لم تعد الأخبار السعيدة متوافرة بكثرة على قائمة اليوم، يأتى اليوم متكاسلاً حاملاً قائمته المعتادة عندما تتفحصها بلهفة باحثا عن خبر سعيد أو حتى بقايا سعادة دون خبر.. لا تجد، تتطلع لليوم منتظرًا منه مفاجأة أو قائمة أخرى يخفيها فى مكان ما، يمط شفتيه أسفًا ويرحل. يولد الاعتياد على هذه القوائم اليومية الخالية من السعادة حالة من السكون، ولكن لا يخدعك أسف اليوم ورحيله الكسول المعتاد، أحيانًا تنتاب اليوم فورة من النشاط.. والخبر السعيد الذى تنقب عنه فى القائمة تجده أخبارًا. أروع ما أبدعت مصر السعادة الخبرية التى قفزت أمامى ارتبطت بمقال نشرته على هذه الصفحات العزيزة قبل أسبوعين بعنوان «المناطق المحررة فى القاهرة» تناول المقال ما أصاب «منطقة وسط البلد» أروع ما أبدعت مصر الحديثة. تطرق المقال بعيدًا عن الإصابة إلى تصور ما يمكن أن نفعله لتحرير وسط البلد من القبح وهجمات التيارات الظلامية من الفاشيست الإخوان وأذنابهم من السلفيين. تصورت أن كلمات المقال ستظل أحلامًا ورقية وستبقى «وسط البلد» تستغيث مما فعلوه بها، لكن خاب ظنى وبدأت الحياة تدب فى الأحلام الورقية.. السويعات الأولى فى حياة الأحلام الورقية ولدت فى هذا العدد من «صباح الخير» المجلة التى أحترمها وتُشعر القادم من مدرسة الصورة والخبر والحركة والسرعة بأنه يجب أن يحتاط فى معدلات حركته وسرعته عندما يتعامل مع الرقة التى تفيض بها اللوحات المطبوعة على صفحاتها؛ وعندما تحمل العدد الجديد من «صباح» يتسلل إليك مرح طفولى لأنك تحمل «جاليرى» كاملاً فى يدك. تفاصيل السويعات الأولى فى حياة الأحلام الورقية مدهشة، قرر فريق «صباح الخير» العودة للقرن التاسع عشر متبعا طريق كتاب «وصف مصر». عدل فريق الفنانين الموهوبين بصباح الخير فى عنوان الكتاب الأشهر وانطلقوا إلى وسط البلد بأوراقهم وريشاتهم يرسمون روائع العمارة ويلتقطون حركة البشر فى مهارة نراها فى لوحات فريدة.. ستجعلنا هذه اللوحات نمتلك «وصف وسط البلد» لتزداد وسط البلد فنًا على فن؛ فتتجاور روعة العمارة ورشاقة اللوحة المرسومة..حمل مقال «المناطق المحررة» باقة من الأمنيات لينزاح القبح عن وسط البلد ويتحرر سحر المكان الأسير. إعادة الانضباط لقلب المدينة «نعم حققنا انتصارًا مرحليًا فى إعادة الانضباط لقلب المدينة، وانتصارًا سياسيًا كبيرًا فى كشف الوجه الحقيقى للمسخ الإخوانى وحجمنا جيوش الجراد ويتم الآن تفريغ الاحتياطى الاستراتيجى للقبح الذى صنعه الفساد من أحزمة الفقر والعشوائية.. لكن بقى الداء كامنًا متربصًا. تحتاج المدينة الآن إلى مناطق محررة تمامًا من الظلام والفاشية وقبح العمارة، هذا التحرير ليس ترفًا، إنه المدرسة التى ستعلم الأجيال القادمة قيم المدينة والحصن الذى سيحمى العقول الشابة من الوقوع فى براثن المسوخ والجراد قبل أن يحولوهم إلى أحزمة ناسفة أو متنطعين باسم الرزق الحلال. الطلاء مش كفاية نبدأ التحرير بقلب المدينة.. القاهرة الخديوية.. نعيد له نبضه.. لا نكتفى بالطلاء، نحول القصور المهملة إلى مسارح، نزيل العشوائية المحيطة بالمجموعة المسرحية التى بنيناها بعرقنا ونحن نحيى مشروع النهضة فى الستينيات، ندمر نصب القبح الشاهد على إحراق أجمل ما كان فى القاهرة، الذين بنوا الأوبرا بتكنولوجيا القرن التاسع عشر يستطيع أحفادهم الآن صنع ماهو أروع. نجعل عمارة وسط القاهرة متحفًا مفتوحًا من الخارج والداخل، نغذى عيون المصريين بالجمال، نحشد جيوش الخير من شباب المعماريين والفنانين ليدشنوا هذا المتحف؛ فيحاربوا من أجل بقائه وتطويره ويقفوا سدا أمام المسوخ والجراد.. دعونا نسمع الشعر والموسيقى من شقق البنايات المعمارية التراثية التى تحولت إلى ورش ومخازن للبضائع مجهولة المصدر، يمكن لأى مكان آخر فى القاهرة أن يسع هذه الأنشطة.. بدلا من أن نسمع دعوات تكفيرنا. يبدو حلمًا.. لكن من كان يصدق أن هذه الأمة بعد عام واحد كشفت وأزالت غش وتدليس المسوخ المتاجرين بالدين الذى استمر ما يقرب من قرن. تطوير وسط البلد ما تصورته حلما وأمنية فى مقال «المناطق المحررة» وجدته واقعًا يولد الآن فى وسط البلد بعد صدور القرار الجمهورى المتعلق بأحياء وتطوير القاهرة التراثية أو القاهرة الخديوية وكما يطلق عليها عشاقها وسط البلد. تتحول الأحلام إلى حقائق عن طريق الأجهزة المخول لها تنفيذ القرار الجمهورى. قبل الدخول فى تفاصيل الأحلام المتحولة يجب استيعاب فلسفة إصدار القرار، فالقرار يحمل أبعادًا إنسانية وحضارية تتجاوز الفكرة التنظيمية والقانونية للقرار. تحركت الدولة المصرية بقوة لمواجهة التيارات الظلامية على مستويات عدة وأولها السياسى والأمنى، وهذا جهد يمثل رأس الحربة فى هذه المواجهة ويبقى الجانب الحضارى لإزالة آثار عدوان الظلام على الهوية المصرية وطبيعتها المتسامحة الكزموبوليتان. وسط البلد واحتواء الآخر تعتبر وسط البلد مركز هذا التسامح والانفتاح المصرى على العالم، فكل حجر وتصميم فى هذا المكان السحرى يشير إلى الروح المصرية التى تحتوى الآخر ولا تتنافر معه. صدور القرار الجمهورى هو دفعة جبارة من أجل استعادة الروح المصرية المتسامحة، ولا يوجد أفضل من وسط البلد كمكان تتحقق فيه عودة هذه الروح وبشكل يؤثر فى الأجيال الشابة التى لم تر هذا الوجه المتسامح من قبل. أكدت الدولة المصرية بصدور هذا القرار أن المستوى الحضارى والثقافى فى معركتنا ضد الظلام مكمل لبقية المستويات الأخرى ولا يقل أهمية، فالقرار صدر من رئيس الدولة، مما يعطى دلالة الاهتمام بالمستوى الحضارى والثقافى فى المعركة..الدخول على الجانب الحضارى والثقافى فى المواجهة يؤكد للجميع أن استئصال التيارات الظلامية من هذا المجتمع قرار لا رجعة فيه وأن الانتصار السياسى الذى تحقق عقب ثورة 30 يونيو يتحول الآن إلى انتصار اجتماعى، حضارى، ثقافى. خطة جهاز التنسيق الحضارى! ننتقل إلى تفاصيل الأحلام المتحولة إلى واقع فحسب الخطة التى سينفذها جهاز التنسيق الحضارى سيتم أولا المحافظة على المبانى التراثية فى وسط البلد من خلال تجديدها داخليا وخارجيا وتطهيرها من الأنشطة الضارة التى تؤثر على سلامة المبنى. لن يتم فقط الاهتمام بالمبنى، بل ستزدهر الأنشطة الثقافية والفنية المستقبلة للأجيال الشابة لتصبح هناك مدرسة مفتوحة تمتزج فيها فنون العمارة والموسيقى والشعر. ستستعيد وسط البلد ما فقدته أيضا، فهناك اتجاه لإعادة مبنى الأوبرا الذى احترق فى ظروف غامضة؛ وإزالة نصب القبح المسمى بالجراج، والاتجاه الآخر إعادة الروح إلى المجموعة المسرحية المبهجة المتواجدة فى العتبة، وإحياء حديقة الأزبكية التاريخية التى كانت الأروع فى الشرق الأوسط. إن تحرير منطقة وسط البلد من القبح والهمجية معركة سيتحقق فيها النصر للدولة المصرية بعد سنوات ساد فيها الظلام. إن العمل الذى تم وسيتم فى وسط البلد بعد صدور القرار، يعنى شيئًا واحدًا أن النور أصبح له خريطة طريق سيسير على هداها حتى يعود آمنا.•