هل يحق لأمة من الأمم أن توجه رسالة بها عدد من النصائح إلى المجتمع البشرى الذى يضم أمما مثلها؟ وما هى الخصائص التى يجب توافرها فى هذه الأمة لكى تتحمل عبء حمل الرسالة ثم توجيه النصيحة؟ هل تعتبر هذه الرسالة المحملة بالنصيحة واجبا على هذه الأمة؟ تلاحقت هذه الأسئلة سريعا مع متابعة مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية، ما جعل هذه الأسئلة ملحة تبحث عن إجابة طبيعة اللحظة التى تمر بها الإنسانية الآن فهى لحظة تحمل من الاضطراب والفزع والجنون أكثر مما تحمل من الأمن والسكينة والعقل. تبحث عن السبب والمسبب الذى أطلق شياطين الاضطراب والفزع فى العالم وأصاب الإنسانية بهذا الخوف المرضى لن تشقى طويلا فى عملية البحث، فالسبب واضح تماما، أن من أطلق شياطين الاضطراب وجعل من الفزع قاعدة والأمان استثناء مجموعة من السياسات تمارسها للأسف قوى تتوهم أن الهيمنة وحمل لقب قوى عظمى يعنى نشر الفوضى لتقتنص مصالحها، وكأن الفائدة التى تعود من وراء المصالح لا تولد الأمن رحم الفوضى المشوه. نتتبع مسار هذا الاضطراب فنكتشف أن الكارثة أكبر من خيالنا المسالم فلم تكتفِ هذه العظمى بما قدمت أيديها من فوضى وفزع طوال عقود بل أطلقت وراء الإنسانية فى مطاردة مخيفة عصابات من المشوهين والمسوخ تزيد من معدلات الفوضى، وكل ذلك من أجل اقتناص هذه المصالح المخضبة بدماء الأبرياء. تتعجب من الخيال الشرير الذى صنع هذه المسوخ والأيادى التى تدعمها، فباسم الدين والدين منهم براء يطلقون على الإنسانية كلاب الإرهاب والأكثر سخرية عندما يتكلم صانعو الإرهاب والإرهابيون عن مكافحته. تعلن هذه القوى المنتشية بلقب العظمى أنها حاربت الفاشية السياسية وقضت عليها، ولكنها لا تخجل من أن تدعم وتأوى الفاشية الدينية وتحيط القتلة حاملى السلاح بسياج من الحقوق الزائفة يحرسه قتلة آخرين لكنهم يشهرون سلاح التقارير فى وجه كل من يحاول المساس بالفاشيست وفاشيتهم الدينية. يزداد العجب عندما تذهب القوى المنتشية بلقب العظمى إلى إمارة كان يمكن أن تكون إمارة خير بما تمتلكه من ثروة فتحولها إلى بؤرة تبث التخريب والتآمر فى محيطها وفى العالم وتحتضن القتلة الفاشيست. يستمرئ أمير الإمارة اللعبة القذرة فيسعى إلى مزيد من الخراب إرضاءً لأسياده ويضع أرضه وثروته وكل ما يملك أمام سادة الظلام صانعا المزيد والمزيد من الخراب لأجل أن يجلس فى بلاهة على عرش من الأشلاء والدم. لم تكتفِ القوى المنتشية بإطلاق البلهاء العابثين بمقدرات شعوبهم لكنها أطلقت المجانين أيضا فعلى ضفة البسفورتوجد حالة من الجنون المطبق لم يشاهد العالم مثيلا لها منذ ثلاثينيات وأربيعنيات القرن الماضى عندما قفز هتلر وموسيلينى إلى كراسى الحكم وأشعلوا العالم بالحروب وحصد جنونهم ملايين الضحايا دون ذنب جنوه سوى حظهم العاثر أنهم ولدوا فى زمن الجنون والمجانين. يقف على ضفة البسفورمجنون خطر صور له جنونه أنه عندما يتشبث بحذاء التاريخ سيجعل التاريخ يستدير إلى الوراء ليعيد له خلافة الدم، يقف وراء مجنون البسفور أمثاله من الفاشيست الإخوان يرقصون فى هوس مرضى، ظانين أن التاريخ يستجيب لجنونهم ولكن الحقيقة التى يتابعها العقلاء هى أن حركة التاريخ دائما إلى الأمام داهسا بحذائه أمثال هؤلاء المجانين. يمتلئ السجل المرضى للقوى المنتشية بوهم العظمة بعشرات المآسى التى صنعتها لتزيد من اضطراب العالم وعذاب الإنسانية، فلا تدهش عندما تجد فى هذا السجل حالة من الجنون المستعصى على الشفاء فالمنتشية تدعم حالة من الشيزوفرنيا الكارثية وتجد أنها أمر طبيعى بل على العكس فالأسوياء فى نظر المنتشية هم المرضى لأنهم لايرون فى هذه الشيزوفرنيا أو الفصام الواضح تماما شيء معتاد يجب عليهم التعامل معه بأريحية وسعادة. حالة الشيزوفرنيا تلك دشنتها القوى المنتشية منذ العام 1948 عندما دعمت اغتصاب أرض شعب مسالم كانت كل جريمته أنه يزرع شجيرات الزيتون ويستفبل الآخر، كل آخر، على أرضه فى تسامح دون تفرقة. حولت الآلة الدعائية الجبارة للقوى المنتشية المغتصبين القتلة إلى ضحايا، أما شعب الزيتون المسالم فوصمته بالإجرام لأنه فقط يريد أن يستمر فى الحياة ويزرع أرضه بشجيرات خضراء. لا تتوقف هذه القوى المنتشية عن ممارسة لعبة الجنون الخطر باسم المصالح ولا يهم هنا عدد الضحايا أو ما يخلفه هذا الجنون وراءه من خراب. يصل الجنون إلى ذروته عندما تطلق على القتلة مجاهدين وتحشد وراءهم الأموال والأسلحة ثم تتبرأ منهم وتسميهم إرهابيين ثم تعود مرة أخرى فى مكان آخر وتمنحهم لقب الثوار وتطلب من كل العالم دعمهم لأنهم يطالبون بحرية الخراب والقتل وعلينا أن نسير وراء القوى المنتشية بعظمتها المصابة بحالة اهتزاز عقلى ونفسى حاد إلى نهاية طريق الجنون فنجد أنفسنا فى متاهات الضياع. يرفض بالتأكيد العقلاء السير فى هذا الطريق الكارثى.. هنا تزداد حالة الاهتزاز العقلى والنفسى للقوى المنتشية وتتهم العقلاء بأنهم يقفون ضد الحرية وضد حق الشعوب فى الحياة.. لا نعلم أى شعوب تلك التى تطالب بحرية الخراب وحق قتل أنفسها. يأتى بعض المدلسين ويحاولون إخفاء وجه الجنون القبيح لهذه القوى بمساحيق السياسة وأدعاء الحكمة وإطلاق بالونات المصطلحات الفارغة لكن الحقيقة الجلية هذه ليست سياسة أو حكمة أو مصطلحات عميقة لا نستوعبها يا أيها المدلسين أنه الجنون يمارسه فى استمتاع دموى قوى تظن فى نفسها العظمة وأوصلها وهم القوة إلى حالة البارانويا الكاملة. نعود إلى أسئلتنا التى طرحناها فى أول هذه السطور ونضيف إليها سؤالا: ألا توجد أمة عاقلة تقف أمام هذا الجنون المطبق؟ توجد أجابة واضحة لا تقبل التأويل أنها الأمة المصرية ويحق لها أن توجه رسائلها إلى هؤلاء المجانين ليكفوا عن جنونهم بل من حقها وواجبها الإنسانى أن تواجه هذه الأمراض النفسية الخطرة التى سيطرت على عقول هذه القوى المنتشية. يحق للأمة المصرية بتاريخها وحاضرها أن تقوم بهذا الدور الإنسانى الفريد، فتاريخها هو تاريخ العقل والاتزان، فعلى مدار سبعة آلاف عام وقبل التاريخ ذاته ظلت سيرة العقل الإنسانى وتطوره مرتبطة بالحضارة المصرية المتسامحة العاملة على تقديم الخير للبشرية ويكفيها أن أعظم فكرة عاقلة أنتجها الإنسان لإدارة مجتمعه وهى الدولة اختراع مصرى خالص دون شريك. يقدم حاضر الأمة المصرية درسا لا يقل فى أهميته عن الدرس التاريخى فهى رفضت وأصرت بشجاعة ألا يسود الجنون وانتصرت للعقل يوم أن خرج الملايين من أبنائها فى ثورة ال30 من يونيو يستعيدون العقل للإنسانية من براثن حفنة من المجانين الفاشيست تدعمهم قوى تتخبط فى اضطرابها النفسى وتتملكها البارنويا. عندما تذهب الأمة المصرية إلى مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية، ممثلة فى زعيمها وفى مشهد فريد من المواجهة بين العقل المصرى المتزن الحكيم وهؤلاء الذين لا يكفون عن صناعة الاضطراب والجنون فى العالم. يسأل الرئيس عبد الفتاح السيسى من يمول الإرهاب؟ من يدعم الإرهابيين؟ من ينقلهم ويعطيهم الدعم السياسى والمالى؟ أمام هذه الأسئلة الصريحة يبدأ هذا العالم الذى أصيب بمس من الجنون الإفاقة من المس الذى أصابه. يذكر الرئيس هذا العالم ضعيف الذاكرة بتاريخ التسامح الأصيل فى الأمة المصرية أنه يذكر هذا العالم الذى يدعى التحضر بأن الأمة المصرية لا تعرف مصطلح لاجئين لا تعامل الإنسان إلا بوصفه إنسانا، فخمسة ملايين إنسان من كل الأمم عندما ضاقت بهم الأرض وفرت لهم مصر الملاذ دون أسوار ومعسكرات، ولا تجد فرقا بينهم وبين المصرى البسيط فى معيشته الموغل بعمق فى تسامحه. يواجههم زعيم الأمة المصرية بحقيقة يريد العالم المتخبط التغافل عنها والتهرب منها بأن هناك قضية شعب هو الشعب الفلسطينى، تسويتها هى أساس العدل ولا راحة لضمير العالم إلا بعودة الحق لأصحابه. إن كلمات الأمة المصرية التى قالها زعيمها فى ميونخ كانت أكبر من مواجهة وأعمق من التذكير، إنها رسالة من أمة عاقلة إلى عالم تسيطر عليه قوى تتتخبط فى الجنون منتشية بوهم القوة من أجل أن تستفيق وتعود إلى طربق العقل.•