خالد أبو بكر: «الدولار في النازل» والعجلة بدأت تدور    جهود «التضامن» في سيناء.. أكثر من 3 مليارات جنيه مساعدات للأسر الأولى بالرعاية    ارتفاع أسعار النفط 1% بعد قراءة بيانات نمو الاقتصاد الأمريكي    البنتاجون: الولايات المتحدة بدأت بناء رصيف بحري في غزة    عودة الشحات وإمام عاشور.. قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    حمادة أنور ل«المصري اليوم»: «الزمالك قادر على تحقيق نتيجة إيجابية أمام دريمز»    تعرف على موعد سقوط الأمطار والسيول هذا الأسبوع.. هل يعود الشتاء؟    وصول سيد رجب ورانيا يوسف لحفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    «السبكي»: جاهزون للمرحلة الثانية من التأمين الصحي.. وقدمنا 40 مليون خدمة بجودة عالمية    التنمية المحلية تزف بشرى سارة لأصحاب طلبات التصالح على مخالفات البناء    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    «ترشيدًا للكهرباء».. خطاب من وزارة الشباب ل اتحاد الكرة بشأن مباريات الدوري الممتاز    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي.. اليونان لن ترسل أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا    جمال شقرة: سيناء مستهدفة منذ 7 آلاف سنة وبوابة كل الغزوات عبر التاريخ    أحمد عبد الوهاب يستعرض كواليس دوره في مسلسل الحشاشين مع منى الشاذلى غداً    محمد الباز: لا أقبل بتوجيه الشتائم للصحفيين أثناء جنازات المشاهير    عبد العزيز مخيون عن صلاح السعدني بعد رحيله : «أخلاقه كانت نادرة الوجود»    دعاء قبل صلاة الفجر يوم الجمعة.. اغتنم ساعاته من بداية الليل    بيان مهم للقوات المسلحة المغربية بشأن مركب هجرة غير شرعية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على مواقيت الصلاة غدًا في محافظات الجمهورية    هل الشمام يهيج القولون؟    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    العثور على جثة مسن طافية على مياه النيل في المنصورة    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    مدرب يد الزمالك يوجه رسائل تحفيزية للاعبين قبل مواجهة أمل سكيكدة الجزائري    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    وزير الرياضة يشهد انطلاق مهرجان أنسومينا للألعاب الإلكترونية    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    الرئيس السيسي: خضنا حربا شرسة ضد الإرهاب وكفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينما المصرية التاريخ، المشكلات، الحلول
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 11 - 2015


1
هنا، من الإسكندرية، كانت البداية، حيث تم إقامة أول عرض سينمائي تقريباً في المنطقة في يوم الخميس الخامس من نوفمبر عام 1896 في بورصة طوسون بهذه المدينة أي منذ حوالي مائة وعشرين سنة تقريباً .. وذلك بعد العرض الأول في العالم الذي تم في باريس في الثامن والعشرين من ديسمبر عام 1895، وأقامه الأخوان لوميير في الصالون الهندي بالمقهي الكبير (جران كافيه) في 14 شارع كابوسين، وهوالتاريخ الذي اعتمد رسمياً في العالم لتحديد ميلاد الفن السابع ..
في يناير 1897 تم افتتاح أول دار عرض سينمائي بمصر، بمدينة الإسكندرية بشارع محطة مصر باسم " سينما توجراف لوميير " وهو ذات الاسم لدار العرض التي افتتحت في مدينة القاهرة في 3 ابريل من نفس العام .
حظيت مصر باهتمام دار لوميير بفرنسا، والتي ارسلت موفداً منها لتصوير عدد من الأفلام بها وكان أولها هو" ميدان القنصل ( ميدان محمد علي ) بالإسكندرية أيضاً .. ثم توالي تصوير الأفلام من خلال شركات أجنبية وكذا افتتاح عدد من دور العرض في أكثر من مدينة مصرية مثل بورسعيد والمنصورة وغيرها ليأتي عام 1907 ليقوم محل "عزيز ودوريس" بالإسكندرية بتصوير زيارة الجناب العالي للمعهد العلمي في مسجد سيدي أبي العباس وعرضها في معرض الصور المتحركة " سينمافون عزيز ودوريس " في 20 يونيو1907 ويمكن اعتبار هذا التاريخ بداية تاريخ الإنتاج السينمائي المصري، حيث إن الفيلم قد انتج من خلال شركة مصرية وبأموال مصرية، وصنع في مصر ويُعد بهذا " أول فيلم مصري " .
في عام 1923 تم عرض أول فيلم مصري روائي طويل إخراج ڤيكتور روسيتوالمحامي بعنوان " في بلاد توت عنخ آمون " وقام بتصويره الفنان المصري محمد بيومي. وفي عام 1925 أنشأ الاقتصادي المصري الكبير طلعت حرب مؤسس بنك مصر وشركاته، قسماً للسينما، تابعاً لشركة إعلانات مصر تحت اسم " مصر فيلم " وعمل به محمد بيومي الذي اشتري منه البنك المعدات الخاصة باستوديو محمد بيومي الذي كان قد أنشأه قبل ذلك .
وفي ذات العام صدر المرسوم الملكي بتأليف " شركة مصر للتياترو والسينما" شركة مساهمة مصرية، إحدي شركات بنك مصر .. وكان هدف الشركة، العمل في مجال السينما والمسرح والأفلام وعمل الأشرطة السينمائية سواء لحسابها أو لحساب الغير، وبعدها تم إنشاء معمل للسينما استعانت به شركات السينما التالية .
في السنوات اللاحقة تم عرض عدد من الأفلام الروائية الطويلة الصامتة حتي كان أول فيلم مصري ناطق وهو" أولاد الذوات " إخراج محمد كريم وتلاه أول فيلم روائي طويل غنائي وهو" أنشودة الفؤاد " إخراج ماريو فولبي غناء المطربة نادرة وكتب أغانيه الشاعر الكبير خليل مطران.
في عام 1934 تم وضع حجر الأساس لاستوديو مصر تابعاً لشركة مصر للتمثيل والسينما احدي شركات بنك مصر، وبدأ العمل به في عام 1935 .. وقدم خلال الفترة من 1935 وحتي 1939 عدداً من الأعمال السينمائية الهامة في تاريخ السينما من بينها "وداد" إخراج فريتز كرامب الذي أخرج فيلم "لاشين"، و"سلامة في خير "لنيازي مصطفي و"العزيمة" لكمال سليم وغيرها ..
إلي جوار ستوديومصر، أنشئت العديد من الاستوديوهات لتكتمل البنية التحتية للسينما المصرية التي بدأت تعاني، رغم ذلك من تبعات الحرب العالمية الثانية التي اثرت بشكل مباشر علي الإنتاج واختفاء الفيلم الخام وتقلص عدد الأفلام التي تم عرضها في عام 1943 إلي 15 فيلماً بعد أن وصلت إلي 22 فيلماً في العام السابق 1942 ثم قفز إلي 42 فيلماً في عام 1945 وهو رقم يحدث لأول مرة في تاريخ السينما المصرية وقفز عدد شركات الإنتاج ليتجاوز المائة شركة بعضها لم تكن السينما من اهتماماته، ويفسر ذلك سبب زيادة الإنتاج لدخول فئة جديدة من المنتجين التجار أثناء الحرب إلي سوق الإنتاج السينمائي بالإضافة إلي اتجار بعضهم في الفيلم الخام دون مشاركة حقيقية في الإنتاج، وهوالسبب في وصول الإنتاج في عام 1946 إلي 52 فيلماً لدخول كثير من المغامرين ميدان الإنتاج السينمائي، ليصل من خلال هؤلاء إلي 55 فيلماً في عام 1947 ثم يتراجع بعد ذلك إلي 44 فيلماً ثم يرتفع المعدل عاماً بعد آخر ليصل في عام 1952، عام ثورة يوليو إلي 59 فيلماً .. ليواصل ارتفاعه ليصل في عام 1954 إلي 66 فيلماً ..
2
فيما قبل ثورة 23 يوليو1952، كان تجار السينما منشغلين بالتربح والكسب السريع وكانوا يمارسون دورهم التاريخي في تغييب الواقع وتزييف الوعي من خلال أعمال تتسم بالتفاهة والارتجال، غارقة في الميلودراما أو الفارس الهزيل تاركين هامشاً محدوداً لبعض الأعمال التي حاول اصحابها من خلال وعيهم بأهمية السينما ودورها أن يقدموا أفلاماً تناقش الواقع وتعبر عن هموم ومشكلات الإنسان المصري في فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، لكن سرعان ما تكسرت أشرعة كمال سليم وكامل التلمساني وغيرهم وتحطمت سفنهم علي صخرة سينما الأحلام والأوهام .
لم يكن لدي الدولة في مصر في تلك الفترة كُتابها ومُفكروها أومُخرجوها، ومن الجائز أنها لم تبحث عن هؤلاء في السينما، إلي أن ترسخت أقدام الثورة، وبدأت وزارة الإرشاد القومي (أي وزارة الإعلام حالياً) برئاسة المناضل والمفكر الكبير فتحي رضوان بتطبيق وجهة نظره الديمقراطية والتي تري أنه لا حل ولا وسيلة لأن تجعل الدولة الفن في خدمتها إلا بالتوجيه العام فقط .. ومن دون تدخل .
ظلت السينما لأكثر من عامين منذ قيام الثورة، مبتعدة عن التعبير عن الواقع مكتفية بتملق النظام الجديد، مستخدمة شعاراته الجادة في الترويج لأعمالها البليدة، بعد تفريغها من مضمونها إلي أن عرض في عام 1954 ثلاثة أفلام تقترب في حذر من الواقع، وتحاول تحليل معطياته، والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلي قيام الثورة من خلال كشف العلاقات الإقطاعية داخل القرية المصرية قبل عام 1952 كما في فيلم " صراع في الوادي " ليوسف شاهين .. كما أبرز فيلم " جعلوني مجرماً " لعاطف سالم الظروف الاجتماعية والأخلاقية التي تدفع الإنسان العادي ليصبح مجرماً، وفي " حياة أو موت " يقدم كمال الشيخ تجربة فنية جديدة في السينما المصرية، حيث يتم تصوير معظم مشاهد الفيلم في شوارع القاهرة، من خلال رؤية تُعلي من شأن الإنسان وتقدم النموذج الأمثل لكيفية التعامل معه والصورة التي يجب علي الدولة أن تنظر بها إلي مواطنيها .
وفي ذات العام 1954 تنبه فتحي رضوان وزير الإرشاد إلي أن هناك قانوناً جائراً للرقابة علي المصنفات الفنية صدر في عام 1947 في اعقاب التحركات الجماهيرية النشطة عام 1946 والمظاهرات التي اندلعت لتغطي وجه مصر والاضطرابات التي نظمها العمال في كل انحاء الوطن .. وكان القانون يقضي تحديداً بعدم جواز اظهار مناظر الإخلال بالنظام الاجتماعي كالثورات أوالمظاهرات أوالاضطرابات إلي عشرات التعليمات التي تكبل حرية التعبير و تفرض دائرة من الحصار المحكم حول موضوعات الفيلم السينمائي والعروض المسرحية وتضمن تماماً، عدم المساس بالسلطة أو رموزها .
في عام 1955 ألغت الثورة التعليمات الرقابية المتعسفة التي صدرت في فبراير 1947 واحلت محلها قانوناً جديداً للرقابة علي المصنفات الفنية وهوالقانون الذي مازال سارياً حتي الآن، وإن أجريت عليه بعض التعديلات الطفيفة في عام 1992، وعلي الرغم من ورود بعض المواد المجحفة التي تعرقل وتعوق الحرية الكاملة للتعبير إلا أن القانون الجديد كان في مجمله أفضل بكثير من تعليمات 1947 علي الرغم من التحفظ علي مفهوم الرقابة في الحالين .
منح القانون الجديد بعض الحرية لتجار السينما المصريين لكنهم اعتمدوا علي موروثهم من الخوف والجبن والهلع وكعادتهم آثروا السلامة وظلوا يعزفون تلك النغمات الرخيصة، لكن الهامش الجاد أخذ يتسع قليلاً ليسمح لبعض فناني السينما المهمومين بالتعبير عن الإنسان المصري وأشواقه للعدل والحرية والكرامة الإنسانية وظهرت أفلام أبو سيف وهي في عمومها اكثر عمقاً في تناول الواقع وجرأة في طرح مشكلاته بعد الثورة .
يقدم توفيق صالح في أول أعماله في السينما " درب المهابيل" 1955، نموذجاً رفيعاً للسينما الواقعية، مستكملاً بقوة ونضج ووعي وعمق ما بدأه كامل التلمساني قبل عشر سنوات في " السوق السوداء " حيث تأتي الواقعية لا مجرد رصد وتصوير للواقع بل هي رؤية الفنان لهذا الواقع .
في "درب المهابيل" يتخذ توفيق صالح موقفاً ثورياً من الثروة المفاجئة التي كادت أن تهبط علي شخصياته فيجعلها تذهب كما جاءت لكن بعد أن يكشف لنا العلاقات داخل مجتمع الحارة بشكل يسمح لنا بفهمها والعمل علي تغييرها مرسخاً قيمة " العمل " كقيمة اساسية في حياة الإنسان رافضاً مظاهر التخلف والجهل والتواكل، كما ينجح أبو سيف في " الفتوة " في مناقشة قوانين السوق ويحلل البناء الداخلي للمجتمع الرأسمالي ويكشف عن تواطؤ التجار المستغلين مع الطبقة الحاكمة لاستنزاف الجماهير والتربح غير المشروع من المتاجرة بأقوات الشعب، ويؤكد الفيلم أن النظام الذي يفرز هذه النماذج الشرهة لابد من تغييره .
3
بدأ اهتمام الدولة/ الثورة يأخذ شكلاً جدياً وملموساً بعد انشاء مصلحة الفنون عام 1955 والتي تولي رئاستها الأديب الكبير يحيي حقي الذي اهتم بمجال الثقافة السينمائية في محاولة لخلق جيل من عشاق السينما ومثقفيها وقد اثمر ذلك عن تيار نقدي جديد بدأ يدعم ويؤازر الاتجاهات الجادة في السينما، ويشن حملاته المكثفة ضد السينما القديمة والسائدة والتي تروج للتخلف والجهل وتغييب الوعي، كما اهتمت الدولة في ذات الوقت، واستشعرت أهمية السينما وخطورتها كأداة من أدوات توجيه الرأي العام فأنشأت في 31 يناير 1957 إدارة للسينما التسجيلية والقصيرة، ثم تلا ذلك صدور قرار إنشاء مؤسسة دعم السينما وهو أول مؤسسة عامة للسينما في مصر وفي الوطن العربي . وكان أن تحولت هذه المؤسسة في عام 1958 إلي المؤسسة العامة للسينما وحدد قرار إنشائها اهدافها في " رفع المستوي الفني والمهني للسينما وتشجيع وعرض الأفلام العربية داخل البلاد ." كان هذا القرار يعني تدخل الدولة رسمياً في صناعة السينما وإن ظل التدخل محكوماً في مراحله الأولي بالرعاية والدعم والاقراض والتمويل، ثم وضعت المؤسسة خطة محدودة، متدرجة لإنتاج عدد من الأفلام الروائية والتاريخية من خلال شركة مصر للتمثيل والسينما وعملت علي تحديث وتطوير ستوديو مصر وهو الاستوديو الوحيد الذي كانت تملكه و رصدت مبلغاً كبيراً لتزويده بمعدات حديثة للصوت والتصوير ومعامل لطبع الأفلام الملونة والأبيض والأسود .
4
كان ثروت عكاشة الذي تولي وزارة الثقافة عام 1958 يمتلك رؤية ثقافية تقوم علي استراتيجية كاملة لبناء المستقبل ويؤمن بأن الثقافة لا تكون رفيعة بمضمونها الفكري وحده، وإنما أيضاً بوسائلها في التعبير، لذلك وبدعم من عبد الناصر تم في عام 1959 ارساء نواة أكاديمية الفنون بإنشاء اربعة معاهد فنية للسينما والموسيقي والباليه والفنون المسرحية .
ورغم التشجيع الواضح للسينما والسينمائيين من الدولة في هذه الفترة الذي تمثل في منح الجوائز للإنتاج السينمائي والمشتغلين به وإقامة مسابقات لاختيار أحسن الأفلام المصرية، وكذا إقراض بعض المنتجين لإنتاج أفلام ذات قيمة فنية مثل " الناصر صلاح الدين "ليوسف شاهين وانتاج آسيا وفيلم "وا إسلاماه " لاندر مارتون إنتاج رمسيس نجيب إلا أن السينما المصرية ظلت غارقة في أوهامها عازفة عن الاقتراب من قضايا الواقع، لاهية في مجملها عن التعبير عنه عدا بعض الاستثناءات في " بداية ونهاية " لصلاح أبو سيف الذي تناول فيه المشكلات الاجتماعية والفكرية والأخلاقية للطبقة الوسطي و" دعاء الكروان " لبركات الذي يعد صرخة ضد التخلف والقهر ودعوة إلي التخلص من التقاليد الجامدة في صعيد مصر، واعلاء من شأن العلم وادراكاً بأن التحرر من الجهل هو أولي درجات الخلاص من الواقع المتردي وأول عناصر التغيير والتطور.. كما عبر بركات في فيلم " في بيتنا رجل " سنة 1961 عن الكفاح الشعبي ضد الاحتلال البريطاني وناقش في " الباب المفتوح " دور المرأة في المجتمع المصري قبل وبعد الثورة، كما يعود توفيق صالح بعد سبع سنوات من " درب المهابيل" ليقدم عملاً هاماً في عام 1962 " صراع الأبطال" حيث يصارع بطله الفقر والجهل والمرض، ويربط صالح بين سيطرة الاحتلال الإنجليزي وسطوة الإقطاع،من خلال تحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي للقرية والعلاقات التي تحكم اهلها.
5
حفلت السنوات العشر الأولي من عمر الثورة بالإهتمام الجدي بالسينما، بدأت بالإرشاد والتوجيه ثم الدعم والرعاية . وكان لتولي اثنين من كبار المثقفين أمر وزارة الإرشاد القومي ثم الثقافة والإرشاد وهما فتحي رضوان وثروت عكاشة اثره الكبير في الثقافة المصرية عموماً ونظرتهم للسينما بشكل خاص . وعلي الرغم مما تم من إجراءات التمصير لبعض المنشآت والمؤسسات الأجنبية ثم صدور القرارات الاشتراكية في عام 1961 إلا أن يد التأميم لم تقترب من السينما حتي عام 1962، ولم يكن هناك أي تفكير في تأميم السينما أو أن تتولي الدولة الإنتاج السينمائي " كما يقول ثروت عكاشة، لكن فرض الحراسة علي بعض المنشآت السينمائية اغري د. عبد القادر حاتم الوزير الذي تلا عكاشة بالاستحواذ عليها سواء كانت ستوديوهات أو دور عرض . وكان معظمها في حالة رثة ومستهلكة، ويقرر الوزير دخول الدولة إلي مجال الإنتاج لتحقيق الفن الهادف، ويبدي حماساً اشتراكياً، مزيفاً. حيث إنه هو نفسه الذي قام بتصفية القطاع العام بعد ثماني سنوات من قراره الأول .
ربما رأي البعض في سنوات القطاع العام الثماني ( 1963 - 1971 ) سنوات ازدهار ورأي آخرون أنه عصر الخسائر والخطايا والرزايا وتبديد المال العام من دون تريث أو دراسة اقتصادية كافية، دخلت الدولة ميدان السينما فوق ركام من دور العرض والاستوديوهات الخربة وانشأت اربع شركات اثنتين للإنتاج و واحدة للاستوديوهات وأخري للتوزيع والعرض ثم خامسة للإنتاج أيضاً واضطربت احوال السينما نتيجة لعدم وضوح موقف الدولة من تلك المنشآت التي تولت ادارتها ثم اشترتها من جهاز الحراسة بتقديرات جزافية غير مدروسة حملت ميزانياتها عبئاً لم تستطع التخلص منه لفترة طويلة .
رحل الوزير عبد القادر حاتم وعاد ثروت عكاشة ليحاول انقاذ ما يمكن انقاذه بعد ذلك الدمار الذي حاق بالسينما والورطة التي تورطت فيها الدولة دون مبرر حيث تم انتاج العديد من الأفلام الهابطة والتي أساءت إلي سمعة القطاع العام .
6
يحاول عكاشة إعادة ترتيب أوراق البيت السينمائي وتنقيته من أساتذة القطاع الخاص الذين تولوا قيادته، ونهبوه، وقد نجح إلي حد ما في إعادة الحياة إلي ذلك القطاع وأن يزيل من وجهه تلك البثور التي شوهت التجربة التي استمرت حوالي ثماني سنوات ( 63-1971) واستمر حصادها الفيلمي يعرض حتي عام 1980 وهي أي التجربة بحلوها ومرها - وعلي الرغم مما ساد بداياتها من اضطراب وارتباك وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود علي توقفها، إلا ان الرؤية الموضوعية والمنصفة تفرض إعادة النظر فيما انتج وأنجز هذا القطاع خلال الفترة الوجيزة في مقابل ما تم انجازه من خلال القطاع الخاص الذي ظل ينتج الكم الأكبر من الأفلام سنوياً.
لقد قدم القطاع العام 30٪ من انتاج السينما المصرية خلال تلك السنوات واتاح الفرصة لأكثر من ستين مخرجاً للعمل من بينهم 26 مخرجاً يقدمون اعمالهم لأول مرة بينما لم يتح القطاع الخاص علي الرغم من انتاجه لما يقرب من 70٪ من مجمل الإنتاج الفرصة إلا لسبعة عشر مخرجاً جديداً فقط .
مع ثروت عكاشة، وإعادة تنظيم مؤسسة السينما، ووضوح الرؤية لدي الدولة ممثلة في وزير الثقافة، وعلي الرغم من هزيمة 1967، وبل ربما بسببها أيضاً شهدت السنوات من 1968 وما بعدها عرض 77 فيلماً من انتاج القطاع العام اتسم معظمها بالنضج والاقتراب من التعبيرعن الواقع واعتمد الكثير منها علي أعمال كبار الأدباء الذين اثروا السينما وحفلت الأفلام التي أخذت عن هذه الأعمال بتحليل للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية داخل المجتمع وهي قائمة تصل إلي 68 فيلماً من بين 159 فيلماً انتجها القطاع العام.
7
علي الصعيد الفكري، جاء العديد من الأفلام كامتداد لأفضل ما في موروث السينما المصرية من كمال سليم وكامل التلمساني، ووصل إلي ذروة النضج من خلال مجموعة الأفلام الواقعية في سينما القطاع العام التي ناقش صناعها معطيات الواقع المعاصر وسعوا إلي تحليل علاقات المجتمع الجديدة في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت علي الواقع بهدف إعادة صوغ فكر الإنسان المصري ووجدانه .. كي تكشف عن معني، ودور الفرد وسط هذه العلاقات .. ..وربما ارتدت بعض هذه الأفلام عباءة الماضي تحرجاً أوخشية من السلطة كي تطرح أخطر القضايا التي تمس هذه السلطة عينها .. ربما اضطرت شخصيات البعض الآخر لارتداء الطرابيش كناية عن الماضي، أو كتابة تواريخ، علي الشاشة، تسبق تاريخ قيام الثورة ( مصر 1950 ، قديماً في الريف ... وغيرها ) كي تدين السلطة أيضاً في قري مصر .
إن العودة إلي الماضي لم تكن قط كما يري البعض، خوفاً وخشية، ونتيجة لحكم العسكر وغياب الديمقراطية، وبل كانت في بعض الأفلام نوعاً من استلهام هذا الماضي، ومحاولة الإفادة من درس التاريخ واستيعابه لمواجهة الحاضر، كما في " الأرض" الذي ناقش الصراع الاجتماعي والسياسي والإقتصادي (المعاصر ) علي الرغم من أن أحداثه تدور في الثلاثينات وأبرز أهمية الأرض وضرورة الذود عنها والحفاظ عليها حتي درجة الاستشهاد.. وفيلم " المومياء" الذي عبر عن بحث الإنسان المصري عن هويته في وقت كانت فيه هذه الهوية معرضة للخطر بسبب وطأة هزيمة حزيران / يونيو1967، فكلا الفيلمين تم انتاجهما ما بين 1967 و1973 .. في محاولة من بعض السينمائيين للمساهمة في التصدي للدعاوي التي روج لها الأعداء لتنال من صلابة الشخصية المصرية ومحاولة لتعميق الوعي عند المواطن المصري بهويته وحضارته، و تاريخه النضالي من أجل الوطن .. وشحذ همته لاستعادة الأرض المحتلة ...
كما أن هناك العديد من الأفلام التي واجهت الحاضر مباشرة ووقفت بجانب النظام عن قناعة وتبنت الحل الاشتراكي وتصدت للدفاع عن المجتمع الجديد، مجتمع الكفاية والعدل وانتصرت للقيم الجديدة في مواجهة القيم القديمة المتخلفة مثل " الجبل" لخليل شوقي، وهناك أيضاً " جفت الأمطار " لسيد عيسي و" السيد البلطي " لتوفيق صالح . وقد سمح القطاع العام، علي الرغم من أنه جزء من النظام الحاكم، بانتقاد السلطة بشكل مباشر في "ميرامار" و " القضية 68 " و" الناس اللي جوه " و" شيء من الخوف" و"الاختيار " و" المتمردون " وغيرها ... لعب القطاع العام دوراً في نقد الماضي، كما أنه أيضاً ساهم في نقد الحاضر، من خلال الماضي أومن خلال المواجهة المباشرة مع الحاضر، وقدم عدداً من أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية في الوقت الذي كان فيه القطاع الخاص غارقاً في التفاهة والابتذال .
لقد شهد عقدا الخمسينات والستينات، منذ قيام الثورة وحتي وفاة قائدها جمال عبد الناصر كل ألوان الطيف السينمائي وتراوحاً شديداً بين المستويات فكراً وفناً . واهتماماً من الدولة وصل إلي ذروته بامتلاك وسائل الإنتاج وصراعاً خفياً أومعلناً بين الرقابة والمبدعين، ومحاولات مستمرة ودؤوبة من العديد من الفنانين لاختراق حاجز المسكوت عنه والتعبير عن هموم واشواق ومشكلات الإنسان المصري في تلك الفترة المتوهجة والناصعة من تاريخ مصر المعاصر.
8
يتوقف القطاع العام، ويتم تصفيته في بداية السبعينات، بدعوي خسائره المتلاحقة .. لتبدأ حقبة جديدة في تاريخ السينما في مصر، بعد حرب اكتوبر 1973 وإعلان الانفتاح كسياسة اقتصادية جديدة مع عهد السادات وتنتاب السينما ورجالها، حالة من الشجاعة المفاجئة والتي يتضح زيفها بعد ذلك، وتبدأ في الانقلاب علي ثورة يوليو بدعم من السلطة الجديدة وقياداتها فيظهر أول أفلام الردّة، " الكرنك" لعلي بدرخان محتمياً بمقدمة ومؤخرة من حرب اكتوبر وليكيل الاتهامات إلي العهد الناصري ثم تلته موجة كاملة تسير علي نفس النهج ..... كما عرضت بعض الأفلام التي تتماحك في حرب اكتوبر ليأتي العقد الثامن ليحمل تباشير موجة سينمائية جديدة يقودها عدد من شباب السينما متمثلين في رأفت الميهي وعاطف الطيب وخيري بشارة ومحمد خان وداود عبد السيد ليشكلوا معاً ما اصطلح علي تسميته بالواقعية الجديدة، اختلافاً عن تيار الواقعية الذي بدأه كمال سليم في " العزيمة " واستكمله صلاح ابوسيف وكامل التلمساني وتوفيق صالح وغيرهم .... وقدمت السينما في هذا العقد عدداً كبيراً من الأفلام الهامة في تاريخها مثل "سواق الأتوبيس " لعاطف الطيب و" للحب قصة أخيرة " و" عيون لا تنام " لرأفت الميهي و"الصعاليك" لداود عبد السيد و" الجوع " لعلي بدرخان و" الطوق والإسورة " لخيري بشارة و" مشوار عمر" لمحمد خان .. وفي المقابل ظهرت هوجة من أفلام المقاولات التي بلغت ذروتها عام 1986 حيث تم عرض 95 فيلماً وهوأعلي رقم حتي الآن في تاريخ السينما المصرية، وهي مجموعة من الأفلام المتواضعة فنياً، وقليلة التكاليف انتجت خصيصاً لحساب شركات عربية لتحمل مساحة إعلانية ضخمة علي شريط الڤيديوالخاص بكل فيلم .
كما حاول عدد من السينمائيين الجادين نقد سياسة الانفتاح الاقتصادي وما سببته من تدمير للقيم في المجتمع المصري وكانت بداية هذا التيار مع فيلم " أهل القمة " لعلي بدرخان ليلحق به آخرون بعد ذلك.
تأتي التسعينات لتشهد تراجعاً مخيفاً في حجم الإنتاج السينمائي حيث يصل عدد الأفلام التي عرضت في عام 1997 إلي 16 فيلماً فقط وهو أدني رقم في تاريخ السينما المصرية وذلك لانحسار موجة أفلام المقاولات وإحجام المنتجين عن الإنتاج بسبب بداية ظهور القنوات الفضائية وتراجع ايرادات الإعلان في شرائط الفيديو وغياب الموزعين العرب الذين كانوا يساهمون بفاعلية في ظهور الشرائط السينمائية.
لكن هذا العقد رغم هذه الانتكاسة حمل بعض الأعمال السينمائية الهامة مثل " المصير " ليوسف شاهين الذي كان أول مشاركة مصرية في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" عام 1997 منذ فترة طويلة، و" قليل من الحب كثير من العنف " لرأفت الميهي و" الهروب" و" ناجي العلي " و" ليلة ساخنة " لعاطف الطيب و " الراعي والنساء " لعلي بدرخان و" عرق البلح " لرضوان الكاشف و"سارق الفرح " لداود عبد السيد وغيرها من الأعمال الهامة.
9
تأتي الألفية الثالثة حاملة معها كل مشكلات السينما في القرن الماضي ويتذبذب حجم الإنتاج ما بين العشرين والثلاثين فيلماً خلال الأربعة عشر عاماً التي شهدت في بداية العقد الثاني ثورة الشعب المجيدة في 25 يناير 2011 وثورته التصحيحية الثانية في 30 يونيو2013 ...
ورغم كل التراجعات فإن هذه السنوات قد حملت تباشير سينما مختلفة تحاول التعبير عن الذات المصرية وعن هموم وأشواق المجتمع المصري وأطلق علي هذا التيار، تجاوزاً، اسم " السينما المستقلة " التي نتجت عن أساليب إنتاجية مختلفة وانماط درامية غير معتادة وتقديم أفلام بميزانيات منخفضة، وظهرت أفلام لعدد من المخرجات الشابات مثل ماجي مرجان " عشم " وأيتن أمين " ڤيلا 69 " وهالة لطفي " الخروج للنهار " ونادين خان " هرج ومرج " مع "بصرة " لأحمد رشوان و" باب الوداع " لكريم حنفي، إضافة لأفلام ابراهيم البطوط وأحمد عبد الله السيد وشريف مندور وغيرهم ... وقد عانت هذه الأفلام من احجام الجماهير نظراً لسيادة الذوق المتدني المتمثل في أفلام العنف
" عبده موته "وغيرها من تلك الأفلام التي ساهمت في تدمير الذائقة لدي المشاهدين وصرفهم عن مناقشة مشكلاتهم وهمومهم وطرح أحلامهم وآمالهم وأشواقهم لمجتمع جديد يقوم علي العدالة والمساواة والحرية ..
لقد حاول صناع السينما الجادون الملتزمون بقضايا وطنهم طرح رؤاهم عبر عشرات الشرائط خلال قرن كامل من عشرينات القرن الماضي وحتي الآن، ربما كانت ظروفهم غير ميسرة، وامكانية اختراقهم لقوانين الإنتاج التجاري ضعيفة وصراعهم المستمر مع الرقابة أدي إلي تنازل البعض، لكن يظل هذا التيار الهامشي الذي بدأ مع كمال سليم عام 1939، واستمر مع العديد من الأسماء الكبيرة، وحتي جيل الشباب ، هو نقطة الضوء وشعاع الأمل في سينما حقيقية تعبر عن الواقع المصري بأمانة وصدق .
10
ربما كانت هذه المقدمة التاريخية الطويلة نسبياً، ضرورة للتعرف علي ما تعانيه السينما المصرية من مشكلات تراكمت عبر مائة عام أويزيد، ومثلت عائقاً لعمليات الإنتاج وكانت معرقلة لأي محاولة للتقدم إلي الأمام فنياً وفكرياً أو للخروج من تلك الدائرة الجهنمية للسينما التجارية التي ابتذلت القيم وسيطرت علي ذهن وعقل المشاهد المصري ونجحت في تدمير ذائقته وتزييف وعيه وتشويه وجدانه ... لكنها رغم ذلك ساهمت في استمرار الصناعة دون ادراك من صناعها أن الفن الذي يقدمونه يمثل إحدي أدوات التغيير المجتمعية ، وأنها السينما أحد الروافد الأساسية في الثقافة الوطنية ... وقد عانت السينما في مجملها، كصناعة وفن، العديد من المشكلات التي تراكمت دون حلول جذرية خلال سنوات طويلة، ويُحكي من باب التندر أن المخرج الكبير الراحل أحمد بدرخان حين كان مسئولاً عن السينما، أنه كان عندما يتحدث البعض عن مشكلات السينما،يقول إن لديه في درج مكتبه مذكرة دائمة لهذه المشكلات وحين يطلب منه أي مسئول أكبر، رأيه في ذلك يستخرج هذه المذكرة الثابتة ولا يُضيف إليها سوي الخطاب الموجه إلي الوزير أوأحد المسئولين ... وهوما يعني أن هذه المشكلات كانت واضحة جلية أمام كل المسئولين الذين تعاقبوا وزيراً بعد آخر، ومسئولاً تلو مسئول، لكن لم تكن هناك، ولا تزال، إرادة حقيقية في تذليل العقبات التي تعوق حركتها ومن أبرزها مشكلة المبدعين الدائمة مع الرقابة علي المصنفات الفنية التي أصبح عمرها الآن هو عمر النشاط المسرحي والسينمائي في مصر حيث بدأت مع وزارة الداخلية عام 1911، وتنقلت من الداخلية إلي الشئون الاجتماعية إلي الداخلية مرة أخري، لتبقي في أحضان وزارة الثقافة مع ثورة يوليو ويتم تعديل قانونها عام 1955 لينظم الرقابة علي الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمونولوجات والاسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتية أي كل ما يصل إلي عين وسمع المشاهد وحدد القانون سبب صدوره في مادته الأولي أنه وُضع" بقصد حماية الآداب العامة والمحافظة علي الأمن والنظام العام ومصالح الدولة العليا " ..... وهي عبارات مطاطة تخضع للتفسير والتأويل وفق هوي أو رؤية القائمين علي تنفيذ القانون ومدي قدرتهم علي فهم طبيعة العملية الفنية، وقد استخدم هذا القانون، رغم عموميته، أوبسببها، في التنكيل بعشرات الأعمال السينمائية علي مدي تاريخ السينما بدءاً من " لاشين " 1938 مروراً بلأفلام " مصطفي كامل " وزائر الفجر " و" العصفور " و" المذنبون " و" درب الهوي " و"خمسة باب" و" المهاجر " وغيرها من الأفلام التي كان فيها الرقباء ملكيين أكثر من الملك، وكان بوسعهم تمرير هذه الأعمال لولا حالة الهلع التي كانت تصيبهم من أي ماس بالسياسة أوالدين أو الجنس. خاصة بعد ما تعرضوا له من جزاءات لتصريحهم بفيلم" المذنبون " عام 1976 .
وفي هذا الصدد تحتاج الرقابة علي المصنفات الفنية إلي تطوير أدواتها وتدريب العاملين بها وتطبيق القانون دون تدخل في المستوي الفني للأعمال مع الانحياز إلي حرية الفنان في التفكير والتعبير ..
ولأن القانون الحالي للرقابة رقم 430 لسنة 1955 والمعدل بالقانون 38 لسنة 1992 به من المرونة في نصوصه إذا شاء الرقيب ما يجعله متوائماً مع الظروف المتغيرة، وقد جاء تعديل 1992 ليجعله مواكباً للمستحدثات في طرق واساليب العرض السينمائي، وربما لا يحتاج هذا القانون من وجهة نظري إلا إلي رفع سن المشاهد في الأفلام التي تحتوي علي مشاهد جنسية (فقط) إلي ثمانية عشر عاماً بدلاً من 16 سنة، وهو سن انتهاء مرحلة الطفولة وفقاً لقانون الطفل، وقد أصدر وزير الثقافة الأسبق د. جابر عصفور قراراً باعتماد التصنيف العمري المتدرج من العرض العام أو مع العائلة أو أكثر من 12 سنة ثم 16 سنة تحت ضغط المبدعين، رغم أن الواقع العملي اثبت استحالة تطبيق ذلك القرار الذي استهدف إتاحة أكبر مساحة من حرية التعبير في إطاره العام تتضمن مواده الأولي عشرات الممنوعات التي تجعل منه حبراً علي ورق، إضافة إلي أن التصنيف العمري الذي يُعمل به في الدول المتقدمة يأتي نتيجة لنوعية الفيلم التي يتلقاها المشاهد الذي يدرس الجنس والسياسة والدين علي مراحل تتوافق معها الفئات العمرية المقصودة، وهو غير ما يحدث في مصر الآن، كما أن التصنيف العمري في القرار المذكور اصطدم بنوعيات الأفلام التي قد تحتوي علي أفكار إلحادية أوازدراء للأديان أومشاهد جنسية صريحة أورؤي تتعارض مع مصالح الدولة العليا، لأنه يستبعد أي رقابة علي السناريوهات التي تعني في جانب منها الرقابة علي الأفكار. كما أنه لا يُجيز حذف أي لقطة من العمل الفني .. وهو ما دفع المشرع إلي وضع ضوابط لمثل هذه الحالات أفرغت القرار من مضمونه تماماً وجعلته بلا معني وغير قابل للتطبيق العملي كما أفزعت المنتجين الذين خشوا أن تتعرض أفلامهم للمنع بعد تنفيذها إذا صدّقوا سطور القرار ..
11
ربما كان نقص التمويل هوأحد العوامل الرئيسية أوالعامل الرئيسي في مشكلة السينما في مصر، فقد ظلت هذه السينما تعتمد في انتاجها علي ما يسمي ب " سلفة التوزيع " التي كانت تأتي عادة من موزع غير مصري، يساهم بها في انتاج الفيلم مقابل حق توزيعه سواء داخل مصر أوخارجها وفقاً للاتفاق وهذه السلفة كانت تمثل حوالي 40٪ من ميزانية الفيلم .. وقد تعرض هذا النظام الذي استقر لعقود عديدة إلي التذبذب وفقاً للظروف السياسية، التي وصلت إلي مقاطعة الفيلم المصري بعد توقيع اتفاقية كامب ديڤيد .. وكان علي المنتج المصري إما أن يعتمد علي ايرادات الداخل فقط أويعمل علي تقليص ميزانيته إلي الحد الأدني وقد اختار الكثير منهم الحل الأخير ..
وحين عادت العلاقات السياسية، أغرقت الشركات غير المصرية السوق بشرائط معلبة، لا يتوفر فيها الحد الأدني من أي مواصفات فنية أوشكلية وسادت أفلام المقاولات التي كانت تحتاجها السوق العربية للإعلان، ووجدت من ينفذ من ارزقية السينما إلي حد أن سيطر هذا الإنتاج الهزيل علي السينما من منتصف الثمانينات وربما حتي نهاية العقد .
ولأن كثيراً من المنتجين المصريين ليس لديهم المال الكافي لتمويل إنتاجهم وما زالوا يعتمدون علي " بيع الخارجي " قبل البدء في التصوير، فكان لابد من البحث عن حل جذري لهذه المشكلة وقد سبقتنا في هذا دولة المغرب الشقيقة فوفرت الدولة الدعم لكل سيناريوقابل للتنفيذ بصرف النظر عن مستواه وهودعم خاص لكل فيلم وفقاً لميزانيته علي أن يتم صرف الدعم من خلال حساب خاص للفيلم في أحد البنوك ويتم الصرف منه بموافقة المنتج أوالمخرج وجهة الدعم التي هي المركز الوطني للفيلم، علي أن تستبقي ايرادات الفيلم بعد عرضه بنفس الحساب ليتم بها دعم أي مشروع جديد لنفس الشركة أو جهة الإنتاج ...وبهذا فإنه دعم لا يسترد لحساب الدولة وإنما لحساب دعم الإنتاج القادم دون أن تتحمل الدولة أية تكاليف بعد ذلك . وقد نجح هذا الأسلوب ووصل عدد الأفلام المنتجة في المغرب من 5 6 أفلام سنوياً علي أقصي تقدير إلي 22 فيلماً في الأعوام 2013، 2014 ....
وهذا الأسلوب يختلف عن طريقتي الدعم التي انتهجتها وزارة الثقافة في مصر فقد حددت في التجربة الأولي عام 2006 مبلغ 20 مليون جنيه توزع علي صورة دعم عيني لعدد من الأفلام لم يتجاوز ستة أفلام فقط، وفي التجربة الثانية عام 2013 تقرر صرف دعم مالي للمنتج لا يتجاوز 50٪ من الميزانية بحد أقصي 2 مليون جنيه .
في التجربة الأولي، كانت هناك متابعة ومحاسبة علي كل مبلغ يُصرف وفقاً للصرف الفعلي، ضماناً لحق الدولة، أما في الثانية فقد ألغت فكرة محاسبة المنتج وجعلته حراً يتصرف في مبلغ الدعم وفقاً لما يراه.
لقد رأت المغرب أن السينما فن هام يستحق الرعاية والدعم فوفرت ذلك وفق آلية منضبطة تسمح بالمرونة مع إحكام الرقابة ..وهوما تفتقر إليه التجربتان المصريتان، لذا فإن علي الدولة احترام الإنتاج السينمائي، ليس فقط الذي يشكل واجهة مشرفة في المهرجانات الدولية وإنما الإنتاج ككل، فتزيد مبلغ الدعم ويصرف وفقاً لآليات الصرف في تجربة المغرب، وذلك حتي لا يخضع المنتج المصري إلي أي ابتزاز أوضغوط من الخارج وأن يكون الدعم لكل النوعيات وليست الأفلام التي يحجم عن انتاجها القطاع الخاص السينمائي . كما أن ذلك يعفي الدولة من التورط في عملية الإنتاج كما حدث مع فيلم " المسافر" الذي انتجته وزارة الثقافة ومثل مصر في مسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 2009 .
12
مشكلة أخري ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعملية الإنتاج وتُعد أحد عوامل التراجع الكمي وهي ظاهرة ارتفاع أجور النجوم الذي أصبح مبالغاً فيها إلي حد كبير وقد يري البعض أن النجم هومسألة عرض وطلب وأن أجر النجم يتناسب طردياً مع ما يحققه فيلمه من ايرادات، وهي مقولة صحيحة لكن ذلك يعيق عملية الإنتاج من بدايتها ، فالمنتج عادة لا يملك قيمة هذه الأجور الباهظة ً، فيحجم عن الإنتاج الكبير الذي يجب أن تذهب معظم ميزانيته إلي تكاليف العملية الإنتاجية، دون أن تلتهم الأجور النسبة الكبري من الميزانية والتي وصلت في بعض الأفلام إلي 60٪ مما يقلص إمكانيات التنفيذ إلي الحدود الدنيا .. لذا لابد من أن يتم النظر في هذه الظاهرة من خلال النقابات الفنية السينمائية والتمثيلية ... وربما لهذه الظاهرة أثرها الإيجابي، حيث يضطر المنتجون إلي المغامرة بالبحث عن نجوم جدد منخفضي الأجور مما يحقق انتعاشاً في سوق الممثل ويوفر فرصاً متزايدة لمواهب جدد .. . وهوما حدث بالفعل في السنوات الأخيرة حيث احتشدت ملصقات الأفلام بأسماء من الصف الثاني والثالث اثبتوا جدارتهم بعيداً عن توحش النجوم .
13
يُشكل التناقص المستمر لعدد دور العرض في مصر، مشكلة كبري لمنتجي الأفلام السينمائية، فبعد أن كان عددها يصل إلي 450 ( اربعمائة وخمسين داراً للعرض ) في الخمسينات، وصلت حالياً إلي 80 ( ثمانين ) موقعاً فقط علي مستوي الجمهورية تحتوي علي حوالي 400 شاشة، حيث يصل عدد الشاشات في دار العرض الواحدة من 6 إلي 12 شاشة تخدم منطقة واحدة ومعظمها يتركز في القاهرة داخل المولات الشهيرة بينما هناك كثير من المناطق محرومة كلياً من أي دار للعرض السينمائي، فمعظم عواصم المحافظات أصبحت خالية من أي دار للعرض، بينما تحظي أماكن أخري بتخمة في عدد المواقع أوالشاشات، فمدينة نصر بالقاهرة علي سبيل المثال بها ما يقرب من خمسين شاشة في مقابل مدينة تمثل عاصمة إحدي المحافظات لا يوجد بها أي دار عرض ( مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية ) وهي علي سبيل المثال لا الحصر .
إن تركيز الشاشات في مواقع محددة يعني عدم ديمقراطية المشاهدة. ويعني كذلك غياب شرائح عديدة من المجتمع لا تحظي بهذه الخدمة، علاوة علي أنها تحد من ايرادات أي فيلم.. فانتشار الفيلم علي مساحة الأرض المصرية يعني مزيداً من الإيرادات وتساعده في عدم اللجوء إلي تجار السينما الذين نعرفهم باسم " الموزعين" ..
لذا فمن الضروري دراسة إعادة توزيع مواقع دور العرض واستعادة مشروع سينما الحي علي أن توفر الدولة مساحات الأرض المطلوبة بأسعار رمزية علي شريطة ألا يتم علي هذه الأرض سوي بناء دار عرض سينمائي . كما يتم تسهيل عملية الاقتراض من البنوك لهذا المشروع بضمانات قانونية محددة بما فيها دار العرض ذاتها، والعمل علي تطبيق الإعفاء المقرر من الضرائب لهذه الدور الجديدة لمدة خمس سنوات علي الأقل تشجيعاً للاستثمار في هذا المجال، إضافة إلي معاملة خاصة في أسعار الكهرباء وباقي المرافق علي أن يتم تحرير التذكرة من كثير من الأعباء التي يدفعها المشاهد لحساب العديد من الجهات مثل وزارة الداخلية وغيرها ..
إن دور العرض هي المورد الأساسي لإيرادات الأفلام وهي التي يمكن بانتشارها أن تدفع المنتجين إلي انتاج المزيد من الأعمال السينمائية، ما دام هناك مواقع للمشاهدة ومشاهدون يدفعون ثمن التذكرة .
14
علي المستوي العالمي، تتسارع خطي التقدم التكنولوجي حيث يفاجأ المتابعون، كل يوم، باختراع جديد، أوبتحديث مذهل لتقدم سابق .. وينطبق هذا في مجال الآلات والمعدات المستخدمة في العملية السينمائية سواء أثناء التصوير أو ما بعده . فالكاميرات الحالية إمكاناتها تفوق خيال صناع السينما عبر تاريخها باستخدامها التكنولوجيا الرقميةSteady cam التي تتطور يوماً بعد آخر واستحداث آلات تصوير لا تتأثر بالاهتزاز حتي يتمكن المصور من حملها دون خشية اهتزاز الصورة وغير ذلك من معدات الإضاءة الحديثة والمستحدثة التي توفر وقتاً وجهداً وتكلفة مالية .. كما أن المعدات والآلات أي في عمليات Post-production المستخدمة في عمليات ما بعد التصوير، الصوت والمونتاج والطبع، تتقدم هي الأخري وتتطور بحيث تسمح لخيال المخرج أن يجمح كما يريد، فهي قادرة علي تنفيذ خياله، كما نري في أفلام التحريك أوفي الأفلام التي تحتاج إلي مهارات تكنولوجية خاصة ومؤثرات صوتية وبصرية متجددة مثل Jurasic Park وغيرها من الأفلام التي تجمع بين البشر والحيوانات أوالتي يلعب فيها الخيال العلمي دوراً أساسياً .
ما زالت السينما المصرية تعاني من مشكلة التخلف التكنولوجي في المستوي العام مما يُحّجم خيال المبدعين فالآلات المستخدمة قد لا تلاحق ذلك التطور بالشكل الكافي فإمكانات استوديوهات هوليوود أومثيلاتها في أوروبا أوشرق آسيا واليابان تتوفر فيها آخر المستحدثات التكنولوجية بينما لا يجد المبدع المصري أمامه سوي آلات متخلفة عن مثيلاتها في الخارج بمسافات واسعة .. قد يغامر بعض المصورين علي المستوي الفردي أوبعض الشركات الطموحة في استيراد أجهزة وكاميرات حديثة نسبياً لأن امكانياتها المادية أضعف من أن تمكنها من شراء معدات أحدث، وهنا لابد أن نسجل أن فناني الصوت والمونتاج والمؤثرات البصرية أوالسمعية من المصريين يحاولون توفير ما ينقصهم من تكنولوجيا باستخدام مهاراتهم الخاصة لتعويض نقص التكنولوجيا الحديثة، وبسبب هذا النقص غابت عن السينما المصرية نوعية كاملة من السينما هي سينما الخيال العلمي التي تجد رواجاً هائلاً في سوق السينما علي المستوي العالمي .وربما يساعد الغاء الجمارك علي مثل هذه الآلات والمعدات ما يسمح لبعض الشركات باستيرادها لتحقيق خدمة أفضل لصناع السينما ومشاهديها.
15
يُعاني سوق السينما في مصر حالياً من مشكلة استعصت قليلاً علي الحل وهي مشكلة احتكار دور العرض السينمائي حيث تستحوذ شركتان كبيرتان علي ما يقرب من 60٪ من إجمالي الشاشات أوأكثر مما يجعل المنتج الصغير أوالموزع الذي لا يمتلك دوراً للعرض أواختار أن يكون تحت مظلة إحدي الشركتين، عرضة للخسارة المحققة خاصة أن الشركتين في حالة تنافس شديد بل وصل إلي حد الخصومة، فلا تقبل إحداهما فيلماً سوف يُعرض في
عدد من دور العرض تابعة للشركة الأخري . رغم أن كلاً منهما لا يُغطي كافة المناطق فيظل المنتج أوالموزع محروماً من مشاهدي تلك المنطقة ..
ورغم أن هناك قانوناً مصرياً يمنع الاحتكار ويُعاقب مرتكبيه، وأن هناك قضايا منظورة أمام المحاكم منذ فترة ضد المحتكرين، إلا أن الوضع حالياً مازال قائماً وإن بدا بعض التعاون بين الشركتين إلا أنه تعاون شكلي لا يحقق أي مصلحة للطرف الأصيل وهوالمنتج .
لذا لابد من تفعيل قانون منع الاحتكار الذي يوفر للمنتج مساحة أكبر من الشاشات رغم محدودية مواقع تلك الشاشات .
16
يظل تعليم السينما يُمثل احدي المشكلات الرئيسية في السينما المصرية، فقبل إنشاء المعهد العالي للسينما عام 1959، كانت الخبرة تنتقل من جيل إلي جيل عبر الممارسة الفعلية، وقد أثمرت هذه الخبرات في ظهور العديد من المواهب الكبيرة التي أثرت السينما عبر أكثر من ستين عاماً قبل المعهد مثل الأساتذة الكبار صلاح ابوسيف وكمال الشيخ وبركات وشادي عبد السلام وتوجومزراحي وحسن الإمام وعز الدين ذوالفقار و فطين عبد الوهاب وعاطف سالم وغيرهم ..
وكان إنشاء المعهد يُمثل طفرة كبيرة في المجال حيث توالت دفعاته منذ عام 1963 حتي الآن أي أن عمره تجاوز الخمسين عاماً، ورغم كل محاولات عمدائه عبر هذه السنوات في ملاحقة التطورات الهائلة في مجال السينما في الصناعة والفن إلاّ أن الوضع الحالي يحتاج إلي إعادة نظر فقد تقادمت المناهج وتهالكت المعدات والمباني، وتراجعت مستويات وخبرات هيئة التدريس .. ورغم وجود بعض الأماكن التي تقوم بتعليم السينما حالياً مثل أكاديمية رأفت الميهي والجزويت وسيماتك .. وغيرها من مدارس السينما في القطاع الأهلي، إلاّ أن المعهد العالي للسينما يظل هوالمكان الرئيسي والأساسي لتفريخ أجيال جديدة من صناع السينما، لذا يجب الإهتمام بالمعهد والعمل علي تحديث مناهج التدريس وتطويرها وتحسين مستوي هيئة التدريس واستقدام أساتذة السينما من مختلف أنحاء العالم كما كان يحدث في سنوات المعهد الأولي، وكذا إعادة البعثات الدراسية وتنويعها شرقاً وغرباً لمواكبة مستحدثات هذا الفن المستمرة، وإلاّ سيظل خريجوالمعهد غرباء عما يحدث في العالم لا يعرفون عنه شيئاً سوي ما يشاهدونه من أعمال أجنبية علي الشاشات .
17
كما يُعاني منتجوالسينما في مصر الذين يضطرون للتصوير خارج الاستوديوهات سواء في أماكن أثرية أوفي الشوارع إلي ما يشبه الابتزاز من قبل الجهات المسئولة سواء في وزارة الداخلية أووزارة الآثار بالاضطرار إلي دفع رسوم عالية جداً ومبالغ فيها بشكل غير طبيعي مما يُثقل كاهل المنتج فيضطر إلي استبدال تلك المواقع بأخري لا توفر المصداقية للعمل الفني أويذعن لما تطلبه تلك الجهات . ويتساوي في ذلك المنتج المصري أوالأجنبي الذي يقرر تصوير بعض مشاهد أفلامه في مواقعها الطبيعية في مصر فهذا يُعاني معاناة مضاعفة ويظل حائراً بين الجمارك التي يدفعها للمعدات ورسوم النقابات ورسوم أماكن التصوير وتصاريح التصوير وتعنت الرقابة ويدور في دائرة بيروقراطية عقيمة جعلت الكثير من شركات الإنتاج الأجنبية يحجمون عن الحضور للتصوير في مصر .
لذا فإنه من الضروري تسهيل عمليات تصوير الأفلام الأجنبية في مصر بإلغاء الجمارك علي المعدات، وإلغاء الضمانات المتعسفة علي دخول آلات التصوير وتخفيف الرقابة أوإلغائها تماماً فليس من المعقول مراقبة عقول وأفكار الآخرين، وننسي إلي غير رجعة ما يُسمي بالإساءة إلي سمعة مصر، فالمشاهدون يعرفون أن ما يُعرض أمامهم هونوع من الخيال وليس الحقيقة في كل الأحوال، حتي في الأفلام التاريخية فهي رؤية صناع الفيلم للتاريخ وليست التاريخ ذاته .
كما أنه من الضروري تخفيض رسوم النقابات الفنية، وادراك أن التخفيض سوف يزيد من ايراداتها وليس العكس، لأنه سيشجع المنتجين الأجانب علي استخدام عدد أكبر من طواقم العمل، ويساهم مع عوامل أخري في جذب الشركات الأجنبية للتصوير في مصر، وكذا توفير الأمن اللازم لطاقم التصوير، وهوما تفعله حالياً دولة المغرب مما جعل تصوير الأفلام الأجنبية بها مصدر دخل رئيسي، يقترب من المليار دولار سنوياً، مما يوفر دعماً للصناعة ذاتها .
ربما يُمكن أن يتم تلافي هذه المشكلات مجتمعة من خلال ما يُسّمي " بالشباك الموحد" الذي سمعنا عنه كثيراً ولم يدخل حيز التنفيذ حتي الآن لأنه يعتمد علي توفير العمالة اللازمة من مختلف الجهات التي تتعامل مع المصنف الفني ولأنه أيضاً يحتاج قبل تنفيذه إلي استحداث أوتعديل التشريعات الحالية، وأن تتوافق الجهات المعنية وتتفق علي ضرورة توفير كل الظروف المناسبة لجعل مصر بأرضها وسمائها وهوائها قبلة لصناع السينما في العالم.
18
وإذا كانت السينما المصرية تعاني من شيخوخة المعدات والآلات وتهالك المعامل والاستوديوهات و دور العرض خاصة الحكومية منها سواء كانت تحت إدارة وزارة الاستثمار أوالمستأجرين أووزارة الثقافة حالياً، فإن الخطر الأكبر علي هذه الصناعة يتأتي من تفشي القرصنة بكافة أشكالها فالفيلم تتم سرقته علناً جهاراً نهاراً، فور نزوله إلي دار العرض، ويفاجأ منتجه بأن قنوات فضائية تعرضه دون إذن أومقابل أية حقوق، مما يتسبب في خسائر جسيمة للمنتجين .. وقد يتسبب في إحجام كثير من صنّاع السينما في خوض تجربة الإنتاج مما يضّر بالصناعة ضرراً بالغاً، ومن ثم فإنه من الضروري تدخل الدولة وأجهزتها الرسمية والوزارات المعنية كالثقافة والخارجية والداخلية والشركة المصرية المالكة لقمر النايل سات الذي تمر هذه القنوات عبره من خلال شراكته مع أقمار أخري عربية أوأجنبية، والعمل علي وقف بث هذه القنوات، ومحاكمة ملاكها إذا كانوا من المصريين من خلال تشريعات مستحدثة تحاول الحد من هذه الظاهرة وتجريم مرتكبيها ..
19
مرة أخري، وليست أخيرة، فإن السينما باعتبارها فكراً وفناً، وصناعة، وتجارة وتُمثل رافداً هاماً من روافد الثقافة الوطنية، بل من أكثرها تأثيراً علي الوعي الجمعي وقدرة علي تغيير الواقع أوالمساهمة في تغييره إلي الأفضل، وإنها إلي جانب ذلك فهي توفر المتعة من خلال عناصر الفرجة .
لذا فقد بات من الضروري أن تعمل الدولة مع المؤسسات الأهلية المعنية مثل غرفة صناعة السينما والنقابات الفنية علي دراسة كل المعوقات والمشكلات والبحث عن حلول جذرية لها، مما يوفر مناخاً مناسباً للمبدع يتمتع فيه بحرية التفكير والتعبير وكذا إمكانية إطلاق خياله في التعبير عن الواقع المباشر أوما بعد الواقع كالخيال العلمي، والعمل علي حل مشكلة الاحتكار في دور العرض وتسهيل إنشاء دور عرض جديدة خارج العاصمة وفي أحيائها وتطوير الدراسة بمعهد السينما وإلغاء الجمارك علي آلات التصوير والمعدات المستخدمة في العملية السينمائية لتوفير أكبر قدر من التكنولوجيا الحديثة، وتسهيل عمليات الاقتراض من البنوك سواء لتمويل الإنتاج أولشراء معدات وإنشاء دور عرض وبحث تخفيض أجور النجوم التي تستهلك جزءاً كبيراً من الميزانية وتوفير الدعم الكافي لكل أنواع الأفلام مع الحفاظ علي حق الدولة و تمويل الدعم من إيرادات التصوير الخارجي وتصوير الأفلام الأجنبية في مصر .. ربما يُسهم ذلك في النهوض بالسينما المصرية وتبوئها المكانة التي تستحقها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.