انتهى شهر رمضان وعلى عكس المتوقع جاءت دراما شهر رمضان هذا العام مليئة بالإثارة والمفاجآت الفنية فقد كُنا نتوقع ضعف الموسم الدرامى وانصراف الجمهور عما سيتم عرضه نظراً لتزامن مُحاكمات رءوس النظام السابق فى مُحاكمات علنية تمت إذاعتها وشغف الجمهور لمشاهدة تحليل البرامج السياسية المُختلفة لهذة المُحاكمات، ومن جهة أخرى كان ضعف الإنتاج الدرامى من الأسباب التى جعلت الجمهور يتخيل أنه لن يستطيع الحصول على ما يرضيه فنياً لأن معظم ما تم التنويه عنه كانت أعمالا مؤجلة من العام الماضى، بالإضافة إلى المواقف المُسبقة التى اتخذها الجمهور ضد مسلسلات النجوم الذين هتفوا للنظام السابق ودافعوا عنه فى بدايات الثورة، لكن ماحدث أن المُشاهدين تابعوا ما يحدث على الساحة السياسية وفى ذات الوقت وجدوا أعمالا أجبرتهم على المُتابعة. والمفاجأة أن عدد المُسلسلات الجيدة ليس بقليل والأكثر إثارة أن هذه المسلسلات تحمل أسماء لم يعتد الجمهور عليها طوال العشرين عاما الماضية، تلك الأعوام التى ظلت حكراً على نجوم مُحددة ومعهم ضيع الجمهور عُمره فى مشاهدتهم ولم نكن نعرف سر سيطرتهم على الشاشة فى شهر رمضان إلا بعد ثورة 25 يناير التى كشفت المستور وأظهرت المصالح المُتبادلة بين بعض النجوم ورءوس النظام. المهم ليس هذا موضوعنا الآن. نعود لشكل الدراما هذا العام ونجومها الموهوبين بعضهم ماركة مُسجلة والبعض الآخر نجح فى تقديم أوراق اعتماد نجوميته بأمر من المشاهدين. وطبعاً لن تتيح لى المساحة للكتابة عن هذا الكم من المسلسلات لكننى اخترت البعض منها. شارع عبد العزيز أولها مسلسل «دوران شبرا» الذى قدم فيه السينمائى خالد الحجر نفسه كمُخرج دراما، وما شاهدناه فى المسلسل يؤكد أننا أمام فيلم سينمائى مُكتمل العناصر استطاع مُخرجه ترجمة سيناريو عمرو الدالى لعمل درامى مصنوع بلغة السينما. نحن هنا أمام نماذج من لحم ودم يجمعهما مكان سكن واحد وهو «حى شبرا». أهم مُفاجآت هذا العمل هُم أبطاله أولهم هيثم زكى الذى لاقى قبولا جماهيرياً فى فيلم «حليم»، وكان يجسد فيه شخصية عبد الحليم فى مرحلة شبابة بينما جسد والده الراحل أحمد زكى المرحلة التالية ووقتها قلنا إن أهم مكاسب فيلم «حليم» هو ولادة نجم جديد.، لكن التجربة السينمائية الثانية له وهى فيلم «البلياتشو» لم تكن فى صالحه وبعدها اختفى تماما لدرجة اعتقاد البعض بأنه ترك هذا المجال تماما، لكن الحقيقة أنه كان يعد نفسه جيداً للعودة، وكانت البداية من خلال مشاهد قليلة فى مسلسل «الجماعة» لوحيد حامد وبها لاقى استحساناً من الجماهير والنقاد فهو لم يجر خلف مُنتج من أجل بطولة زائفة ولم يتعجل الظهور فى أى عمل فنى والواضح أنه تعلم الدرس من والده، لذلك لم يهتم كثيرا بعودته سينمائيا أو من خلال عمل درامى المهم ماذا سيقدم ؟ ومع من؟ هاهو يطل على المشاهدين من خلال مسلسل «دوران شبرا» دور ناصر خريج السجن المُلتحى بالمصاُدفة الذى يحاول كسب قوت يومة بالحلال لكن أحد الضباط يورطه فى العمل كمُرشد. طبعا الدور كله مفاجأة، الشخصية التى قدمها هيثم تنتمى للطبقة الفقيرة التى لديها طموح مدمر وبقدر ما أجاد فى اختيار الشكل الخارجى للشخصية بقدر ما كان أداؤه صادقا ومتفردا بعيداً عن المقارنة بوالده، ويبدو أنه كان حريصاً من البداية أن يكون ذاته ولا أحد سواها حتى إذا كان والده، والمؤكد أنه نجح فى ذلك بجدارة بموهبته التى ورثها عن والده أحمد زكى ووالدته هالة فؤاد رحمهما الله، أما حورية فرغلى فهى ثانى مُفاجآت المسلسل أولا لأن أول تعارف بينها وبين الجمهور كان من خلال فيلم «كلمنى شكرا» للمخرج خالد يوسف وكان المفروض أنها تلعب دور فتاة تحصل على كروت شحن لموبايلها عن طريق إغراء الشباب عبر الإنترنت، ولم يكن هذا الدور يدل على أنها صاحبة موهبة من العيار الثقيل، دوران شبرا من خلال دور عزة زوجة ناصر «هيثم زكى» التى تخدم سكان العمارة من أجل توفير مستلزمات أسرتها المكونة من زوجها وشقيقه الأصغر. وطبيعة الدور فرضت عليها التخلى عن الماكياج وارتداء ملابس بسيطة تتوافق مع الدور لتظهر عليها علامات الشقى من أجل لقمة العيش فهى بالنسبة لزوجها الجانب الخير التى ترفض كل ممارساته غير المشروعة فى محيط عمله فهى لا تغريها نقوداً ولا عيشة مُترفة. نحن نراها فى مُعظم مشاهدها باكية وحزينة ومريضة ورغم ذلك لها طلة رائعة وأعتقد أنها قبلت هذا الدور كنوع من التحدى لتثبت أنها مُمثلة جيدة حتى لا يحصرها المُخرجون فى أدوار مُشابهة لدورها فى فيلم «كلمنى شكرا». والمؤكد أنها نجحت فى تقديم هذه الشخصية المُركبة. حكايات كثيرة صاغها المؤلف عمرو الدالى داخل مسلسله منها حكايات بعض سكان العمارة التى يسكن فيها ناصر السحيمى وزوجته عزة فوق السطوح أولى الحكايات هى حكاية عفاف شعيب وصراعها مع أبنائها الثلاثة الذين يريدون بيع الشقة ليأخذ كل منهم نصيبه وكيف غدر بها ابنها الأكبر هانى عادل الذى يعد اكتشافا جديدا فى هذا الدور، وكذلك الموهوب أحمد عزمى الذى لعب دور الشاب المسيحى ورغم أنه سبق أن قدم شخصية مسيحية من قبل فى فيلم «الوعد» لوحيد حامد ومحمود ياسين إلا أن دوره فى الفيلم مُختلف تماماً عن دوره فى المسلسل، أيضاً سبق لنيرمين ماهر المشاركة فى العديد من الأعمال الفنية ومع نجوم كبار إلا أن دورها فى «دوران شبرا» سيكون علامة فارقة فى مشوارها الفنى وكذلك دعاء طعيمة، أما محمد رمضان فقد لعب الدور كما هو مطلوب منه لا أكثر ولا أقل ومثله نبيل عيسى.. نأتى للوجوة الجديدة فى «دوران شبرا» وعلى رأسهم إبراهيم النجارى وملك قورة وميريهان وشادى الدالى وأحمد صلاح يحسب للمخرج خالد الحجر اختيارهم: هُم بحق موهوبون واستطاعوا لفت انتباه المُتفرج لهم بأدائهم وأكدوا أنهم قادمون بقوة، والمؤكد أن هذه الوجوه وجدت المساندة من النجوم الكبار وعلى رأسهم دلال عبد العزيز وعفاف شعيب وبطرس غالى الذى لعب دور الجد لملك قورة. ويحسب للمنتج جابى خورى دخوله مجال الإنتاج الدرامى فأول عمل درامى له أثبت فيه أنه مُنتج يبحث عن الأعمال المُختلفة التى تحترم الجمهور ويحسب له أيضاً اختيار المخرج السينمائى خالد الحجر فهو مكسب للدراما، كم من مخُرجى سينما اتجهوا للدراما لكنهم لم يحققوا نجاحا يُذكر! عمرو سعد وموهبة بلا حدود أما «شارع عبد العزيز» فهو ثانى المسلسلات التى حرصت على مشاهدتها لسببين أولهما أن العمل لعمرو سعد وهو من النجوم الجُدد الذين أصبحت مُسلسلاتهم تُباع بأسمائهم وكان مُسلسل «مملكة الجبل» مع المُخرج مجدى أحمد على هو أولى تجاربه مع البطولة المطلقة فى التليفزيون العام الماضى، وأذكر أن المُنتجين سعوا للتعاقد معه على مسلسل جديد وقت تصويره ل«مملكة الجبل»، وهذا يعُنى أنه بلغة السوق أصبح اسمه «بياع» وأنه مطلوب فى الفضائيات ولأن اختيار العمل الثانى للممثل يُصبح عادة فى غاية الصعوبة خاصة إذا كان حقق نجاحا فى مُسلسله الأول، والسبب الثانى أن أحمد يُسرى المُخرج السينمائى صاحب أفلام «45 يوم» لأحمد الفيشاوى و«بوشكاش» لمحمد سعد يُقدم تجربته الإخراجية الأولى فى التليفزيون لهذه الأسباب كان من الصعب تأجيل مُشاهدة هذا العمل إلى ما بعد شهر رمضان. أما المسلسل نفسه فاسمه يدل على فكرته التى صاغها مؤلفه أسامة نور الدين وهو بالمناسبة لأول مرة يكتب عملا دراميا للتليفزيون نحن فى هذا العمل أمام شخصيات مليئة بالتناقضات، وتعكس المُتغيرات التى حدثت فى المجتمع، بطلنا الرئيسى هو عبد العزيز أو «زيزو» «عمرو سعد» ذو الجذور الصعيدية وقد حرم نفسه من استكمال تعليمه من أجل مساعدة والده فى ورشة تصليح الغسالات، وبعد وفاة الأب مُتحسراً على سرقة أجهزة من ورشته يتولى عبد العزيز مسئولية أسرتة المكونة من والدته عايدة رياض وشقيقة هيثم محمد. ويصر على معرفة المُتسبب فى وفاة والده كمداً وينجح فى ذلك عن طريق اثنين من البلطجية ليقرر فيما بعد الدخول فى عش الدبابير، وبذكائه ومهارته فى تصليح الأجهزة يستطيع العمل مع الذين تسببوا فى قتل والده «سامى العدل» و«محمد كامل» وهما من أكبر التجار فى شارع عبد العزيز لنرى رحلة صعوده وسيطرته على تجارة الموبايلات ليصبح فيما بعد من أهم رجال الأعمال. طبعاً يحسب لمؤلف العمل اختياره شارع عبد العزيز الملىء بالنماذج البشرية المتفاوتة والتى من خلالها أظهر التغيرات الواقعة على المجتمع والشخصية المصرية . زيزو «عمرو سعد» يمر بمراحل مُختلفة على المستوى العاطفى فهو يضطر للزواج من امرأة تكبره «ريهام سعيد» ابنة عمه الصعيدية لينفذ وصية والده بأن يتم دفنه فى الصعيد ولكى يتم ذلك يجبره كبير العائلة على الزواج منها، أما حبه الحقيقى فهو للدكتورة «هنا شيحة»، لكنه يفشل فى إقناع والدها بالزواج منه وفى خط متوازٍ نراه يدخل فى علاقة غير شرعية مع عُلا غانم «سناء» ابنة أكبر تاجر أجهزة منزلية «سامى العدل». عمرو سعد أداؤه مُبهر لشخصية عبد العزيز أتقن تفاصيل الشخصية ونجح فى التعبير عنها بكل مُتناقضاتها فى رحلة صعوده من القاع إلى القمة، الشخصية التى جسدها شديدة الثراء نحن أمام شخصية مليئة بالشجن وانكسارات متعددة سواء فى محيط عمله أو حياته الخاصة ومن أجمل مشاهده هى التى جمعته مع محمد كامل وريهام سعيد «أشجان» زوجته الصعيدية التى فرضت عليه معظم مشاهدهما مليئة بالشجن وكان مشهد وفاتها من أجمل المشاهد التى جمعتهما، وكذلك مشاهده مع علا غانم «سناء» بنت سامى العدل «الشرشابى» التى تتسم «بالفُجر»، فهى تُطارد عبد العزيز ولا تخفى علاقتها الآثمة به أمام أحد رغم أنها على ذمة شخص آخر مسجون، وهى رغم ثراء والدها نُشاهدها ترتدى الملابس البلدى المُثيرة وتكون هى السبب فى كسر والدها أمام عبد العزيز عندما يضبطهما سوياً فى شقتها ليحدث فيما بعد تحول جذرى فى شخصيتها، يُحسب لعلا غانم موافقتها على هذا الدور ورغم أنها قدمت دور الفتاة التى تنتمى لطبقة شعبية من قبل فى مسلسل «العار» فإن دورها فى مسلسل «شارع عبد العزيز» مُختلف تماماً وأثبتت فية أنها قادرة على تكرار الشخصيات من خلال طُرق أداء مُختلفة الطريف أن هناك أكثر من ممثلة اعتذرت عن هذا الدور وعندما عُرض على عُلا غانم قبل بدء التصوير بأسبوعين وافقت بعد قراءتها للشخصيات التى صاغها ببراعة السيناريست أسامة نور الدين، ومن يشاهد أداءها لشخصية سناء يتأكد أن لا أحد سواها كان سيتقنه مثلها وهذا الدور يعتبر مكسبا لعُلا غانم وخسارة للأخريات أما سامى العدل «الشرشابى» فقد دخل فى مُباراة رائعة فى فن الأداء مع محمد كامل وكان المُتفرج ينتظر المشاهد التى تجمعهما. وأيضا تألقت هنا شيحة فى دور الدكتور لبنى التى يرفض والدها زواجها من عبدالعزيز لعدم التكافؤ بينهما مما يجعلها تقبل الزواج من الضباط «رامى وحيد» ابن سامى العدل والذى يكتشف أنها كانت على علاقة مع نفس الشخص الذى تورطت معه أخته علا غانم «عبدالعزيز» أحمد يسرى جعلنى أشعر أننى أمام مخرج سبق له العمل فى مجال الدراما ونجحت كاميرته فى ترجمة سيناريو المؤلف أسامة نور الدين حول أشهر شارع فى مصر والكشف عن أسراره سواء فى تفاصيل عمليات بيع الأجهزة المضروبة أو صراعات التجار فيما بينهم وكم التناقضات الموجودة فى شخصياتهم وعلاقة المُرشحين لعضوية مجلس الشعب بتجار أشهر شوارع مصر.