ظاهرة وانتشرت، مسلسلات السير الذاتية لنجوم مصر، يعيبها الكثير نعم، لأنها تظهر النجم بأنه كان بلا أخطاء والقدر وحده هو المتحكم فى كل أخطائه، أتفهم تدخل الورثة فى ذلك، لا أحد يريد لأبيه أوجده أن تظهر عيوبه للناس التى لا يعرفونها، لكن تلك أمانة تاريخية ليس لنا، بل للأجيال القادمة، لا يعيب نجم أخطاؤه، فكلنا بشر كلنا نخطئ، ماداموا قد أسعدوا جمهورا كبيرا من الناس، فلنغفر لهم أخطاءهم، لكن آخر الأمر. جميل أن نعرض سيرة العظماء فى مصر وإسماعيل يس من أهم هؤلاء !! (1) "أبو ضحكة جنان" اسم المسلسل كنت أتابع من الجرائد. اهتمام الراحل يس إسماعيل يس بالعمل، فهو عمل لأهم كوميديان شهدته مصر فى تاريخنا بعد نجيب الريحانى، وتوفى الرجل بعدما وضع لمساته الأخيرة فى قصة حياة والده العظيمة، ثم تولى الكاتب أحمد الإبيارى كتابة السيناريو والحوار واختار أشرف عبد الباقى ليجسد الشخصية، وللعلم أشرف عبد الباقى من أشد المعجبين بهذا الفنان العظيم، وهو ما جعله يتحمس للشخصية جدا وعايشها، لكن للأسف المعايشة كانت منقوصة كثيرا، وسنسرد ذلك جيدا، وأخرج المسلسل المخرج محمد عبد العزيز، والحقيقة أنا احترت فى هذا الرجل، أحيانا يصنع معجزات فنية وأحيانا تراه كأنه يخرج لأول مرة، ولا أعرف السبب حقيقة الأمر، لكن العنوان الأخير لكل ذلك هو (القلب) وعدم التركيز والاستسهال، وهو أمر جد مؤسف !! (2) تتر المسلسل عبقرى وضعه العبقرى عمار الشريعى بتوزيع جديد لمونولوج بصوت إسماعيل يس نفسه، فى البداية مونولوج عن أهل الفن يا عينى عليهم والأخير (اثنان.. فضلت أغنى، أغنى والثانى فيه ناس بتتعب ولا تكسبش وناس بتكسب ولا تتعبش). وما يزيد التتر جمالا هو اسم إسماعيل يس مكتوب بنفس كتابة الاسم على أفلامه الشهيرة المزينة بنجمة فى الأعلى أخذا باللون الفضى الذى اعتدنا عليه، وكان اختيار المخرج مشاهد المسلسل موفقة جدا، لأنه توجد مشاهد حقيقية الأمر لا يمكن أن تفرق بين أشرف وإسماعيل يس خصوصا وهو يرتدى زى الجيش ويغنى، والصور المطبوعة تشبه كثيرا البطل الأصلى وهو اختيار موفق بلاشك من المخرج. (3) أشرف عبد الباقى نجم وممثل مهم جدا الآن فى الساحة الفنية، لكن ما يعيبه فقط أنه مشغول ما بين السينما والمسلسلات ومسلسلات السيت كوم والبرامج كضيف، وبرامج كمذيع، وهو هنا لابد أن يفقد التركيز فى أى شخصية، ونرى شخصيته الحقيقية تطغى أحيانا كثيرة على تقمص الشخصية، وهو ما يرجع إلى عدم تركيزه وتفرغه التام لتقمص شخصية معروفة لدينا جميعا ومحبوبة لدرجة الجنون، إسماعيل يس لم يكن ممثلا عاديا، بل كان ظاهرة فى المونولوج وفى السينما والمسرح لذلك كان على أشرف التفرغ التام ليتقمص الشخصية وله فى أحمد زكى خير مثال، أحمد باع كل ما يملك ليتفرغ لتجسيد السادات وهذا ما لم يفعله أشرف، فظهرت الشخصية أحيانا متقنة، وأحيانا كثيرة غير متقنة بالمرة، وأقول للفنان أشرف عبد الباقى هل وصل حد الاستهتار والاستسهال بألا يعرف أن إسماعيل يس كان أشول أى يستخدم يده اليسرى فى كل شىء حتى فى توقيعه للعقود، عيب على النجم الكبير أن تفوته هذه الصفة فى فنان كبير ولا يلتفت لها الممثل ولا المخرج ولا الكاتب، صحيح أن أشرف استطاع أن يقلد مشيته وحركات يده وفمه ورأسه، لكن هناك أموراً صغيرة تفرق مع المتفرج خصوصا لو كانت صفة يعرفها الجميع. والأهم أن أشرف قام بتقديم الشخصية فى طريقة الأفلام فقط. بمعنى أنه من المعروف عن إسماعيل يس أنه شخص جاد جدا وحاد جدا، ولم يكن شخصا عبيطا كما كان يمثل، وكان صاحب كرامة غير عادية كلفته الكثير، وأذكر واقعة رواها لى الأستاذ طارق حجى وكان صديقا ليس إسماعيل يس فى المدرسة والاثنان كانا صديقين لخالد جمال عبد الناصر، وكان الثلاثة يتناولون الغداء فى بيت عبد الناصر، وهو معهم وسأل عبد الناصر عن أحوال إسماعيل يس وعرف من ابنه يس أنه مريض وعرض أن يعالجه على حساب الدولة وقال "يس" كلمة واحدة. إسماعيل يس لا يقبل ذلك ورفض العلاج على نفقة الدولة وهى الرواية التى أكدها يس الابن نفسه إذن إسماعيل يس على الواقع لم يكن عبيطا ولا أهطل بل كان حادا جدا، وكثيرون يعرفون ذلك وما فعله أشرف من استسهال أنه قلد الممثل على الشاشة، وليس حقيقة الشخصية، لكن برع أشرف فى تقليد الشخصية لحد كبير وينقصه فقط أنه لا فى حجم إسماعيل يس، ولا فى طوله، وهو ما يقلل المصداقية جدا عند المتفرج، لكن هو دور يحسب لأشرف، ولو تفرغ له لكان سيخرج أجود من ذلك بكثير!! لكنها لغة العصر الفنى الآن. (4) ما يعيب السيناريو هو المط والتطويل فى أمور لا تعنى المتفرج كثيرا أول خمس حلقات كلها عن الأب وحكاية زوجته أم إسماعيل وزوجته الثانية صحيح ذلك مطلوب، لكن التطويل والمط فيها بلا داع تقريبا كان ممكنا أن يكون لذلك حلقتان لا أكثر لنعرف البيئة التى تربى فيها النجم العظيم، لكن أن أتفرج على خمس حلقات وأكثر عن سيرة الأب هذا ما أعطى الملل، وإن كنت أتفهم أنه فرد الدور لممثل مهم مثل لطفى لبيب. لكن التطويل امتد لبقية الحلقات كيف نصل للحلقة ال91 من المسلسل (إسماعيل مازال يبحث عن عمل، وعن كازينو يعمل فيه. بداية نجومية إسماعيل يس أهم عندنا من كل ذلك، نريد معرفة وبالتفصيل بداية نجوميته وأفلامه وفرقته وانضمامه لفرقة على الكسار، الباقى على المسلسل 11 حلقة فقط لا أعرف كيف اختصر المخرج والكاتب الحياة الأهم فى تاريخ النجم لهذه الدرجة ودوره الوطنى فى الثورة وعلاقاته الفنية المتعددة، والأيام الأخيرة فى حياته عندما عاد إلى لبنان ليعمل بعدما ابتعدت عنه الأضواء، وأصبح نجما غير مقبول على الساحة هى حياة مليئة بالتراجيديا كان يجب على الكاتب أن يعرف نقاط التركيز التى تهم المشاهد أكثر من التطويل والمط فى أمور قد لا تخصنا بالمرة، إذ ماذا يفيدنا فى حلقة كاملة نشاهد اعتراضه على تقبيل يد بديعة مصابنى، كان يمكن مشهد أو اثنان على الأكثر، لكن أن تكون حلقة كاملة هذا ما لا يمكن تحمله على المشاهد الذى يريد أن يعرف الأهم فى مشوار النجم المحبوب، وهو ما كان أن يعرفه الكاتب وكل المسئولين على المسلسل المط والتطويل بلا داع أمر ممل لدرجة كبيرة!! (5) ونأتى لدور المخرج فقد أجاد فى اختيار الشخصيات بشكل كبير؛ سمير غانم قدم نجيب الريحانى فى أحد أهم أدوار سمير طوال حياته، وكذلك صلاح عبد الله فى دور أبو السعود الإبيارى، وكذلك اختيار بقية الممثلين وهو ما يحسب للمخرج، لكن ما يعيب الإخراج هو البطء فى الحركة وسذاجة المشاهد، إسماعيل يس فى الحجرة يخلع ملابسه تجده يقول لما اقلع هدومى.. يجلس ليأكل يقول لما أكل بقى، عندما يذهب لينام يقول لما أنام بقى، كلها حوارات ساذجة وإخراج بطىء ومط وتطويل للمشاهد تحسب على المخرج الذى قلت أنه حجة.. كيف لمخرج مثله صاحب تاريخ طويل أن يخرج هذا العمل بهذا الاستسهال.. لا توجد مشاهد حقيقية حتى فى أعلى قمة التراجيديا عند بطل المسلسل ما يجعلنا نبكى على حاله من البؤس، والفقر ومحاربة الناس له نجد المشهد يمر على المخرج كأنها واقعة عادية جدا لا يمكنك التأثر بها ولا حتى معايشتها، حركات الكاميرا على الممثلين وحركات الممثلين تشعرك بأن المخرج وضع الكاميرات فى وضع معين وترك الممثلين يعملون بما يحلو لهم، وهو أمر جعل العمل كله ضعيفا فنيا لا يمكن أن تتجاوب معه على الإطلاق ولا حتى تتأثر به، وهو ما يقع تحت بند اقلب عندنا سبوبة ثانية عايزين نخلصها، ليس هكذا تكتب سيرة العظماء ولا تمثل هكذا ولا حتى تخرج هكذا، أما عن عمل عظيم كان عليهم أن يتقنوا جيدا ما يقومون به للتاريخ وللمستقبل وليس لأكل العيش المتوفر دائما لكل العاملين فى المسلسل، خسارة أن يظهر العمل هكذا، لكن لابد أن نشكرهم على مجهودهم الناقص الذى ينقصه الاهتمام بتاريخ فنان كبير فى حجم إسماعيل يس!