منذ 98 عاما بالتمام والكمال قرر الأستاذ والمفكر والكاتب والوطنى والمترجم وأستاذ الجيل «أحمد لطفى السيد» ترشيح نفسه فى الانتخابات التشريعية عن إحدى دوائر مديرية محافظة الدقهلية ضد «عثمان بك سليط» أحد أعيان المديرية!! فى ذلك الوقت أى عام 1913 كان «أحمد لطفى السيد باشا» واحدا من أهم مفكرى ومثقفى مصر فالرجل من مؤسسى صحيفة «الجريدة» وحزب «الأمة» بل كان أغلى رئيس تحرير فى مصر وقتها وكان يتقاضى مرتب ألف جنيه سنويا فى ذلك الزمن. كان أحد ثلاثة تحمسوا حماسا لا نظير له لإنشاء الجامعة الأهلية وكان معه «سعد زغلول وقاسم أمين» وكان أول مدير لها وحمى استقلالها، بل قرر الاستقالة بعد ذلك بسنوات احتجاجا على إقالة الحكومة للدكتور طه حسين من عمادة كلية الآداب. وأعود إلى الانتخابات والتى سقط فيها «أحمد لطفى السيد باشا» أستاذ الأجيال سقوطا مروعا وسط أبناء دائرته وعشيرته وأهله. أسباب سقوط أحمد لطفى السيد باشا سنة 1913 تشبه وتتشابه إلى حد التطابق فى سقوط عدد كبير من خيرة أبناء مصر فى انتخابات 2011، إنها نفس الأساليب والوسائل لم تتغير رغم مرور 98 سنة! لقد أشاع خصومه إنه «ديمقراطى» فأسقطوه بجدارة! لقد عايش وعاصر هذه القصة والمعركة الطريفة الكاتب والمؤرخ «حسن الشريف» ورواها فى كتابه «الرجال أسرار» «صدر عام 1951». تحت عنوان كانت الديمقراطية مصيبة «كتب حسن الشريف»: لم تكن الانتخابات إذ ذاك تسير بضغط الإدارة ولا بنفوذ الأحزاب بل كان كل مرشح يعتمد على وسائله الخاصة من عصبية ومال وجاه ومنزلة فى قلوب الناس. وشعر «عثمان بك سليط» أن «لطفى السيد» مزاحم «منافس» خطر وأن الناس يتحدثون بعلمه وفضله وعلو مركزه، بينما هو لا يعدو أن يكون أحد أعيان الريف الذين لا جاه لهم عند الحكام يخدمون به الأهالى وليس لهم مركز أدبى يفاخرون به «مزاحمهم» ويتعالون به عليه! حار الرجل «عثمان بك سليط» وصار لا يدرى ماذا ينبغى أن يفعل ليكسب المعركة الانتخابية من ذلك الخصم القوى، فأسر أمره إلى صديقه الأستاذ «أحمد بك رمزى» عضو مجلس الشيوخ واهتم رمزى بالأمر وأخذ يدبر المكائد ليؤثر فى سمعة لطفى السيد عند الناخبين! كان «لطفى بك» يومئذ يدير «الجريدة» ويكتب فيها مقالات مسهبة عن الديمقراطية وفضائلها وعن المرأة ووجوب مساواتها بالرجل فى الحقوق فرأى «أحمد رمزى بك» فى تلك المقالات سلاحا يطعن به خصم صاحبه طعنة تقضى عليه. فأخذ من اليوم التالى يطوف فى القرى مع صديقه حاملا فى جيبه بضعة أعداد من الجريدة فإذا انتظم فى بيت العمدة أو أحد من الأعيان ودار الحديث حول الانتخابات والمفاضلة بين المرشحين تظاهر «رمزى بك» بأنه محايد لا يهمه إلا انتخاب الأصلح وأثنى على «لطفى السيد» وأشاد بمواهبه وكفاياته حتى إذا اطمأن السامعون إلى نزاهته وحياده أخذ يتأوه ويقول: بس يا خسارة والله لو لم يكن لطفى السيد ديمقراطيا لانتخبته ولنصحت الناس بأن ينتخبوه ولكن يا خسارة! وعندما يقول أحد أنصار لطفى السيد وما عيب الديمقراطية يا سيدى حتى تأخذها عليه؟ يعتدل «رمزى بك» فى جلسته ويتخذ هيئته وقورا وينظر إلى مخاطبه شذرا ويقول: ألا تدرى ما هى الديمقراطية؟ تتجاهل الآن كل المصائب التى تجرها الديمقراطية على الدين وعلى العادات وعلى البلاد؟ من منكم أيها الناس يرضى أن تتزوج امرأته بأربعة رجال؟ ويخرج رمزى بك أعداد الجريدة ويقرأ على الناس رأى لطفى السيد فى وجوب مساواة الرجال والنساء فى الحقوق فإذا تساوت المرأة والرجل فى الحقوق يكون معنى ذلك أن تصبح للمرأة نفس حقوق الرجل فتتزوج هى الأخرى بأربعة رجال! إذا كان هذا يرضيكم يا حضرات الناخبين فانتخبوا صاحب هذا الرأى المخالف لدين الله وأحكام الشرع وعادات المسلمين! ويتناول السامعون أعداد الجريدة ويقرأون ثم يلقون بها على الأرض قائلين: «نعوذ بالله إن هذا لكفر صريح». وسقط لطفى السيد فى الانتخابات ربما خسرته مصر نائبا لكنها كسبته مفكرا من طراز رفيع حتى أنه رفض اقتراح ثورة يوليو 1952 بأن يختاروه رئيسا للجمهورية.؟