الفهْلوى عند علماء الاجتماع هو الوصولى الانتهازى الذى يدعى من القدرات والمواهب ما ليس فيه ، ويصل الى أعلى المناصب بوسائل ملتوية بغير استحقاق ، وعلى امتداد تاريخ البرلمان المصرى لم يحظَ الا فى القليل النادر بتمثيل النخبة المثقفة أصحاب الفكر والرأى التى تضئ للأمة طريقها نحو النهضة ، وذلك لغلبة التزوير والبلطجة وسحر المال على صوت الفكر والرأى . السوق الانتخابى ليس سوق عكاظ ولا رواج فيه غالبا لبضائع المثقفين ومصطلحاتهم الغامضة ، حيث يعرض " الفهلوية " ورجال المال الحرام والحلال بضاعتهم فى موسم ينتظره اللاعبون بالبيضة والحجر وذوو المهارات الخاصة فى النفاق والخداع . وبعد سماح القضاء المصرى لأعضاء الوطنى المنحل بالترشح للانتخابات ، وبعد اصدار قانون العزل السياسى بعد فوات الأوان ، نجد أنفسنا أمام مشهد مثير ، حيث نشاهد سُقراط فى مواجهة محمود المليجى ، وحجة الاسلام الغزالى فى مواجهة محمود شكوكو ، ويواجه المثقفون من أقصى اليمين الى أقصى اليسار سطوة المال وجيوش البلجية وألاعيب الفلول . هذا المشهد يستدعى مشهدا تاريخيا طريفا لأحمد لطفى السيد الذى يلقب بأبى الليبرالية المصرية وأستاذ الجيل ، وسماه العقاد أفلاطون العرب ، فقد ترشح نائباً عن حزب الأحرار الدستوريين في دائرة قرية "برقين " بالسنبلاوين , وكانت النتيجة شبه محسومة للوزير ابن الباشا عمدة القرية , لكن منافسه الوفدى عبد العزيز سليط , جمع أهل القرية وسألهم فى مكر : انتو عارفين الباشا يطلع ايه ؟! تحفز الناخبون لمعرفة ما يخبئه سليط من أسرار تسْقِط الباشا من نظر أهل الدائرة ، أجابهم قائلا : الباشا ديمقراطى !! أهل القرية وقتها لا يعرفون ماهية الديمقراطية والامَ تدعو ، ولذلك استغل سليط هذا الجهل بالمصطلح ، فأوقع المثقف الكبير فى الفخ ! قال سليط بجرأة يُحسد عليها : الديمقراطية التى يدعو اليها الباشا هى الالحاد والكفر ، وتقوم على مبدأ سلفني مراتك واسلفك مراتي , والعياذ بالله ! حضر الباشا الى مؤتمره الانتخابى ، وسألوه هل أنت حقا ديمقراطى ؟! فأجاب الباشا : طبعاً ديمقراطي .. ديمقراطى جدا ! هاج الناخبون وماجوا بمجرد سماع اجابة لطفى السيد الصادمة ، وأشعلوا السرادق ، وأعلنوا مقاطعتهم التامة للباشا ( الديمقراطى جدا ) ، وسقط لطفى السيد المثقف ونجح سليط الفهلوى ! لا أجد ما أقوله للمصريين اليوم – والمنافسة على أشدها بين المثقفين وأصحاب الرأى من جهة والفهلوية من جهة أخرى - أفضل مما قاله أمير الشعراء رحمه الله : ناشدتكم تلك الدماء زكية لا تبعثوا للبرلمان جهولا قد يكون من الأنسب اليوم أن نقول : لا تبعثوا للبرلمان فلولا .. مع الاعتذار لأحمد بك شوقى .