كتبت فى الأسبوع الماضى مقالاً بعنوان «تغيير فقد مركزيته «ويلخص ماكتبته تأثيرات ثورة المعلومات والأتصالات على أهم القوى المتفاعلة معها سلبا وإيجابا وهى الشباب .. أوضح المقال الفارق بين التحولات الكبرى التى مرت بالحضارة الإنسانية وهذه الثورة المعلوماتية فكافة التحولات السابقة كانت مركزية فى حركتها عكس الآن فهناك مليارات المركزيات بعدد مستخدمى وسائل الثورة الرقمية. مجموعة صناعة المعرفة لم يعد الأمر حكرا على مجموعة تصنع المعرفة ونتقبلها صاغرين دون تدخل منا فكل مستخدم الآن يستطيع سلبا أوإيجابا المساهمة فى هذه الصناعة من خلال الويكبيديا أو اليوتيوب كأمثلة واضحة على أنتهاء مركزية التغيير . أنهيت ما كتبته بسؤال عن كيف نتعامل مع هذا التغيير الفاقد مركزيته والقوى الفاعلة فيه والمتفاعلة معه على رأسها الشباب ؟، أردت الإجابة على هذا السؤال بالتزامن مع انطلاق فعاليات المنتدى الدولى للشباب بشرم الشيخ يقدم المنتدى فى فكرته وتعامله مع القوى المؤثرة أو الشباب أطراً غير تقليدية فى هذا التعامل تناسب تحولاً غير تقليدى يمر بالإنسانية والأهم أنه يؤسس لما يمكن أن نطلق عليه «الدولية الشبابية المصرية». يبدو المصطلح ملتبسا للوهلة الأولى بسبب ارتباط القوى الفاعلة وهى الشباب ببعدين أولهما دولى وثانيهما محلى وهل المقصود منه أن الشباب المصرى يتجه إلى آفاق دولية فى حركته ؟ أم حصر حركة شباب العالم زمنيا وجغرافيا بمصر فى فترة تواجدهم بفعاليات المنتدى ؟. يزول الألتباس عن المصطلح عندما نتفهم دلالات كلمة «المصرية» فالمقصود منها ليس الجنسية بالأوراق الثبوتية أو الأنتماء الجغرافى «المصرية» هنا يقصد بها الأنتماء إلى مصر الفكرة وليس جنسية مصر الدولة. روح الأمة المصرية أستطاعت روح الأمة المصرية طوال تاريخها الممتد أن تتحرر من أطر الجغرافيا والزمن ويصبح لها رؤية وأسلوب فى التعامل مع ما حولها من قضايا إنسانية تطرح أو تفرض عليها. عندما تنظر الأمة المصرية كمثال لموضوع « الآخر «وكيف تتعامل معه ونقارن بين تعاملها هذا وما مر سابقا بالإنسانية وما نعيشه فى الحاضر نجد هناك خصائص لتلك «المصرية» تتفرد بها فى المجتمع الإنسانى.. عندما يتعامل المجتمع الإنسانى السوى مع «الآخر» يتعامل بمنطق القبول أو يلجأ الى تحجيم الدعاوى الشاذة التى تريد إقصاء «الآخر» بقوة القانون تأتى «المصرية» بتاريخها الممتد وحاضرها المتسارع متجاوزة منطق القبول وبالتأكيد لا تحتاج قانوناً لفرضه. الآخر تعطى «المصرية» للآخر القبول من الوهلة الأولى لأنها فى الحقيقة لا تعترف بهذا التصنيف فالكل عاش على هذه الأرض لم يسأل عن دينه أو عرقه أو لونه بل يسأل فقط عن مدى تناغمه مع محيطه وما يحققه من سلام للمجموع بعمله. يمكن مشاهدة التطبيق العملى لهذه الروح «المصرية» فى تعامل هذه الأمة مع ملايين اللاجئين الذين تدفقوا على مصر فى مراحل منذ بداية الألفية الحالية بسبب الصراعات التى نشبت فى منطقتنا.. هذا التطبيق يصعب ملاحظته لأمر بسيط لأن روح هذه الأمة لاتصنف القادم إليها على أساس الأحتياج أو تراه دخيل عليها فهى تتعامل معه وفق القواعد التى ذكرناها وهى مدى تناغمه مع محيطه وما يحققه من سلام للمجموع بعمله وتجد المصريين يصيغون فلسفتهم فى احتواء الأخر القادم أليهم بكلمات سهلة نراها معتادة ولكنها نتاج روح أمة قوية «سيبه ياكل عيش». يعطى المصرى للآخر القادم إليه بكلماته البسيطة تلك سر الحياة .. الحرية والخبز فيأمن ويعيش الآخر على أرض المصرى فى سلام. قبل اللاجئين أتت قوافل المهاجرين من كل الأمم الى هذه الأرض تطلب من هذه الروح المتفردة الحرية والخبز، أعطتهم ما أرادوا وفوق العطية كانت منحة التمصر فتحولوا الى روسل مبشرين بأسم « المصرية» فى شتى أنحاء العالم. فى فترات زمنية قد يأتى هذا الآخر ممتطيا الصراع يريد سلب المصرى حريته وخبزه ، يتوهم هذا الآخر المتصارع فى لحظة إنتصاره وهو يسير على هذه الأرض أنه تملكها لكن فى الحقيقة كلما سار تعرض للذوبان فى نيلها حتى يصبح جزء من مائه الذى يروى حقولها. حلم الإسكندرية يمكن سؤال الإسكندرية عن الإسكندر وحلمه أو سؤال الفاطمى المعز لدين الله كحالة فريدة ..فلأول مرة فى التاريخ تنتقل أمة غازية بكاملها الى أمة غزتها وتنشئ مركز حكم أو قاهرتنا التى نعيش فيها فكان المتوقع حسب قواعد التاريخ أن تفقد «المصرية» نفسها أمام قهر الغزو لكن الطريف ذاب الغازى فى هذه الأرض وانتعشت «المصرية» وأستمرت. الدولية الشبابية أعتقد بأن الألتباس الذى شاب مصطلح «الدولية الشبابية المصرية» قد زال الى حد بعيد لكن لماذا نستدعى الآن «المصرية» لكى نجعلها هى من تتعامل مع أكثر القوى تأثرا بالثورة الرقمية أى الشباب.. أضيف إلى مكونات « المصرية» بعد جديد خلال السنوات القليلة الماضية يتعلق بالحراك الذى شهدته الأمة المصرية وكان للشباب الدور الرئيسى فى هذا الحراك من خلال أحداث يناير وثورة 30 يونيو المجيدة فالإضافة هى وعى الأجيال الشابة بهذا الكنز الذى يمتلكونه واسمه « المصرية». الأجيال القادمة ففى يناير بدأ هذا الشباب أو الأجيال الرقمية تبحث عن هوية ثم مشروع تريد السير على هداه وبالفعل قادتها فطرتها الى مصريتها هذا الكنز الذى حاول المخطط الفاشى المتسربل بالدين والمدعوم خارجيا وداخليا طمسه.. تأكدت هذه الأجيال الرقمية أن صندوق الكنز بين يديها والصندوق يحوى قيم التسامح وقبول الآخر والانفتاح على العالم ونفى التعصب بكل أشكاله شرعت الأجيال الرقمية فى فك الطلاسم الحرام التى ألقاها الفاشيست على الكنز لكن عند هذه اللحظة الفارقة سرق الفاشيست بوصلة الطريق من أمام هذه الأجيال وأرادوا قيادتهم الى الهاوية. ثورة 30 يونيو.. واسترداد البوصلة جاءت ثورة 30 يونيو المجيدة لتسترد البوصلة المغتصبة من يد الفاشيست وتعطيها للأجيال الرقمية حتى يعودوا الى الطريق الصحيح الذى يقودهم الى مصلحة الأمة.. هذه كانت الخبرات الجديدة التى أضيفت الى «المصرية» والمتعلقة بكيفية أستخدام هذا الكنز الذى حاول الفاشيست طمسه والآن حانت لحظة أستخدام كنزنا أو مصريتنا لفائدة الإنسانية.. الأستخدام الدولى لمصريتنا وتفاعله مع القوة المؤثرة الشابة فى التحول الحادث الأن يطرح علينا سؤالاً هل نحن نتطفل أو نذهب لنستعلى بما عندنا على التحول الإنسانى ؟... تكشف لحظة التحول القلقة والتى تصل حد الأضطراب المارة بالبشرية وخاصة على مستوى القوى الشبابية أن مفهوم التطفل والاستعلاء غير موجودين بالمرة بل إن الإنسانية فى أمس الحاجة الى مكونات كنزنا من تسامح وقبول للآخر ونفى التعصب بل قد يصل الأمر الى حد التقصير فى حق المجتمع الإنسانى إذ لم نبادر بتصدير قيم «المصرية» الى الخارج.. يدفعنا أمر آخر الى الإسراع بهذا التصدير وهو فشل العديد من المشاريع الأيديولوجية فى احتواء القوى الشبابية أو الأجيال الرقمية وعلى رأس هذا الفشل يأتى ما يسمى بالإسلام السياسى والإسلام من هذا السياسى براء.. نحن الآن أمام لحظة تحول تاريخية فارقة تحتاجنا فيها الإنسانية بشدة ونحن نملك «المصرية» التى ستكون العلاج الناجح بعد كل الفشل الذى عانى منه العالم بسبب تبنى مشاريع أيديولوجية بوصلتها المصالح والهيمنة على الأجيال الرقمية دون تحقيق أى خير لها أو للإنسانية. معجزة الاطاحة بالفاشيست فى خلال أعوام قليلة صنعنا معجزة أطحنا بمخطط الفاشيست المدعوم بقوى الهيمنة والاستعمار وإستخدمنا كنزنا أو «المصرية» على المستوى المحلى بإنطلاق مؤتمرات الشباب ثم تجاوزنا المحلى لما هو دولى من خلال المنتدى الدولى للشباب.. يبقى أن نعلن بوضوح للعالم والإنسانية أن زمن المخططات الأيديولوجية الفاشلة قد ولى، وأن الأمة المصرية ذات الروح المتفردة ستوفر للإنسانية الطمأنينة وللأجيال الرقمية الشابة هدف بناء وتسامح وقبول للآخر ونفى التعصب عن طريق منظومة «الدولية الشبابية المصرية».