طارق فهمى نتنياهو لا يستطيع إقالة رئيس الاركان زامير كما أن نقل وزير الدفاع كاتس إلى موقع آخر قد يكون له تبعاته داخل الليكود ليست الإشكالية هى الخلاف المعلن بين وزير الدفاع الاسرائيلى يسرائيل كاتس ورئيس الاركان إيلى زامير فقط، بل الخلاف أكبر وأعمق من الشخصين خاصة أن لعبة التغييرات الكبرى فى الحكومة ووفق اتفاق مكونات الائتلاف تسمح دوريا بالتغيير وفق قواعد منضبطة وحاكمة لأى تغيير حقيقى ووفق ما يتم من تربيطات يقوم بها رئيس الوزراء الاسرائيلى نتنياهو ويعاونه فريق متخصص من رجاله فى الليكود الذى شهد انتخابات كبيرة ومهمة افرزت العديد من النتائج ستظهر جليا فى إعادة ترتيب الاوضاع ووضع الشخصيات البارزة والتى تعمل وراء الستار فى الواجهة، ومن ثم فإن ما يجرى ويتعلق باحتمالات التغيير فى المواقع مرتبط بالكثير من التطورات الجارية فى الحكومة بمكونات ائتلافها اصلا، اضافة الى ما يجرى من تغييرات فى المناصب فى وزارة الدفاع والإطاحة بعدد كبير من القيادات اضافة لوقف التعيينات فى المناصب الكبرى انتظارا لقرار وزير الدفاع يسرائيل كاتس وإقناعه بتغيير تعاملاته فى مستوى القيادات العليا، والرسالة أن الجيش الاسرائيلى بات فى وضع غير مستقر ويعانى من ازمة عدم استقرار حقيقى وهو ما برز فى مجمل ما يجرى من تطورات تمس مهام عمله وأولويته وستنعكس بالفعل على توجهاته المقبلة والمتعلقة بالحرب مجددا فى جنوبلبنان او تعزيز وجوده فى الجنوب السورى إضافة للترتيبات الامنية الجارى إعدادها فى غزة. فى هذا السياق قد يدرس رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو إجراء تعديل وزارى واسع، يشمل استبدال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بوزير الخارجية جدعون ساعر وانتقال وزير الطاقة إيلى كوهين إلى حقيبة الخارجية، على أن ينتقل كاتس لتولى وزارة الطاقة خاصة بعد أن تفجّر الخلاف بعدما هاجم زامير قرار كاتس تجميد تعيينات رفيعة فى الجيش وإعادة فحص تقرير لجنة تورجمان حول إخفاقات 7 أكتوبر، وبدأ الخلاف عندما قرر وزير الدفاع يسرائيل كاتس تعيين شخصية من جهاز أمن الدولة لكى يراقب التحقيق الذى يقوم به الجيش منذ أشهر، حيث برز أن الهدف من وجهة نظر كاتس هو التأكد من شمولية التحقيق ومحاسبة كل المسئولين بمن فيهم رؤساء أركان سابقون. لكن التطورات السياسية اللاحقة بدلت المشهد، إذ انتقل كاتس من الخارجية إلى الدفاع بعد إقالة يوآف جالانت، فيما تولى ساعر وزارة الخارجية. إن رفض كاتس المصادقة على تعيينات جديدة دفع زامير إلى إصدار بيان اعتبر فيه أن الوزير يمس بأمن الدولة، وهى عبارة غير مسبوقة فى تاريخ العلاقة بين وزير الدفاع ورئيس الأركان ويشار إلى أن جذور التوتر تعود لمرحلة اتخاذ قرار اقتحام مدينة غزة، حيث تباينت المواقف بين المستوى السياسى ورئيس الأركان، وإلى مشادات حدثت آنذاك داخل الحكومة. لا تزال التطورات السلبية مستمرة فى الجيش الإسرائيلي، بعد أن أقال رئيس الأركان، إيال زامير، مجموعةً تضم 15 من الضباط رفيعى المستوى من قيادة الجيش، بينهم ستة ضباط يحملون رتبة لواء، وستة عمداء وثلاثة عقداء، وذلك لتحميلهم مسئولية الإخفاق الكبير فى مواجهة هجوم حماس وبعد أن اتّخذ سلسلة إجراءات عقابية أخرى بحق عدد آخر من كبار الضباط. ومن بين الضباط الذين شملهم القرار، وفق بيان صدر عن الجيش، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حليفا، وقائد المنطقة الجنوبية يارون فنلكمن، ورئيس شعبة العمليات أودى باسيوق. كما طالت العقوبات ستة ضباط ممن يحملون رتبة عميد. ومن ثم فإن الخلاف الراهن فى مختلف قطاعات الجيش والحكومة يتجاوز ما كان يجرى فى مراحل معينة بل يمتد الى سياقات أخرى تتعلق بالمستوى السياسى والعسكرى ويتجاوز البعد العسكرى والمتخصص لإدارة الاوضاع فى الجيش الاسرائيلى خاصة أن كاتس ينظر إلى البعد السياسى والمنافسة داخل الليكود والتى تمت فى اطار الانتخابات الاخيرة والتى تشير الى بقاء الاوضاع على ما هى عليه مع تصعيد المقربين من رئيس الوزراء الاسرائيلى نتنياهو لحسم المواجهات والصراع داخل الدوائر الضيقة فى نخبة ليكود والتى تعمل وفق رؤية جمعية وتحسبا لاحتمالات اقدام نتنياهو على اجراء انتخابات مبكرة لحسم الامر مبكرا قبل الوصول للاستحقاق الانتخابى فى موعده فى 2026 خاصة أن التحركات المناوئة من قبل المعارضة الاسرائيلية بقيادة يائير لابيد - وبرغم عدم جديتها - الا ان لها دلالات رمزية ومهمة خاصة أنها تخاطب الجمهور الاسرائيلى الذى يتابع هذه التطورات داخل الجيش وهيئة الاركان بل وفى الممارسات الحزبية لمكونات الائتلاف التى لا تزال فى حالة ترقب ورصد لما يجرى، خاصة أن كل القوى الرئيسية فى مرحلة الاستعداد لأية سيناريوهات طارئة يمكن ان تتم فى الفترة المقبلة ومن ثم يمكن التأكيد على ان توجهات كاتس بصفته وزيرا للدفاع تستهدف استعراض قوته أمام الجيش فى سياق تحميل المؤسسة العسكرية مسئولية إخفاقات 7 أكتوبر. وأن ايال زامير يحاول الدفاع عن الجيش وموقعه المهنى فى مواجهة ما يعتبره تدخلاً سياسياً غير مقبول ولا يمكن التعويل اليه خاصة انه يمس هيبة الجيش ورؤية قياداته فى المواجهات الراهنة وفى دوائر التماس الاستراتيجى للدولة المصرية. فى المجمل يمكن التأكيد إذًا أن قرار كاتس تعيين جهة خارجية لمراقبة التحقيقات المستقلة فى الجيش يكشف محاولة لإضعاف زامير وتقليص نفوذ المؤسسة العسكرية، وهو مؤشر محدد ومنضبط ويدل على أزمة ثقة واضحة بين المستويين السياسى والعسكرى وهو ما قد يتطور لاحقا وسيحتاج الى حسم وحل بدلا من استمرار حالة التجاذب الراهن. يتمثل السيناريو المطروح فى استبعاد أحد الطرفين، لكن نتنياهو لا يستطيع إقالة رئيس الاركان زامير كما أن نقل وزير الدفاع كاتس إلى موقع آخر قد يكون له تبعاته داخل الليكود بعد الانتخابات الداخلية للتكتل وفى المجمل تعكس الازمة الحالية صداماً مؤسسياً واسعاً فى إسرائيل لا يقتصر على الجيش، بل يمتد إلى القضاء ومؤسسات الدولة الاخرى وفى داخل دوائر مراكز القوى فى الداخل الاسرائيلي.