تفاجأ البعض بقرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتغريم الأعمال التى تحمل ألفاظًا بذيئة وأى وسيلة إعلامية يصدر منها لفظ مسىء مبلغ 200 ألف جنيه.. انقسمت الآراء بين من يرى أن القرار جاء فى وقته كأداة ضبط أخلاقى واجتماعى، خاصة بعد أن أصبح اللفظ البذىء والسُباب والإيحاءات البذيئة أمرا اعتياديا فى الأعمال الدرامية، وأصبحت الساحة الإعلامية مكانًا للخلافات الشخصية والخوض فى الأعراض بعيدا عن القضايا الرئيسية. وبين من يرى أن العملية الفنية يجب أن تكون مجردة بمعزل عن أى وصاية من أحد اللهم إلا تقارير الرقيب التى تجيز العرض ومادام قد أُجيز عرضه فلا وصاية لأحد من بعده. وينسى أصحاب هذا الفريق أن الكثير من الأعمال التليفزيونية لا يُقدم للرقابة منها إلا ملخص بعدد معين من الحلقات وأصبح هذا اعتياديًا فى الأعوام الأخيرة ويبدأ التصوير «على الهوا» وتسلم الحلقات للفنانين أنفسهم يوما بيوم للحاق بالسباق الرمضانى فتهرب بعض الحلقات من الرقيب نفسه، فما الحل وكيف يرى الصناع الحل الأمثل للخروج من هذه الدائرة المفرغة. منذ أسابيع تقدم دكتور خالد عبدالجليل رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بعدة بلاغات ضد عدد من الأعمال، لعدم حصولها على تراخيص من الرقابة خاصة أن بعض الأعمال الآن يبدأ التصوير فيها والتعاقد مع القنوات على عرضها قبل أن ينتهى المؤلف حتى من الكتابة. وهنا يظل السؤال: هل فرض الغرامة والالتزام بالكود الأخلاقى هو الحل، أم أن هناك حلولاً أخرى يجب أن نبحث عنها؟ يدافع رئيس المجلس الأعلى للصحافة والإعلام مكرم محمد أحمد، عن القرار قائلا: قرار المجلس جاء بسبب ما نشهده من تجاوزات بلغت «قلة الأدب»، والقرار حقق نتائج عظيمة حتى الآن، وهو واجب أخلاقى ولا يمس الجانب الإبداعى لأى عمل، لأننا هنا نتكلم عن اللفظ المسىء وليس لنا علاقة بمجريات أحداث الدراما ولن نتدخل أبدا فى شىء من هذا القبيل. يتابع مكرم: قمنا بتعريف الكلمة البذيئة التى يُعاقب عليها، كالألفاظ القبيحة التى تسُب الأب والأم والدين وتخرج عن تقاليد المجتمع، والناس قبلت بهذا ورفعت الكلمات البذيئة، والنتائج مدهشة وهناك استجابة عالية جدا لهذا القرار، لم أكن أتوقع أن تتم بهذه السرعة. وأعتقد أن ما مرت به الدراما الفترة الماضية كان نتيجة مرحلة من الفوضى المجتمعية وكانت الحدود تائهة بين الصواب والخطأ، وقمنا مؤخرا بمنع بعض الإعلانات أيضا منها إعلان للملابس الداخلية، خاصة أنه كان مثيرًا لحفيظة البعض. «الكود الأخلاقى» يوضح مكرم الخطوات التالية للقرار: مازلنا نعمل على وضع كود أخلاقى فيما يخص قضايا الطفل والمرأة، وكود لتناول القضايا العربية العربية فمن حق الصحفى المصرى أن يدافع عن حقوق بلده بكل ما أوتى من قوة لكن دون أن يسب أو يلعن ويخوض فى الأعراض، لأن السباب يضعف المواقف، ويبعدنا عن القضية الأساسية. التصنيف الكوميدى «القرار يحمل حلا ولكن يجب أن يكون موضوعيًا وبمعزل عن الآراء السياسية» هكذا رأى الكاتب الكبير بشير الديك، لافتا إلى حالة الانحدار التى طالت لغة الأعمال التليفزيونية قائلا: الرقابة دورها مهم وموجود فى العالم كله لأن نسبة «الفلَتًان» أصبحت صعبة خاصة فى التليفزيون، فى السينما المسألة أكثر أريحية لأننى أختار ماذا أشاهد ومع من. ويكمل: أنا مستفَز جدا من التصنيف العمرى المستحدث على الفيديو فنحن لسنا فى السينما بل فى المنزل، فكيف أجبر أحد أفراد الأسرة أن يترك مكانه معنا ويغادر الغرفة لأنه أقل من تصنيف العمل.. شىء كوميدى ومستفز جدا. أما بالنسبة لقرار الغرامة فأعتقد أنه حل إيجابى ولكن يجب أن تكون الرقابة مستنيرة كى لا تتحول إلى أن المخالف سياسيا توقع عليه الغرامة، لكن محاولة ضبط الإيقاع بشكل عام هى خطوة إيجابية، خاصة أننا نعيش مباراة فى السُباب والإيحاءات البذيئة. الأعمال الجيدة.. الحل «الفن لا يجب أن يحمل سبابًا أو أن يحوى ما يخدش الحياء» هكذا يرى المخرج الكبير محمد فاضل القرار فيقول: لو رجعنا إلى الفن اليونانى وأدب شكسبير سنجد أن هناك قواعد للفن، والدراما التليفزيونية تختلف عن الدراما المسرحية أو السينمائية، لأن التليفزيون يفرض نفسه على المتفرج، ولا يخبرنى أحد بأنه (فى ريموت كنترول) أنا أرفض هذه الحجة تماما. يطالب فاضل بأن يجلس المختصون معاً، وإلا لن تُحل مشكلة الدراما التليفزيونية ولا حتى بقرار الغرامة الحل بإنتاج أعمال جيدة تنافس الأعمال التى نراها الآن ويصنفها البعض بمسفة أو خادشة. ويتساءل فاضل: أين دور النقابات الفنية، إنها لا تقوم بدورها وإذا اجتمعت كل هذا الأطراف لوضع حل لن نضطر لتوقيع أى غرامات، بالإضافة إلي إهمال القائمين على الأعمال عن تقديم أعمالهم للرقابة والاكتفاء بملخصات الحلقات، يعنى عدم تعاون الصناع أنفسهم، نحن بحاجة إلى تطبيق القانون بصرامة من المنبع، وأن يصبح الرقباء على قدر عالٍ من الفهم وألا يكونوا موظفين، لدينا ما يكفى من قوانين ولكن لا نطبقها. وباختصار يقول: رسالتى للمجلس الأعلى للإعلام: لا نقوم بحل المشكلة بشكل جزئى، يجب أن نقوم بوضع إطار عام لحل كل المشاكل أو استراتيجية وليس الاكتفاء بوضع غرامة. الالتزام بالرقابة هذا ما أكده الناقد وليد سيف ويرى أن قرارًا مثل هذا يلزم الرجوع فيه إلى الرقابة على المصنفات الفنية ونقابة المهن التمثيلية، لأن هذه هى الجهات المنوط بها الحديث عن العملية الفنية أو تتكلم عن المحاذير الرقابية الخاصة بالأعمال، فيكفى جدا أن هذه الأعمال تم عرضها على الرقابة والرقابة الآن بها تصنيف عمرى وبها قوانين جديدة متطورة جدا. يؤكد وليد أن الصلاحيات ليست إلا لهذه الجهات، وهى المسئولة عن إجازة هذه الأعمال، وتعدد الجهات سيعيق هذا العملية الفنية، لن نتفق جميعنا على مفهوم واحد للإسفاف أو للتجاوز.