قرار إنتاج فيلم سينمائى قرار فى يد منتج . فى الخارج هذا المنتج لو لم يحتكم على قرش، وصادفه فيلم جيد. يستطيع بسهولة تامة أن يبحث عن تمويل لإنتاج الفيلم، فى الخارج الإنتاج عملية لا صلة لها بالمال. فى مصر العكس صحيح، صناعة السينما حكر على مجموعة من الأفراد، والكبار قلائل، كل عام ننتظر أعمالهم من حين لآخر نشهد محاولات سينمائية فردية، محاولات تظهر وتحقق نجاحًا. مولانا.. تجربة سينمائية نجحت فى تحقيق جماهيرية واسعة بدأت قصتها مع المنتج محمد العدل والمخرج مجدى أحمد علي. اجتمعا معا على فكرة الفيلم، الدافع وراء رحلة البحث عن منتج، فى الطريق التقيا رجل الأعمال نجيب ساويرس الذى اقتنع هو الآخر بفكرة الفيلم، فقرر إنتاجه. استثناء أثبت عكس السائد الذى أثبت أن المنتج هو الممول، استثناء أثبت أن صناعة أى فيلم مصرى قرار لا تمويل، قرار يتخذه صناعه مثل أى قرار يتخذونه بِشأن صناعة السينما المصرية، قرار قد يكون إيجابيًا، وقد يكون سلبيًا. دعم.. إنتاج .. أى فيلم سينمائى عادة تبدأ رحلته من منتج، يرغب بحب فى تقديم عمل سينمائى جيد، وليس شرطًا أن يكون فيلمًا جماهيريًا، للأسف هذه النوعية من المنتجين فى طريقها نحو الاندثار، لذلك فالإنتاج فى مصر فى مأزق. البعض يرى أن على الدولة أن تتدخل، وهنا يوضح المخرج سمير سيف طبيعة تدخل الدولة مؤكدًا: «دور الدولة ليس مقتصرًا فقط على الإنتاج، وإنما هناك جزء أهم وهو الدعم سواء المادى أو اللوجيستي، من خلال دعم المنتجين المحبين للسينما الذين ليس لديهم القدرة على المنافسة فى الوقت الراهن، من خلال توفير آليات تضمن تنفيذ الدعم ووصوله إلى مستحقيه لتقديم سينما جيدة». السينما فن وصناعة وتجارة.. فى الماضى كانت صناعة السينما تشهد إنتاج العديد من الأفلام، كان الفيلم عبارة عن منتج تجارى وكان المنتج تاجرًا، كانت السينما فنًا وصناعة وتجارة، فى الماضى كانت الأفلام تستعيد تكلفتها الإنتاجية من خلال شباك التذاكر، أما التوزيع الخارجى فقد كان يساهم فى تحقيق جزء كبير من التكلفة. كان المنتجون يعتمدون على بيع حق العرض، من جانبه أكد المنتج محمد مختار: «مبدئيًا الدولة لديها مطلق الحرية فى اتخاذ قرار الإنتاج، ففى الماضى كان الإنتاج السينمائى غزيرًا وكانت المكاسب بالآلاف، وكانت الخسائر معقولة، أما اليوم فالإنتاج أصبح بحاجة إلى الملايين، فالفيلم إذا حقق نجاحًا حصد ملايين الجنيهات، وإذا فشل خسر ملايين الجنيهات أيضًا، مما جعل الإنتاج مهمة فى غاية الصعوبة «مغامرة»، لا يقدم عليها سوى بعض الأسماء الكبرى المعروفة». بيع النيجاتيف.. منذ عام 2000 اتخذ صناع السينما المصرية قرارًا آخر وهو تحول البيع إلى بيع نيجاتيف، فأصبح الفيلم السينمائى تنقطع صلته بمنتجه وصناعه بمجرد بيعه، وهنا يقول نائب رئيس غرفة صناعة السينما شريف مندور: «مرة واحدة فقط يحصل أحد الزبائن على الفيلم، فتتوقف رحلته بعدما كان الفيلم الواحد يتم بيعه حق مشفر، حق فيديو، حق طيران، وهكذا وفى النهاية الفيلم فيلمنا. الجدير بالذكر أن عُمْر عقد بيع حق العرض لم يتجاوز على الإطلاق الخمس سنوات ليعاود من جديد أحد أشهر الزبائن فى تجديد العقد، ما حدث ما هو إلا استسهال أصاب صناعة السينما فى مقتل، جشع منتج قرر أن يحصد ماله الذى أنفقه فى بناء عمارة بزيادة معقولة دفع بصناعة السينما نحو حافة الهاوية». ذوق عام.. بلا إرادة تحول ذوق المنتج إلى ذوق زبائنه، حتى أصبح كثير من المنتجين فى مصر كانوا يبحثون عن أفضل الأفلام لإنتاجها، والتاريخ شاهد على ما أقول، يسلكون مجرى آخر فى الإنتاج، وهنا يعلق المنتج والمخرج شريف مندور: «بالبحث والتريث نكتشف أن الذوق العام لم يعد ذوق جمهور أو قائمين على صناعة، وإنما ذوق زبائن، لديهم المال الذى أصبح يتحكم فى عملية الصناعة بشكل قاسٍ، ذوق عام نجح فى إحباط محاولات البعض فى النهوض بالذوق العام، إلا بعض المحاولات مازالت على موقفها، تبحث وتتأمل أى فيلم جيد. التوزيع الخارجي.. أزمة حقيقية أسبابها عديدة، أشهرها العائد الداخلى الذى لم يعد يغطى تكلفة الفيلم الإنتاجية، ليصبح لا مفر من التوزيع الخارجي، ففى الداخل أجور نجوم فى الزيادة وتذاكر سينما فى الزيادة، كهرباء ومياه فواتيرها تتضاعف ويتضاعف معها أجور عمال وهكذا، متاهة لا نهاية لها. على الصعيد الآخر لا يزال المشترى مصرا على اسم نجم محدد، كان أجره فى السابق على سبيل المثال 500 ألف جنيه، ولكن اليوم أجره أصبح مليون جنيه، وما على النجم ملام، فالإيرادات هى الفيصل بين كل منه والمنتج والموزع، الزيادة فى استمرارية، والمنتج لا مفر أمامه من التعاقد مع هذا النجم، حتى يتمكن من استرداد أمواله وإنتاج فيلم ثان وثالث، هنا يقول الفنان شريف مندور: «مغامرة غير مضمونة يخوضها القائمون على صناعة السينما، أسرار وخبايا لا يدركها ويعانيها سوى أهل الصناعة، خاصة فى ظل ما تشهده عملية عودة رأس المال من تدهور ملحوظ، ما ترتب عليه قلة الإنتاج التى نشكو منها كل ثانية. •