صاحب شركة سياحية.. أو محامٍ له مكتب أنيق بوسط البلد، أو صاحب مكتب علاقات عامة.. هؤلاء هم المافيا الجدد، لبيع وتهريب الآثار فى مصر بعض هؤلاء ينتمون لعائلات كانت معروفة بتجارة الآثار قبل أن تجرم قانونا، وبعضهم تجار جدد ظهروا مع ثورة 25 يناير، تربطهم شبكة علاقات، بأشخاص وجهات بعينها.
وتكشف الخريطة التالية أماكن تجارة الآثار، والتغيرات التى طرأت عليها، واللصوص الجدد يرسم أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، مختار الكسبانى، «خريطة لأماكن التنقيب عن الآثار والإتجار فيها بالصعيد، هى سوهاج وجرجا والواحات»، بالإضافة إلى منطقتى ناهيا وكرداسة. ويربط الكسبانى بين هذه الأماكن وبين من يسكنها من الجماعات الإرهابية، الذين يبيحون الإتجار فى الآثار لتمويل عملياتهم الإرهابية، كما أن بعضهم يعمل كوسيط لمصلحة مافيا دولية فى أوروبا، هى التى تمول أعمال البحث والحفر خلسة عن الآثار، لتهريبها للخارج. ويكمل: هناك مجموعات من غير المحترفين فى الإتجار فى الآثار، ظهرت خلال 15 يناير، واستخدموا وسائل للحفر والتنقيب، لا يستخدمها المحترفون، كالحفر بأدوات حادة وعملاقة، كما حدث فى عزبة الوالدة والمنيا ومتحف ملوى، مواكبة لفتاوى لبعض شيوخ الإرهاب والتطرف. ويكمل الخريطة محمود خليل، مدير عام إدارة الحيازة بوزارة الآثار، مضيفًا: مناطق أخرى للحفر خلسة فى أشهر مناطق الآثار، كسقارة وميت رهينة، والأقصر، وملوى، والفسطاط، والقنطرة شرق، وبيع تلك القطع وتهريبها عبر دروب الصحراء. يوضح محمود أن هوس التنقيب عن الآثار والحفر خلسة ازداد كثيرًا فى السنوات الأخيرة وإلى الآن، بسبب زيادة معدلات الفقر، والرغبة فى الثراء السريع، وهذا ما أدى فى رأى محمود إلى انتشار الإتجار فى الآثار المزورة «%90 من نسبة مضبوطات الآثار، تكون آثارًا مزيفة وغير حقيقية». يرجع محمود سرقات الآثار فى الماضى القريب، إلى قلة عدد مخازن المتاحف، وضعف التواجد الأمنى بالمناطق الأثرية، كما حدث فى منطقة تل الفراعين التى هجم عليها اللصوص، أثناء ثورة 25 يناير، مستخدمين الأسلحة النارية، وسرق منها 1369 قطعة، «واستطعنا أن نعيد أغلبها خلال تهريبها». تجارة كانت مشروعة «خروج الآثار من مصر كان له قوانين تنظمه، فى 1951 أصدرت الحكومة المصرية قانون 215، وهو أول قانون حاولت به تقنين بيع وشراء الآثار، التى كانت مشروعة وقتها، بشرط أن تكون داخل مصر، وتبلغ مكتب تجارة العاديات بهيئة الآثار، ليسجل القطع المباعة، وتسليم المشترى شهادة بيع موثقة». يقول على ضاحى، مفتش آثار بإدارة التوثيق الأثرى، والذى شغل منصب مدير عام المقتنيات الأثرية من قبل: إن تجارة الآثار كانت مباحة فى الماضى، حتى عام 1970 عندما وقعت مصر على اتفاقية اليونسكو، بشأن حظر الإتجار فى الممتلكات الثقافية. قبل الاتفاقية كانت تجارة الآثار مشروعة وتأخذ القطع المباعة خارج مصر، شهادة تصدير من المتحف المصرى، وكان فى مصر مهنة معروفة لتجارة الآثار، التى كانت تمارس فى محلات خان الخليلى، وبازارات الأقصر، وشارع الهرم. وقبل هذا كان محمد على باشا قد أصدر فرمانا عام 1835 ينظم التعامل فى الحفائر، وبيع وشراء الآثار، تحت نظر الحكومة، وصدر بعده عدة فرمانات فى عهد سعيد ثم فى عهد الخديو إسماعيل باشا، وبعدها فى عهد الخديو توفيق، كلها فرمانات صدرت لتنظيم أعمال الحفائر. كانت أسرة محمد على قد لاحظت خروج أعداد كبيرة من الآثار، يأخذها الفرنسيون والإنجليز إلى خارج مصر، وفى بدايات القرن العشرين أنشئت فى مصر لجنة حفظ الآثار العربية، لتسجل كل الآثار الموجودة فى مصر، وأنشئ المتحف المصرى فى باب اللوق ، ثم نقل إلى التحرير فى مكانه الحالى، كما أنشئ المتحف الإسلامى. عائلات تجارة الآثار يتوقف محمود خليل عند عام 1983 الذى صدر به قانون 117 الذى حظر الإتجار نهائيا فى الآثار داخل مصر وخارجها، وكان تجار الآثار يميزون القطع الأثرية الحقيقية من تلك المزيفة، ولدى الكثير منهم خبرة واسعة فى هذا المجال إلى الآن. بعد صدور القانون أعطى هؤلاء التجار فرصة سنة، لتوفيق أوضاعهم، إما ببيع الآثار أو تسليمها لوزارة الآثار، أو الاحتفاظ بها دون بيعها، لتسرى عليهم الأحكام المتعلقة بحيازة الآثار، وتسجل الهيئة ما لديهم من قطع، وتتابعها كل ستة شهور. من هؤلاء التجار، عائلات زكى محارب، وعبد الرسول، والشاعر، وخطاب، وحسانى عبدالجليل، الذين امتلكوا آلاف القطع الأثرية، منهم عائلة زكى محارب، ومنهم عائلة زكى محارب التى كانت تمتلك وحدها 32 ألف قطعة آثار، والتى ظلت تتاجر فى الآثار بالمخالفة للقانون حتى 1994، حين ضبطوا فى قضية بيع كبرى، كما يقول محمود خليل. وعائلة الشاعر التى ألقى القبض على أحد أبنائها فى قضية الآثار الكبرى، سنة 2005 وهو يهرب ويبيع قطع أثرية لسائحين، مما يعنى أن بعض عائلات تجارة الآثار، لاتزال تعمل فى هذا المجال حتى الآن. ومن هؤلاء أحد أفراد عائلة السويسى، أمين سياسات الحزب الوطنى المنحل، الذى قبض عليه وهو يتاجر بالآثار فى 2002 ويقضى عقوبة 22 عامًا فى السجن الآن. بعض هؤلاء التجار القدامى، أصحاب حيازات من الآثار، بحسب قانون سنة 83، وبلغ عددهم وقت صدور القانون 107 حائزين، لنحو 80 ألف قطعة أثرية، أهدى بعضهم 70 ألفًا منها للمجلس الأعلى للآثار. يتبقى من هؤلاء الآن 32 حائزًا، لديهم 10 آلاف قطعة أثرية، لكن جريمة تبديد هذه القطع مازالت ضعيفة، وتبدأ بغرامة 500 جنيه، وحتى 100 ألف جنيه، ولابد من تغليظ العقوبة. كما أن قانون الآثار يجرم الحفر خلسة، ويعتبره جناية، لكن هناك مشروعًا لتغليظ العقوبة وزيادة الغرامة مقدم لمجلس النواب من 2015، ولم يناقش حتى الآن. استعادة آثارنا يقول شعبان عبدالجواد مدير عام الإدارة العامة للآثار المستردة: هناك العديد من الآثار التى نجحت الإدارة فى استردادها من الخارج، منذ نشأت الإدارة فى 2002، التى يصل عددها إلى 7 آلاف قطعة، استطعنا أن نعيدها عن طريق الشهادات التى كانت تصدرها الحكومة للآثار المباعة، وعن طريق متابعة أشهر صالات المزادات فى لندن وفى بعض المحلات فى الإمارات». من أهم القطع المستردة عادت 510 قطع فى 2016، منها تابوتان مهمان سرقا خلال 25 يناير، تم استردادهما من إسرائيل، لتكون المرة الثانية التى تسترد فيها قطع من إسرائيل بعد كامب ديفيد، وكانت الأولى فى 1994 لاسترداد قطع أثرية أخذتها إسرائيل خلال احتلالها سيناء. و3 مشكاوات سُرقت من متحف الحضارة، استرد منها اثنان من الإمارات وواحدة من إنجلترا. بالإضافة إلى 10 قطع من أمريكا، و45 من فرنسا، و44 من سويسرا، و340 قطعة من الأردن، وقطعة واحدة من المكسيك. • من أهدوا مقتنياتهم الأثرية للمتاحف يرصد د. محمد حسام الدين إسماعيل، أستاذ الآثار بجامعة عين شمس، عددًا من هواة الآثار الذين كانوا يقتنونها قبل منع الإتجار بها، وأثروا بها المتاحف المصرية، ومنهم: على باشا إبراهيم، أول عميد لقصر العينى، الذى كان يهوى جمع الأنواع المختلفة من الخزف الإسلامى، وخاصة ذا البريق المعدنى المشهور فى العصر الفاطمى، ومجموعات من السجاد، وسجاجيد الصلاة التركية، التى أهدها للمتحف الإسلامى فى أربعينيات القرن العشرين، كما أهدى أولاده باقى ما كان يملكه والدهم من تحف، لتكون متحف كلية الآثار بجامعة القاهرة. هنرى أمين عوض، الذى كان يهوى اقتناء الأدوات الطبية والمنسوجات القديمة، وأهداها للمتحف الإسلامى. هيرارى، الذى كان يهوى اقتناء المعادن، وأهداها لمتحف الفن الحديث. حسن باشا صبرى، الذى كان يقتنى مجموعة من السجاد واللوحات الفنية التى تعود للعصور المختلفة، وأهدها لمتحف الجزيرة. الأمير محمد على توفيق، الذى تحول قصره إلى متحف، من كثرة الكنوز الأثرية التى كان يحتويها، من مصر والعالم، وأهدى قصره كله للدولة. •