أنشئت كلية الفنون الجميلة بالأقصر عام 1996، وفي نفس العام بدأت الدراسة في الكلية، وتم اختيار مدينة الأقصر مقراً لها، لما تتمتع به المدينة من تراث حضاري، وباعتبارها مدرسة من أهم مدارس النحت والتصوير في التاريخ القديم والحديث وأحد المصادر المهمة في الإبداع وإلهام الفنانين التشكيليين في العالم كله. واستطاعت الكلية في هذه الفترة القصيرة أن تغير شكل المجتمع في الصعيد، وأن ترتقي بفكر أهله حتي أصبح الأهالي أنفسهم يسعون إلي إلحاق أبنائهم بهذه الكلية. ذهبنا إلي الكلية التي أصبحت واحدة من منابر الإشعاع الحضاري في قلب الصعيد، والتقينا الدكتور «صالح محمد عبدالمعطي» عميد الكلية الذي قال لنا إن الشباب مرتبط بالمكان والكلية ارتباطا جيدا، والطلبة لديهم الحماس الذي لا يوجد في أي كلية من كليات الفنون الجميلة ، والسبب في ذلك يرجع إلي طبيعة مدينة الأقصر التي توحي بالإبداع، وهو ما يرغب فيه طلاب الفنون، كما أن الالتحاق بكليات الفنون الجميلة له مقوماته، فالطالب الذي يرغب في الالتحاق بها ينبغي عليه أن يجتاز أولاً امتحان القدرات في الثانوية العامة، ومن الأشياء التي تجذب الطلاب إلي كليات الفنون حالياً، أنها كلية عملية، واستخدام اليد فيها يجذب المتعلم أكثر من التحاقه بكليات نظرية تعتمد علي الحفظ فقط. وأضاف: إن كلية الفنون الجميلة بالأقصر ليست إقليمية، وليست مقصورة علي أبناء الأقصر فقط، وإنما هي متاحة للجميع ويوجد بها العديد من الطلاب من جميع الأقاليم، حيث يوجد طلاب من القاهرة، والإسكندرية ومحافظات الوجهين البحري والقبلي، ومن محافظة الأقصر. وفي الوقت الحالي أصبح الناس يدركون قيمة كليات الفنون الجميلة وتكون لديهم الوعي بأهميتها في تطوير المجتمع، وفي السابق لم يكن لدي الناس فهم أو إدراك لطبيعة الكلية، ولكن في الوقت الحالي الناس بدأت تفهم، وساعد في ذلك عمل خريجي الفنون الجميلة ومساهمتهم في تحسين صورة الشارع الأقصري، إلي جانب تجميل المحلات والفنادق فبدأ الناس يلمسون التغيير الذي قام به الطلاب من أجل تجميل المدينة، وكان قد سبق ذلك تجميل محافظة قنا، وأن 80% من هذا التجميل قام به شباب من خريجي كلية الفنون الجميلة - الأقصر، فالخريجون صنعوا شكلاً لمحلات وشوارع الأقصر، ومن سمات الكلية سرعة التفاعل مع المجتمع. وأشار د. صالح إلي أن المجتمع الأقصري كان مغلقاً، والناس كانت تعارض فكرة إنشاء كليات جامعية في الأقصر، حتي لا يوجد شيء يعوقهم عن عملهم في السياحة، ولا يرغبون في أي بديل عنها، ولكن في الوقت الحالي المفهوم تغير، وأصبح الناس يسعون إلي إلحاق أبنائهم بالفنون الجميلة، ويسعون إلي إنشاء جامعة في الأقصر، خاصة بعد أن أدركوا أن الجامعة من الممكن أن تكون بديلاً اقتصادياً قوياً بالنسبة لهم. وأصبح الناس هم من يطلبون من أبنائهم الالتحاق بالكلية. صباح الخير: ما مصير خريج الفنون بعد التخرج؟ عميد الكلية: من ثلاثين عاماً كان من الصعب حصول خريجي الفنون الجميلة علي عمل، لكن بعد النقلة المتميزة التي حدثت في مجال الاتصالات، وما تبعها من إنشاء العديد من مكاتب الدعاية والإعلان، فتحت الأبواب علي مصراعيها أمام خريجي الفنون الجميلة، والبعض منهم اتجه إلي العمل الخاص، وفتح مكاتب خاصة، وكل ذلك جاء من الثقة التي أولاها الناس للكلية، بالإضافة إلي زيادة الوعي لدي الناس، ومعرفة أهداف الكلية، والتزامها بإعداد خريج متميز قادر علي التكيف مع ظروف الحياة ومتغيراتها. وحالياً الأهالي هم من يطالبون بإنشاء جامعة في الأقصر، التي يوجد بها حالياً ثلاث كليات، وفي العام القادم سوف تبدأ الدراسة في كلية الألسن، حتي يتم الانتهاء من إنشاء الجامعة في الأقصر، التي تم توفير مساحة 96 فداناً لها في مدينة طيبة الجديدة، وبدأنا العمل لإنشاء الجامعة. صباح الخير: كم عدد البنات الموجودات في الكلية؟ عميد الكلية: البنات أكثر من الأولاد، ونسبتهن تصل إلي 73% بل إن هناك دفعات أغلبها من البنات ولا يوجد فيها غير ولد أو اثنين. صباح الخير: أليس من الصعب قبول ذلك في الأقصر ومحافظات الصعيد؟ عميد الكلية: حينما استطاعت الكلية أن تؤكد رسالتها في ارتباط الفنان بالمجتمع، وانفتاحه علي جميع المعارف والإبداعات علي المستوي المحلي، مما ساعد في ثراء المجتمع حضارياً، أدرك الأهالي ذلك ولذا لم يوجد لديهم مانع في التحاق بناتهم بالكلية، ولكن المنظور تغير، فمثلاً كنا نقول إن البنات لا يقبلن علي قسم النحت ولكن اليوم هذا القسم أغلب دارسيه من البنات. هذه الكلية تفضلها البنات، ويقتنع بها الأولاد في أحيانٍ كثيرة، والكلية أصبحت هي البديل الذي يذهب إليه الطالب إذا لم يتمكن من الالتحاق بكلية الهندسة مثلا. صباح الخير: ما هو دور المجتمع المدني في ذلك؟ عميد الكلية: إلي الآن لايوجد تعاون، وهذا يرجع لاهتمامات رجال الأعمال، وإلي الوعي بأهمية الدور الذي تقوم به الكلية في تطوير المجتمع، ونحن نفتقد وعي رجال الأعمال بقيمة الكلية ودورها. لكن هناك رجال أعمال يطلبوا مقتنيات من أعمال الطلبة لكن لم يحصل تبن لأي من هذه الأعمال أو المشاريع، ولو حدث وقام أحد رجال الأعمال بشراء أي عمل فهذا يرجع لمجهود الطالب الشخصي، لكن المجتمع المدني لم يعرض علينا أي تعاون حتي الآن. ربما تكون ثقافة المجتمع، كما أن رجل الأعمال تفكيره في أعمال البيزنس هو المسيطر. كما أن رجال الأعمال أبخل الناس وهم يبحثون عن الطلبة المتميزين ويشترون منهم أعمالهم بأبخس الأثمان. صباح الخير: هل ضاعت حصة الرسم في المدارس؟ العميد: بعد تطوير المدارس حصل تطوير لمادة الرسم، وحدث تطويل لمعامل الرسم أيضاً، وهذا التطوير ربما يعيد مادة الرسم لمستواها الحقيقي، لكن قبل ذلك لم يكن هناك رسم، كما أنه توجد زيارات بصفة مستمرة لطلاب المدارس، حيث يحضرون إلي الكلية وهذه الزيارات تكاد تكون زيارات أسبوعية، وهذا جعل إقبال الطلاب علي كلية الفنون الجميلة أكثر من ذي قبل، ونحن في المقابل نقوم بعمل ورش عمل في القري مع مراكز الشباب، والجمعيات الأهلية، ونجلس مع الأولاد لنربي ذوقاً فنياً في نفوسهم، وفي الوقت الحالي هناك طلاب منتظرة تخلص الثانوية العامة حتي تأتي الكلية، ولكننا نفتقد أمرين أولهما الإعلان الحقيقي عن الكلية، والتمويل. صباح الخير: هل المجتمع في الصعيد والأقصر قابل لهذه الأعمال؟ عميد الكلية: طبعاً ولكن قبل ذلك كان تفكير الناس في اتجاه واحد، وهو السياحة، لكن حالياً الأمر اختلف حتي في السياحة نفسها، لأن السياحة ليست مضمونة، وفهموا هذا «لما حصل وانضربت السياحة في الأقصر وأسوان عدة مرات»، ولكن حالياً الناس أصبحت تبني عمارات سكنية، وتقوم بتأجيرها للطلبة، وهذا من ناحية يعد استثمارا لأموالهم، وفي ذات الوقت شيء مضمون يحقق لهم مصدر دخل ثابت شهرياً. - صورة المجتمع والتقينا بعد ذلك الدكتور محمد أحمد عرابي، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بجامعة جنوبالوادي، والذي اصطحبنا في جولة بين أروقة الكلية ومعاملها، كما عرض علينا مجموعة من أعمال الطلبة، وقال لنا إن كلية الفنون الجميلة بالأقصر تسعي إلي نشر الثقافة ورفع قيمة الفنون في المجتمع، ورفع سقف التذوق الفني لدي الطلبة، حتي يساهموا بعد ذلك في تحسين صورة المجتمع، والكلية تعمل علي تنمية مهارات الطلبة، وصقلها بالمعارف اللازمة لتكوين شخصيتهم الفنية، ولذا تهتم الكلية بإعداد خريجين ذوي خبرات ثقافية وفكرية تؤهلهم لإمكانية الالتحاق بسوق العمل، وتقديم عمل إبداعي متميز، ومتابعتهم بعد التخرج وأثناء العمل، ولذا توجد ضمن الهيكل التنظيمي للكلية، وحدة متابعة الخريجين، ومن مهامها الأساسية التنسيق مع أصحاب العمل لمتابعة الخريجين الملتحقين بسوق العمل وإعداد بيانات عن فرص العمل المتاحة لهؤلاء الخريجين وأضاف قائلاً : علي الرغم من وجود الكلية في الصعيد إلا أنها ثرية بالطلاب الموهوبين، ولذا أصبح طلاب كلية الفنون الجميلة منتشرين في جميع مجالات الحياة، خاصة بعد أن كان عددهم بسيطاً قبل ذلك، ولكن حالياً فهم الناس طبيعة الكلية، فأصبحت تستقطب إليها العديد من الشباب الموهوب الذي يرغب في الالتحاق بها دون غيرها، والدليل علي ذلك أن الأعمال التي تخرج من بين أيديهم يتم تسويقها بمبالغ جيدة. وقال أيضاً إن كليات الفنون الجميلة لا تحظي بنصيب وافر من الرعاية مثل غيرها من الكليات النظرية والعلمية، ولذا فنحن في حاجة إلي إلقاء الضوء علي الكلية وأقسامها، وتغيير الثقافة العامة لدي الناس، وتسويق منتجات الطلبة، ومن الجدير بالذكر، أن واجهات الفنادق والأماكن السياحية في المدينة أغلبها تم تزينه بأعمال الطلبة من خريجي كلية الفنون الجميلة. وقال أحمد شرابي طالب بالكلية شعبة جرافيك قسم «تصميم مطبوع» بالفرقة الرابعة من محافظة الغربية مركز المحلة الكبري: إن الموهبة كانت الدافع له لدخول مجال الفن التشكيلي، وكان يمكنه الذهاب إلي أي كلية أخري، واختار كلية الفنون الجميلة بالأقصر لدراسة ما يجب لأن ظروف الأقصر تختلف عن أي مكان آخر حيث السياحة، والآثار والأجانب، وقال : في إعدادي نتعرف علي مبادئ كل الأقسام، وكيفية قراءة لوحة فنية، وكيف نستوعب جماليات اللوحة، لأن الفنان رؤيته تختلف عن رؤية أي شخص آخر، إلي جانب دراسة مبادئ النحت والعمارة، وفي سنة أولي يقوم الطالب باختيار القسم الذي يرغب في الانضمام إليه. وأضاف شرابي: إن الأقصر الآن ليست كما كانت منذ خمس سنوات حيث تمت إزالة بعض المناطق في عمليات الاكتشاف والحفر، مثل طريق الكباش، وفي البر الغربي أقاموا مدينة القرنة الجديدة لنقل سكان القرنة القديمة، كما أن الميادين والشوارع تغيرت، وزادت الحدائق، وبالنسبة لنا كفنانين في الكلية نقوم بدراسة مادة رسم خارجي في القرنة القديمة، ونقوم برسم البيوت والجبال والمعديات، وتمثل قرية «حسن فتحي» مادة خام للفنانين وكذلك البيوت الموجودة في الجبل، وأضاف أن أكثر الأقسام التي تلقي إقبالاً من الطلبة قسمي التصوير والجرافيك، وقال أيضاً إن الموديل لا يمكنه الاستغناء عنه داخل الكلية، كما أن قرنة مرعي التي تقع بين معبد هابو، ومدينة العمال، أحد الأماكن الخصبة التي يذهب إليها الطلبة للرسم. وقال مينا إسحاق لوقا من القاهرة، قسم ديكور بالفرقة الرابعة لا يدخل كلية الفنون الجميلة إلا من يرغب في العمل بمجال الفن، والجو العام في المدينة والكلية مشجع علي الإبداع، كما أن هناك تفرغاً كاملاً من الأساتذة والمعيدين لتطوير أدائنا، فمثلاً الطلبة في اعدادي يفتقدون الثقة في أنفسهم أو في مستواهم الفني والتعامل الجيد مع الأساتذة والمعيدين يقضي علي ذلك، حتي أن الأساتذة يقولون لنا دائماً «أنه لا يوجد إنسان ليس فنان» ولذا نحاول دائماً إبراز مواطن الفن في نفوسنا. وأضاف مينا أن المشكلة في الشغل إنه يعتمد علي العلاقات العامة أكثر من الموهبة أو المهارة، حتي أن الطالب ممكن يعمل أثناء الدراسة كما في قسم الديكور.