطر فى تصريحات صحفية حينها.. عام مر على الموجة الثانية لثورة يناير ولم تبرد نار أهالى الشهداء والمصابين ولا يوجد جديد فى التحقيقات.. وحده الملازم أول محمد صبحى الشناوى - قناص العيون - صاحب الفيديو الشهير «جدع يا باشا» هو الذى يتم التحقيق معه حتى الآن بعد أن انتشر الفيديو الخاص به، وحتى الآن فإن الجلسة تأجلت حتى الخامس من ديسمبر القادم لاستكمال مرافعة الدفاع!
وشهد شارع محمد محمود فى ذكراه ليلا طويلا ربما كان مزيجا بين الاحتفاء بالشهداء الذين رفعت صورهم عالية فى سماء ميدان التحرير والنعوش الرمزية التى وضعت فى بداية شارع عيون الحرية بالإضافة إلى الجرافيتى المرسوم على حوائط الشارع، أما المشهد الآخر فتمثل فى المطالبة ب«رحيل مرسى عن الحكم»! الشعارات التى تم ترديدها هذه المرة من الشباب غير المسيس وغير الحزبى كانت واضحة ربما تصيب أركان النظام الحالى والمنتخب بشرخ ما خصوصا أن الأوضاع الاقتصادية تكاد تكون كلمة السر.. وكان الهتاف القديم «ياللى ساكت ساكت ليه.. هى العيشة ارتاحت ولا إيه».
فى محمد محمود أراد الأمن المركزى استكمال المشهد فألقى القنابل المسيلة للدموع بلا أى داع وكأن ذكرى محمد محمود تصيبه بالذعر فقرر استفزاز الثوار مرة أخرى من خلال إلقاء قنابل مسيلة للدموع على المتظاهرين السلميين الذين ردوا عليهم «اشهد يا محمد محمود كانوا ديابة وكنا أسود»، وتطور الأمر على مدار أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس الماضية إلى اشتباكات بين الثوار والداخلية أدت إلى إصابة ما يقرب من 150 متظاهرا.
وعادت الكمامات مرة أخرى والخل لتخفيف آثار رائحة الغاز، كما لعبت الموتوسيكلات دورا مهما فى نقل المصابين فى مشهد يتشابه إلى حد كبير مع المشهد قبل عام.
وعاد شعار الثورة «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» مرة أخرى إلى أحضان الميدان بعد أن اختطفه وبدله السلفيون فى جمعة الشريعة ليصبح «عيش.. حرية.. شريعة إسلامية» وارتدى عشرات الشباب تى شرتات سوداء مكتوبا عليها «القصاص أو الفوضى»، بالإضافة إلى رفع صور الشهيد جابر صلاح «جيكا» وكانت حركة 6 أبريل - الجبهة الديموقراطية - والألتراس من أبرز المشاركين فى الفعاليات على مدار الأسبوع الماضى كله، واعتبر المتظاهرون أن داخلية مبارك لم تختلف عن داخلية مرسى، وطالما سقت دماء الشباب أشجار محمد محمود فلا شرعية لنظام مرسى حتى بعد قراراته التى أصدرها.
وبعيدا عن الشارع الثورى وصف الدكتور محمود غزلان، المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان المسلمين، قرارات الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية ب«الثورية والشعبية»، وأضاف: تظاهر ألف أو ألفين بميدان التحرير ضد الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور لا يعنى أنها غير شرعية لأنها شرعية بمقتضى الإعلان الدستورى ومجلسى الشعب والشورى، مضيفًا: «يرون حل الجمعية التأسيسية.. وهذا رأيهم.. ونحترمه.. لكن، لا نستجيب له لأنه مخالف للشرعية والدستور».
وعلق الدكتور حسام عيسى، أستاذ القانون الدستورى على قرارات الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية قائلا: «قرارات مرسى ألغت الدولة المصرية واختزلتها فى شخص محمد مرسى، وهو بذلك ألغى القضاء ولم يعد غير مرسى يحكم فى قلب مصر»، وأضاف عيسى: «الناس لازم تنزل الشارع وتموت عشان مصر ضاعت، وتحصين قرارات الرئيس بإعلان دستورى تزوير وزيف لأنه ليس من حقه استصدار إعلان دستورى».
أما المتحدث باسم حزب النور نادر بكار فقال : «كل التأييد لقرارات الرئيس.. من كان يريد قصاصا بحق فليدعمها»، أما محمود عفيفى المتحدث باسم حركة 6 أبريل جبهة أحمد ماهر فقال: إن قرارات الرئيس بمثابة وضع السم فى العسل، فالرئيس قرر إعادة المحاكمات وإعطاء معاش شهرى لأهالى الشهداء مقابل خلق ديكتاتور جديد عن طريق جميع الصلاحيات الجديدة.
وفى موقف ثورى حقيقى حفز كل الثوار على الخروج ضد الإخوان، أكد الدكتور محمد البرادعى رئيس حزب الدستور أن قرارات الرئيس مرسى نسف لمفهوم الدولة والشرعية ونصب نفسه حاكما بأمر الله. الثورة أجهضت لحين إشعار آخر».