قيمة كبيرة وعظيمة تظهر في حالة الانتماء بين الطفل وأمه وكأنها قيمة فطرية بالرغم من أنها مكتسبة من خلال ما تقدمه الأم من تعب وحب وسهر وبذل من أجل الابن طوال حياته. الشيء الذي يقابله ذلك الحب الذي لا يوصف من الابن للأم والذي يفوق قيمة الانتماء. نضحي من أجل الوطن ونموت فداء الدفاع عن أرضه وندفع الغالي والثمين في سبيل صون كرامته. ومع ذلك فهذا الحب الذي يظهر في الإطار الطبيعي هو بلا شك كان حبًا من المواطن للوطن الذي أطعمه من خيراته وألبسه من إنتاجه وعالجه في مستشفياته وعلمه في مدارسه وآمنه من الأخطار الحياتية الخائنة لكل من هو غير قادر ولكل من ليس له ظهر يستند إليه سوي ظهر الوطن. إذن فالانتماء للأم والوطن ولأي قيمة هو مقابل كل شيء من الجانب الآخر، هو رد للجميل، هو سداد لدين سابق، وإذا كانت العلاقة بين الأم والابن يحتويها المعنوي قبل المادي، فالعلاقة بين الوطن والمواطن في هذه الأيام يسيطر عليها المادي غير تارك لأي مساحة لما هو معنوي. ولذا وبدون تنظيرات كثيرة وتقعيرات معقدة، فما حدث للوطن وللمواطن من تغييرات سلبية جدًا، سواء علي مستوي العلاقة بين المواطن والوطن أو بين المواطن والمواطن، بل بين الأب وأبنائه وبين الأم وفلذات أكبادها، حيث أصبحت كلمة الانتماء كلمة بلا معني وقد فقدت أي مدلول.وهذا لأنه قد حدث علي الجانب الآخر في الوطن من التغيرات السريعة والمتصاعدة ما يصب في غير صالح هذا الانتماء، فبعد الانفتاح الاقتصادي السداح مداح، وذلك الانفتاح الذي أرسي قيم مناقضة ومخالفة لكل قيم العدالة الاجتماعية، تلك العدالة التي تعتبر راية الانتماء والطريق الصحيح لحب الوطن، فماذا كانت النتيجة؟ أرض الوطن ملك له والوطن ملك مواطنيه ولذا فالأرض في المحصلة النهائية ملك للمواطن وذلك ليس من خلال التقسيم الكمي لمساحة الأرض علي عدد السكان، بل ملك للمواطن من خلال المشاريع والاستثمارات التي تتم في إطار صالح الوطن أولاً وأخيرًا لكي تكون في صالح المواطن خاصة ذلك غير القادر. ولكن أن تُهب الأراضي للقادرين بغير حساب وبلا قانون، لكي يغني الواصلون والراشون ومستغلو الوطن حتي آخر نقطة دم فيه فهذه ليست مشاريع ولا علاقة لها بأي استثمار. عندما يتعامل مع ممتلكات الوطن وأصوله وكأنها التركة الخاصة التي ورثها فهذا توريث للوطن. عندما يتم منح أرض الوطن وممتلكاته للأهل والأقارب والأحباب والأبناء وكل شباب الوطن غير قادر علي السكن بل لا يجد ما يجعله يعيش حياة تقترب من حياة البشر، فهذا وطن يريدون اختطافه. عندما يصل ابن القاضي للنيابة وابن اللواء للشرطة وابن الأستاذ الجامعي للجامعة وابن السفير للسفارة، ويقولون لمن حصل علي امتياز واجتاز كل الاختبارات الشفهي والتحريري أنك غير لائق اجتماعيًا ولا تصلح للتعيين فلا يجد منفذا سوي الانتحار فهذا الأوان يكون ميز وطن القادرين والواصلين والمتنفذين عندما يتم القبض علي مواطن عادي (موش ابن مين) في ظلام الليل الدامس لتنفيذ حكم بغرامة عشرة جنيهات مخالفة مترو، ولا يتم هذا مع القادرين ماديًا وواقعيًا وسلطويًا في قضايا سرقة الوطن، فهذا الوطن لا مكان فيه لمخالف المترو الذي لم يجد ثمن تذكرته للركوب. عندما تتزايد وتتصاعد وتتعدد الاحتجاجات العمالية نتيجة للخصخصة التي أدت إلي بيع القطاع العام بمقابل بخس وطردت العمال بدون مبررات فهذا وطن هؤلاء ولا مكان للعمال. والأمثلة لا تحصي والجميع يعلم ويشاهد ويرصد، فهل بعد ذلك نقول ماذا حدث للمصريين؟ الذي حدث يعاني منه الشعب غير قلة خطفت كل اللبن من الضرع ولم تترك نقطة واحدة للأطفال. وعندما نصل إلي تلك الحالة لا يجب أن نتكلم عن الفساد، فما يحدث هو البنية الأساسية للفساد وعندما ينتشر الفساد بهذه الصورة يصبح الفساد شيئًا طبيعيًا، حيث قد أسقطت كل القيم فالرشوة والواسطة والسمسرة كل هذه الأشياء أصبحت الآن بمسميات قد أعطتها معاني غير المعاني. في هذا المناخ كان من الطبيعي أن نصل إلي مرحلة إفراز معركة مثل معركة المحامين والقضاة. ومن الطبيعي أن نشاهد من يعلن ولأول مرة أنه لن ينفذ حكمًا قضائيا حيث لا يوجد قوة تستطيع أن تجبره علي هذا، فهل هناك خطر يحيق بالوطن أكثر من ذلك؟ وهل هناك بصيص من الضوء يعطي أملاً لأي انتماء؟ الأمل لابد أن يظل دائمًا ولا شك في هذا الأمل في أبناء هذا الوطن القابضين علي حبه بالرغم من كل ذلك كالقابضين علي الجمر، أما الأمل العاجل والسريع، وهذا قدر مصر علي مسار تاريخها، هو تدخل الرئيس سريعًا لإعادة الأمور إلي نصابها الصحيح حبنا في مصر ومن أجل الوطن الغالي يجب أن يكون دائمًا وطن كل المصريين.