عندما تطرأ أزمة ما فى حياتنا الشخصية يوجد طريقان للتعامل مع هذه الأزمة، الأول يسلكه المترددون والثانى يتخذه الفاعلون. طريق المترددين علاماته دورانية لا يتجهون إلى صلب الأزمة بل يلتفون حولها، بمرور الوقت تأخذهم دوامات الالتفاف حتى يختنقوا بأزمتهم وينتهوا. طبيعة أزمة العالم طريق الفاعلين علاماته فى اتجاه واحد تشير إلى قلب الأزمة، فيتم تقدير طبيعتها ومعرفة أسبابها ثم حجمها وبعدها أساليب التعامل معها ثم فى النهاية تبدأ خطوات الحل حتى تنقشع. يمر العالم حاليا بأزمة كما تطرأ الأزمات فى حياتنا الشخصية، طبيعة أزمة العالم الحالية أنها ليست جديدة بل تعتبر كامنة ولها تاريخ وتفرض نفسها عندما تتهيأ الظروف فتخرج علينا تعقيداتها.. حجم أزمة العالم الحالية بحجم العالم، ذاته لأنها متوغلة فى جميع الأمم التى يتكون منها مجتمعنا البشرى، تحتاج هذه الأزمة المتجددة مزيدا من توصيف الأجواء التى أدت إلى ظهورها الآن والأهم معرفة أسباب الظهور. لايمكن الحديث عن شيء مجهول دون اسم، عندما نبحث عن الاسم المفقود يطرح علينا التاريخ اسما كلاسيكيا يحتفظ به فى دفاتره «صراع الأجيال» لو بحثنا بعيدا عن التاريخ فستتوالى الأسماء ولكن قلب الأزمة الشباب ولايعنى ذلك أن الشباب هو موضوع الأزمة بل الموضوع هو التعامل معه على كل المستويات الاجتماعى والثقافى والاقتصادى وبالتأكيد السياسى. العالم فى لحظة فارقة يقودنا توصيف الأزمة أن نبدأ من الخارج الدولى إلى الداخل المصرى يمر العالم اليوم بلحظة فارقة، فنحن أمام تطور تكنولوجى مهول وأحد تجلياته تنعكس على حياتنا اليومية فى كل دقيقة بالوسائل التى وفرتها ثورة المعلومات. أنتجت هذه الثورة مصطلحات من نوعية «المواطن الرقمي» وهى الأجيال التى ولدت عقب ظهور شبكة المعلومات ومصطلحا آخر «المواطن المرتحل» وهى الأجيال التى ولدت قبل تمكن ثورة المعلومات من حياتنا اليومية ولكن هذه الأجيال تتعامل معها حاليا. صنع المواطن الرقمى بتفاعله مع ما أتيح له من ثورة المعلومات عالما حقيقيا بالنسبة له وليس افتراضيا كما يصفه المواطنون المرتحلون والأدق أن هذا العالم المصنوع نسبى فى حقيقته وافتراضيته.. يبقى العالم افتراضيا طالما يتحرك على شاشات الموبايلات وتتجول أفكاره بين مواقع السوشيال ميديا ولكن هناك لحظة تفاعل لهذه الأفكار سواء الجيدة أم الرديئة منها. يعقب التفاعل حشد فيهبط الافتراضى الى أرض الواقع ويخرج علينا البشر غير المرئيين من خلف الشاشات إلى الشوارع والحارات فى تحرك جماهيرى تمت إدارته بالكامل داخل عالم نصفه بسذاجة أنه أفتراضى ولا نكتفى بوصفناالساذج بل نغلف وصفنا بسخرية وعنجهية. نلتقط شريحة دقيقة من هذا العالم الممتد والمسيطر حاليا على واقع حياتنا اليومية سواء بافتراضيته أو حقيقيته، الشريحة الملتقطة خاصة بالأفكار المتداولة والتى تصنع التفاعل ثم الحشد. الأفكار المتطرفة تتسم هذه الأفكار بالحدية ولا تعرف الوسط، فهى تصل فى حديتها إلى درجة التطرف سواء السياسى أو الدينى أو الاجتماعى وتحول حساب المواطن الرقمى على وسائل السوشيال ميديا المتعددة إلى قلعة حصينة منغلقة على أفكاره ويقذف من وراء أسوارها طروحاته على ملايين القلاع الأخرى أو الحسابات. يؤدى هذا الانعزال الناتج عن طبيعة التكنولوجيا الموجودة وليس اختيارا من مستخدمها إلى أزدياد حدة تطرف هذه الأفكار، وفى نفس الوقت هذا الانعزال يتحول فجأة الى حالة من الاتصال ثم التجمع حول فكرة خرجت بشكل عفوى أو متعمد من بين مليارات القلاع المتزاحمة على وسائل السوشيال ميديا وهنا يبدأ الحشد ثم التحول من الافتراضى إلى الواقعى . القلاع المنعزلة تحتاج اللحظة السحرية التى يتم فيها الاتصال بين مليارات القلاع المنعزلة ويعقبها خطوات التحول إلى دراسات معمقة لا تتسع لها المساحة الحالية ويجب ألا نرجعها فقط إلى الحل السهل وهو نظرية المؤامرة. الأهم أن نواة هذا الاتصال والتحول وهى الفكرة يكسوها فى الأغلب منهج التطرف فى مستوياته المتعددة سياسى ، دينى وغيره لأن الأفكار الطبيعية لا تجذب المواطنين الرقميين ولا تشجعهم على الخروج من الانعزال. تتسبب هذه الحالة من تجسيد الافتراضى إلى الواقعى وخروجه بشكل مؤثر إلى الشارع صدمة فى أجيال المواطنين المرتحلين وهم فى الأغلب أصحاب السلطة السياسية والنفوذ الاجتماعى. يشمل واقع الصدمة العالم بأسره ولا يقتصر على أمة بعينها وذلك لأن تكنولوجيا المعلومات المسيطرة من نتاج العولمة وحتى حاجز اللغة سقط أمام هذا الطوفان إما بسيطرة اللغة الإنجليزية لغة العولمة أو بظهور نحت لغوى جديد ابتكره المواطن الرقمى ويتشارك فيه مع أقرانه. تلك هى لحظة العالم الآن على المستوى الدولى بالانتقال إلى المستوى الداخلى المصرى نجد أن طبيعة مجتمعنا لغلبة الشرائح العمرية الشابة على التركيبة السكانية سرعت بحدوث التماس بين ما هو دولى ومحلى بالإضافة لحدوث حراك اجتماعى بلغت ذروته بقيام ثورة ال 30 من يونيو. تعطى الحالة المصرية نموذجا خاصا وسط هذا الخضم العولمى يتعلق بالدولة المصرية العريقة فلحظة التماس حدثت مع انتهاء فاعلية صورة من صور الدولة المصرية والمقصود هنا دولة محمد على التى تأسس ظهورها فى القرن التاسع عشر فى العام 1805 ونعتقد أنها أدت ما عليها سواء ما قدمته من إنجازات للأمة وما وقعت فيه من إخفاقات وبطوريها الملكى والجمهورى حتى استنفدت طاقتها بالكامل فى ال 30 من يونيو بدأت تتشكل صورة جديدة من صور الدولة المصرية بزخم جماهير يونيو والقيادة السياسية الحالية والحقيقة أن الملامح الأولى لصورة الدولة المصرية الجديدة بدأت تخرج للنور. الذكاء المصرى المتوارث رغم البدايات فإن الذكاء المتوارث فى الدولة المصرية جعلها تتخطى البدايات متخذة طريق الفاعلين وتشتبك سريعا مع ما حولها من أحداث بل وتقدم أطروحات لحل أزمة العالم الممثلة فى كيفية التعامل مع أجيال من المواطنين الرقميين تفرض وجودها الآن وينسحب أمامها أجيال من المرتحلين. الطرح الذى قدمته الدولة المصرية لتدخل إلى معترك حل أزمة الأجيال تمثل فى «منتدى شباب العالم» فكرة تبدو بسيطة ولكن قوتها فى بساطتها لأنها تدخل فى عين حل الأزمة . استطاعت الدولة المصرية الجديدة بموروثها الغنى فى الاتصال بالعالم والهوية المصرية التى تتقبل الآخر وتعطى حالة من الكزموبالتان برعت فيها الشخصية المصرية على مدار تاريخها الدخول على العالم الحائر فى أزمته وتقديم أطروحتها فى كيفية الحل والتعامل مع الأجيال الرقمية الجديدة من خلال المنتدى لايطالب أحد هذا المنتدى فى إطلالته الأولى تقديم حل نهائى وناجز لأزمة تشغل بحجمها وعمقها المجتمع البشرى بجميع تنوعاته، لكن المطلوب أن تتحول فكرة المنتدى إلى حركة إصلاحية عالمية تقودها الأمة المصرية تحقق تغييرا مؤثرا يعطى للأجيال القادمة الحق فى الظهور وإثبات الذات وامتلاك حق اتخاذ القرار بعيدا عن الانعزالية واشتهاء التطرف بستوياته المتعددة. مخزن التسامح الإنسانى ليست شيفونية عندما نقول أن الأمة المصرية هى الأجدر لقيادة هذه الحركة الإصلاحية العالمية فهى مخزن التسامح الإنسانى وقبول الآخر وصاحبة الفضل على البشرية بفكرة الدولة التى تحفظ استمرار الجنس البشرى خاصة وأن حراك الأجيال الرقمية على مستوى العالم بعمد أو جهالة يسيطر عليه هدف إزاحة الدولة من طريقهم. تعتبر هذه الأجيال أن وجود الدولة هو العائق الوحيد فى طريق تحقيق عالمهم المثالى ولا يدركون بنفس العمد أو الجهالة أن إزالة الدولة تعنى نزع العقل من رأس المجتمع البشرى مما يحوله إلى مجتمع فوضوى مجنون عبثى ولا نظن أن مجتمعا بهذه الصفات يكون مجتمعا مثاليا لحياة الإنسان. نعم مصر تستطيع قيادة العالم للخروج من أزمته للأسباب التى ذكرناها، ولكن كيف تظهر الحركة الإصلاحية العالمية إلى النور؟ تستلزم الإجابة عملا ضخما وشاقا وقبل العمل نقاش نطرحه فى حديث آخر.•