«تخصصنا سر تميزنا» «امتلكنا الخبرة فأهديناك التميز» كل هذه الإعلانات وغيرها تجدها تطاردك علي أبواب الجامعات الحكومية والخاصة علي السواء في محاولة لجذب أكبر عدد من طلبة الجامعات. فلقد اعتدنا منذ فترة أن نري مثل هذه المراكز المنتشرة حول الجامعات تقوم بعمل ملخصات وملازم للطلبة عوضاً عن الكتاب الجامعي، ولكن الغريب هو قيام هذه المراكز ببيع أبحاث ومشاريع التخرج والأغرب هو تهافت الطلاب غير العادي عليها. كانت البداية عند جامعتي عين شمس والقاهرة حيث ينتشر حولهما العديد من المراكز التي نجد عليها ازدحامًا شديدًا من الطلاب فهذه الفترة من العام الدراسي تعد بمثابة الموسم الذهبي لها، ولقد عرفت من خلال تجوالي بين هذه المراكز وسؤال الطلبة أن سعر البحث غير محدد حيث يختلف سعر بحث كل مادة كما تختلف الأسعار حسب الكليات ولكنها عامة تبدأ من عشرة جنيهات لتصل إلي عشرين أو خمسة وعشرين جنيهاً، ولكن أسعار مشاريع التخرج قد تتعدي الألف أو ألفي جنيه أو ربما أكثر. كان أول حديثي مع «منة الله» آداب عين شمس التي كانت تسأل عن بحث قد طلبته من قبل فقال لها البائع «هيكون جاهز بكره» فاقتربت منها لأسألها عن سبب شرائها للبحث بدلاً من أن تقوم هي بعمله فقالت: أنا عندي مواد كتير عايزة مذاكرة والبحث عايز وقت لعمله وبعدين الدكتور مش بيتعب نفسه ويراجع البحوث وكله بينجح». أشتري مرة واحدة وأغير العنوان.. واسم الدكتور أما «سارة علي» كلية الآثار فتقول: أنا بشتري مذكرات بس، لكن معظم زملائي بيشتروا الأبحاث وتقارير الزيارات اللي بتتطلب مننا وده لتوفير الوقت والجهد خاصة أن أسعارها مش غالية حوالي عشرة أو خمسة عشر جنيها، وفي الآخر الكل بينجح». ويقول «أحمد» كلية الآداب: أنا بشتري الأبحاث لأني حتي لو تعبت وعملت البحث الدكتور مابيبصش فيه وكلنا بننجح، ده كمان ممكن واحد يتعب في عمل البحث من المراجع والكتب واللف علي المكتبات وفي الآخر اللي اشتري بحث علي الجاهز يجيب تقدير أعلي منه فعلي إيه التعب!!. ويؤكد زميله «محمد» الذي دخل معنا في الحديث قائلاً: «الدكاترة هما اللي بيشجعونا علي كده لأننا مش بناخد حقنا في التقديرات لا في الامتحان ولا في الأبحاث، فبنذاكر الملخصات وبنشتري الأبحاث أو ساعات بنجبها من علي النت ونخلص علي حسب الموضوع». وأمام أحد المراكز اشتري «مصطفي» آداب القاهرة بعض الملخصات، وعندما سألته عن شراء الأبحاث قال: أنا اشتريت بحثاً مرة واحدة بس واشتريته لأني لم أكن أعرف إزاي أعمل بحثا، وكل سنة بعد كده أقدم للدكتور نفس البحث طبعاً بعد ما أغير العنوان وبنجح، أنا في سنة رابعة وعمري ما شلت مادة البحث وصدقيني مابغيرش فيه إلا العنوان واسم الدكتور!! كنت أعتقد أنه ربما موضوع شراء الأبحاث منتشر في الكليات النظرية فقط ولكن المفاجأة أن شراء الأبحاث ومشاريع التخرج منتشرة في الكليات النظرية والعملية علي حد سواء. والعجيب أن المراكز ليست الوحيدة المسئولة عن بيعها بل يقوم بعض الطلبة بشرائها من المعيدين نظير مبلغ معين من المال. فيقول «عادل» هندسة القاهرة: فيه طلبة بيتفقوا مع المعيد أنه يعملهم المشروع وبيدفعولوا مبلغ ممكن يصل لكام ألف بس طبعاً المبلغ بيتقسم علي كل طلبة المشروع وبينجحوا. شراء المشروع مكلف شوية بس أريح أما «براء مجدي» هندسة المطرية فتقول: فيه طلبة كتير قوي بيشتروا مشاريع التخرج بينجحوا وبيجيبوا أعلي التقديرات بس دي مش مسئولية حد أكتر من أنها مسألة ضمير. وتقول «سارة جمال» الفرقة الرابعة كلية الإعلام: «عندنا ناس كتير بيروحوا لناس بره علشان حد يعملهم المونتاج والإضاءة اللي بتكون في مشاريع التخرج، بس أنا وزملائي معملناش كده، وطبعاً بينجحوا عادي علشان الدكاترة مبيعرفوش أصلاً»!! «سارة مجدي» هندسة عين شمس تقول: فيه مراكز معروفة متخصصة في عمل مشاريع التخرج بيلجأ ليها طلبة كتير لعمل المشروع وبالرغم من أنه مكلف شوية بس أريح، وبعدين ماسمعتش عن حد اشتري مشروع التخرج وسقط. وأمام أحد المراكز بجوار إحدي الأكاديميات وجدت طالبين يجلسان علي أحد الأرصفة بجوار المركز منهمكين في محاولة لحل «الشيتات sheet» المقررة عليهما، وعندما اقتربت منهما لسؤالهما تحدث أحدهما بعد أن رفض ذكر اسمه قائلاً: أنا أولي سياحة وأنا ماكنتش باعتمد علي المذكرات أو أشتري الأبحاث ولما الدكتور كان بيطلب بحث كنت أجمعه من المراجع والكتب، لكن الدكتور طلب مننا أننا نسلم الشيتات ولما قولتله فيها أسئلة مش عارف أحلها لأنها ماتشرحتش قالي لازم تحلها وتجبلي الشيت دلوقتي فاشتريت الملازم من هنا علشان أعرف أحلها والدكتور عارف أني هجاوب عن الأسئلة من هنا يبقي أكيد بيستفيد هو كمان من المراكز ديه. أما «ماريان عادل» بأحد المعاهد الخاصة فتقول: أنا بشتري الأبحاث علشان الدكتور ماشرحلناش البحث يتعمل إزاي، وأغلي بحث اشتريته كان ب 15 جنيها. ويقول «محمد إبراهيم» إرشاد سياحي بإحدي الأكاديميات: معظم الطلبة هنا بيشتروا الأبحاث، أنا مرة عملت بحث وتعبت فيه وأنا بسلمه للدكتور بعد ما كتب اسمي لقيت بحثي اتسرق من وسط البحوث وطبعاً هيتباع للمكاتب علشان الطلبة يشتروه بعد كده». «غادة» نظم معلومات بإحدي الأكاديميات الخاصة تقول: بصراحة أنا وزملائي المشتركين في مشروع التخرج رحنا لمركز كان بيوزع دعاية علينا أمام الأكاديمية يعملنا المشروع، وده علشان الدكاترة طالبين في المشروع برامج مادرسنهاش وإحنا مش فاهمين نعملها إزاي فاتفقنا نشتري المشروع وبعدما يسلمونا المشروع هيشرحوهلنا علشان المناقشة، وفيه طلبة كتير عملوا قبلنا كده ونجحوا. أما «رنا إبراهيم» بكالوريوس نظم معلومات من أحد المعاهد الخاصة فتقول: مشروع التخرج بيكون عبارة عن فكرة بتنفذها مجموعة من الطلبة مع بعض تحت إشراف دكتور ومعيد وعن نفسي وزملائي اللي كانوا معايا في المشروع إحنا اعتمدنا علي نفسنا وبجد تعبنا فيه جداً، لكن يوجد طلبة يشترون مشروع التخرج من معيدين فمثلاً حدث معي موقف إن كان زميلي في الدفعة سألني مرة عن التكلفة اللي تكلفتها وزملائي في المشروع فقولت له إحنا ماتكلفناش غير ثمن طبع كتب المشروع بس فاندهش وقالي لي أنهم دفعوا في المشروع 2500 جنيه لأحد المعيدين بإحدي الكليات ليقوم بعمل المشروع مقابل ذلك المبلغ وأنه مايعرفش حاجة عن المشروع غير أنه دفع جزءاً من المبلغ. ونجد أن هذا الوضع يختلف في الجامعات الإقليمية فقد يقوم بعض الطلبة في بعض الكليات النظرية بعمل البحث من النت ولكن شراء الأبحاث ومشاريع التخرج ليست منتشرة. فتقول «مي» حاسبات ومعلومات جامعة المنصورة: مشروع التخرج عندنا إحنا اللي بنحدده وبنشتغل فيه مع دكتور أو معيد لحد ما نوصل لنهايته يعني بنعمل أبحاث وندور ونذاكر ونتعلم من خبرة الدكاترة عشان نوصل للي يفيدنا في عمل المشروع وطبعاً علي حسب اللي وصلناله في المشروع في النهاية بيكون التقدير عليه. وفي هندسة الزقازيق يذكر «أحمد متولي»: مشاريع التخرج صعب الواحد يشتريها علشان دايما فيها أفكار جديدة عن كل سنة حتي في نفس المشروع الواحد، يعني مش حاجة متداولة، والمشروع فيه شغل وتحركات خاصة بالنسبة للمشاريع سواء كانت نظرية أو عملية، والطلبة بتقابل دكتور المشروع علي الأقل أسبوعياً والدكتور بيطلب منهم تحركات جديدة كل مرة. هذا وتقول الأستاذة أمل عبدالسلام المدرس المساعد بآثار الفيوم إن الطلبة في الجامعات الإقليمية لا يستعينون بالمراكز لعمل أبحاثهم ففي آثار الفيوم مثلاً عدد الطلبة قليل وبالتالي لا يوجد مراكز أو مكاتب يعتمدون عليها في ذلك، وإنما قد يلجأ بعض الطلبة إلي تقديم بحوث زملائهم من السنوات السابقة وعندما يكتشف الدكتور ذلك عادة ما يحاول أن يفهم الطالب خطأه ويعطيه في النهاية درجة النجاح فقط، وتضيف أن الطالب لا يرسب في مادة البحث إلا إذا لم يقدم بحثا. أصحاب المراكز: الطالب ماعندهوش وقت يعمل أبحاث ومشاريع فبنعملها بداله هذا وقد قمت بالطبع بعد معاناة بالحديث مع بعض أصحاب هذه المراكز والذي جاء ردهم يبدو كأنه واحد أن من يقوم بعمل هذه الأبحاث هم مجموعة من خريجي هذه الكليات والمعاهد وعادة ما يعتمدون علي النت في عملها، والعجيب هو ما قاله لي أحدهم مبرراً قيامهم ببيع الأبحاث والمشاريع للطلبة فيقول «الطالب ماعندهوش وقت يعمل أبحاث ومشاريع لأنها بتتطلب وقتا فبنعملها إحنا بدالهم»!! وكأن للطالب مهنة أخري غير المذاكرة وعمل الأبحاث والمشاريع. والغريب أن مثل هذه المراكز لا تقتصر في الدعاية لنفسها علي توزيع ورق للدعاية علي أبواب الكليات والمعاهد ولكنها تعدت ذلك إلي صفحات الجرائد فكثيراً ما تجد في الإعلانات المبوبة إعلانات عن مكاتب تقوم بمساعدة الطلبة في مشاريع التخرج وعمل الأبحاث!!