عبدالكريم الكابلى فنان شامل غنى ونظم ولحن اغنيات شجية ،كتب لها الخلود والتميز فهو ظاهرة إبداعية لن تتكرر، عرف السفارة الفنية فى وقت مبكر حاملا فنه وتراث بلده جائبا العالم معرفا به فوجد القبول والدهشة والإعجاب، فقد تغنى بالفصحى مما يسر لأغنياته الوصول لأذن المتلقى العربى كما ترجمت أغنياته للغات متعددة فوصلت لمساحات واسعة ليمتع ويبدع أينما حل سالبا عقل وقلب سامعيه، يكاد يبلغ درجة عموم الاتفاق وهى درجة قلما نالها مبدع ولكن الكابلى ملك ناصيتها وتربع على قمة الهرم الفنى ساطعاً نجمه فى كل مراحل عمره.. فى مدينة الثقر بورتسودان انطلقت الصرخة الأولى لمولود احتفت به الأسرة وأطلقت عليه اسم عبدالكريم كان ذلك فى العام 1932م ،عاش متنقلا مع أسرته فى مدن متعددة من شرق السودان ليتلقى تعلمه الأولى بها ثم ينتقل لمدينة الخرطوم لإكمال تعليمه الثانوى والجامعى ويلتحق بوظيفة حكومية بالمصلحة القضائية مفتشا إداريا بإدارة المحاكم، ثم انتقل لمدينة مروى لمدة ثلاث سنوات كان لها أثر واضح فى شخصيته الفنية ثم عاد مرة أخرى إلى العاصمة الخرطوم لمباشرة مهامه العملية حتى العام 1977م ليبدأ مرحلة أخرى من حياته فى دول المهجر بالعاصمة السعودية الرياض بوظيفة مترجم وبها ذاق مرارات الغربة فلم يقوى عليها فعاد إلى السودان فى بداية الثمانينيات..يعتبر عبدالكريم الكابلى علما فنيا ورقما لا يمكن تجاوزه، لمع بريقه فى الستينات بعد رحلة فى دنيا الطرب مسرحها ومتنفسها الوحيد كان جلسات الأنس بين الأصدقاء والأهل منتظرا فرصة تقدمه للجمهور وبالفعل جاءت الفرصة التى يتمناها كل فنان: ففى مسرح يضج بالشخصيات الرفيعة وأمام الزعيم المصرى جمال عبدالناصر تغنى مطربنا برائعة الشاعر الحسين الحسن اغنية (آسيا وأفريقيا) التى نظمت على شرف مؤتمر باندونق الشهير الذى اجمعت فيه الدول الآسيوية والأفريقية عدم الانحياز، كانت الانطلاقة من القوة بأن تجعل منه فنانا ناضجا سطع نجمه فى دنيا الغناء مما جعل حجم المسئولية يكبر لديه فقدم اغنيات تغنى فيها للحب والجمال للوطن وللمرأة ألحانا رددها القاصى والدانى واتخذ منها العشاق عبارات توصف حبهم وأشواقهم والم البعد والهجران ،تغنى كابلى أغنيات شجية اشهرها على سبيل المثال لا الحصر: ضنين الوعد - أكيد حا نتقابل - سكر سكر - معللتى - أكاد لا أصدق - زمان الناس - حبيبة عمرى - شذى زهر - فى عز الليل - مروى - أغلى من لؤلؤة- يا هاجر ،وغنى قصيدة أبوفراس الحمدانى (أراك عصى الدمع) بلحن مغاير للحن أم كلثوم التى تغنت بها وقد أسمعها لها عند زيارتها للسودان عام 1968م فأعجبت بها.. اهتم بالتراث القومى الثرى فقدم العديد من المحاضرات فى حله وترحاله حائزا على الإعجاب والتكريم فقد كرم من قبل الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة الذى قلده وساما ذهبيا باسم المجاهدين الجزائريين. كما عين سفيرا للنوايا الحسنة من الأممالمتحدة وكان خير سفير.. فى عام 2013م حزم الكابلى أمتعته لزيارة أسرته بالولايات المتحدةالأمريكية سافر على وعد بالعودة كما يفعل دائما ولكنها لم تكن كسابقاتها فقد وجد نفسه مندمجا فى مجتمع وصفه بالإنسانى لما حظى به من تعامل محترم واهتمام وصف إقامته (شخص له مقدرات متميزة) فما كان منه غير الانخراط فى الجمعيات الخيرية والعمل الإنسانى والفكرى فأصدر باكورة إنتاجه الأدبى كتابا باللغة الإنجليزية اسمه (أنغام لا ألغام) صور فيه انتصار قوة الانغام فى صناعة السلام على ويلات الألغام التى حصدت أرواح الأبرياء. كان جمهوره العريض يتابع إنجازاته ونجاحاته وهو يأمل عودته سالما غانما لحضن الوطن إلى أن جاء العام 2016م صادما بمنح الفنان عبدالكريم الكابلى الجنسية الأمريكية بولاية كالفورنيا فضجت المجتمعات بجميع وسائطها بهذا الخبر بأوجه نظر مختلفة إلا أنهم اتفقوا بأن جزءا مهما قد انتزع من جسم الوطن فالكابلى لم يكن شخصا عاديا يسهل على الناس تقبل اختفائه من ساحاته... وطن احبه مطربا حد الثمالة وتغنى لكل ركن فيه متغزلا بجماله، وطن لم يكن البعد عنه خياره وإنما كان خيارا اغتضته عوامل خاصة احتفظ بها لنفسه مكتفيا القول بأنه يفضل البقاء بجانب أسرته فى مهجرهم ولم يكن هناك إلا الدعاء له بالصحة والعافية وتبقى ذكريات وتاريخ غنى بالعطاء وما زالت هناك خيوط أمل بالعودة ونقول له بعادك طال. •