خالد عبدالجليل مستشار وزير الثقافة لشئون الإنتاج الثقافى والسينما ورئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، هذا هو منصبه، ولكن على حد تعبيره فهو يفضل أن يكون سينمائيًا وصاحب مشروع، لديه مشروعه الفنى ومهمته الأساسية الارتقاء بالذوق العام فهو كما قال: «تعودت فى العمل العام أن أقول أشياء يعتبرها الناس أوهامًا»، خالد عبدالجليل هو رئيس لأحد أهم الأجهزة الرقابية التى يُثار حولها الجدل طوال الوقت .. إنه جهاز الرقابة على المصنفات الفنية. حول هذا الجهاز الخطير، طرحت عليه بعض الأسئلة, خاصة عن الجدل غير المنتهى حول جرأة الدراما ودور الرقابة فى هذا والانتقادات الدائمة للرقابة سواء من قبل الإعلام أو المشاهد العادى ومن قبل الفنانين أنفسهم - أحيانا - وعن دوره منذ توليه منصبه وخطط التطوير وآليات تنفيذها والمشاريع المستقبلية لتطوير الصناعة والحفاظ على التراث. • مشاكل جهاز رقابى مهم مثل الرقابة على المصنفات الفنية بالتأكيد متعددة.. ما هي؟ - الحقيقة أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية يعانى منذ سنوات طويلة من عدم وجود هيكل تنظيمى قوى له بمعنى أن الجهاز يحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة، وأنا من حوالى عامين بدأت بوضع تصور لإعادة هيكلة الرقابة على المصنفات الفنية، هذه الهيكلة بنيتها على أساس التصنيف العمرى وأن يتم إنشاء مركز استشارى داخل الرقابة، هذا المجلس يتكون من المتخصصين فى علم النفس وفى علم الاجتماع والتواصل والتلقى لوضع قواعد التصنيف العمرى، ويتم تأسيس وحدة تطوير أداء للرقباء ووحدة بحوث دراسات اجتماعية وسياسية للتغيرات التى تطرأ على المجتمع، لكى تكون الرقابة طوال الوقت على اتصال مع المجتمع وجميع التغيرات الطارئة عليه التى تؤثر على التوجهات العامة والرأى العام، وهذا التصور تم عرضه على لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة وتم تصعيده بعد ذلك عبر اللجنة الوزارية العليا المشكلة برئاسة رئيس الوزراء بعد موافقة الوزير «حلمى النمنم» على إعادة الهيكلة، وفى الاجتماع الأخير للجنة الوزارية العليا للسينما تم تكليف الوزارة بإعادة هيكلة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وهذه أعتبرها أول خطوة. الخطوة الثانية: نحن نعانى فى الرقابة من قلة عدد الرقباء نسبيا رغم أن لدينا عددًا من الرقباء الأكفاء، ولكن بالفعل عددهم قليل نسبيا فنحن لدينا 20 رقيبًا عربيًا و20 رقيبًا أجنبيًا وعدد رقباء المسرح قليل وعدد المفتشين لك أن تتخيلى أنه لدينا 7 مفتشين فقط مطلوب منهم التفتيش ومتابعة تطبيق قرارات الرقابة على 400 دار عرض سينمائية وعلى كل مسارح مصر وعلى كل المنتجات السمعية والبصرية فى مصر كلها وهى مهمة تكاد تكون مستحيلة، وبالتالى فهم يبذلون مجهودًا خرافيًا خاصة إذا تحدثنا عن موسم مثل موسم رمضان، فالعام الماضى تم تقديم سبعين مسلسلاً فى ثلاثين حلقة، إذن نحن بصدد الحديث عن 2100 حلقة، تتم قراءتها فى شهرين، وفى ظل نسق الإنتاج الحالى للدراما التليفزيونية فهناك حلقات تتم كتابتها على الهواء، ومن إحدى القواعد الرقابية أيضا رقابة ومطابقة المنتج قبل البث إذن هى مهمة مستحيلة، فهناك جهاز المطلوب منه - وفقا لقرار إنشائه -حماية مصالح الدولة العليا، الارتقاء بالذوق العام على المستوى السمعى والبصرى فى سياق هيكلى تنظيمى غير موجود وفى سياق كم من الطاقة البشرية غير موجود وفى سياق تردى مستوى تدريب الرقباء إذن فهذا ينعكس على الأداء. الحل الوحيد لتلك العقبات هو إعادة الهيكلة بالكامل والاستعانة بكوادر فى جميع التخصصات سواء فى الإدارة العربية أفلام ومسلسلات ومسرحيات من خريجى أكاديمية الفنون، أو العاملين فى قصور الثقافة لأننا نعانى من تكدس من الموظفين الذين تجب إعادة توظيفهم بعد تدريبهم بحيث يكونون مؤهلين للعمل داخل جهاز الرقابة. مشاكل أخرى • هل هناك مشاكل أخرى خاصة العلاقة بين الرقابة وكل من الإعلام والرأى العام دائما ما تتسم بالحساسية؟ - أنا أعذر الإعلام وأعذر الرأى العام وهدف إعادة الهيكلة هو تغيير مفهوم الرقابة، أنا لدى رغبة أن تتحول الرقابة أو الرقيب نفسه من «مخبر» إلى شرطى مرور، من مخبر يتربص بالأفلام ليقتطع منها إلى شرطى مرور، وهذا سيكون عن طريق التصنيف العمرى، فطوال الوقت الصراع مع الرقابة ومع المنتجين والمبدعين يكون على القطع من الأفلام فى مقابل العرض العام، فلماذ هذا التكالب والتقاتل على العرض العام، فالعالم كله يتبع التصنيف العمرى، والتصنيف العمرى له العديد من المحددات والمؤشرات الكافية لتمرير 99% من الأفلام، وهنا تواجهنا مشكلتان أولاهما عدم وعى كثير من المنتجين بأن هذا التصنيف - العمرى - موجود فى العالم كله، وهو نوع من التطور للتلقى ولم تستوعبه صناعة السينما فى مصر ولا المنتج، فالموزع الآن لديه اعتقاد أنه إذا صنفت الفيلم لأعلى من 15 عامًا أو أعلى من 18 أنك تؤثرين على الإيرادات، ومن هنا تواجهنا أزمة إصرار بعض المنتجين على صناعة أفلام كانت فى السابق تُعرض عرضًا عامًا، لكن هى غير مؤهلة تربويا ولا اجتماعيا ولا سياسيا للعرض العام، وبالتالى لابد من إعادة وضع مفاهيم جديدة لدى المنتجين والموزعين، فكل المبدعين الآن يحاربون من أجل التصنيف العمرى، لكن هذا التصنيف على الأرض تواجهه عدة مشاكل أهمها عدم استيعاب الموزعين والمنتجين لمفهموم التصنيف العمرى وأن التصنيف العمرى يتعلق فقط بالعرى أو الجنس أو بالسياسة، وهذا مفهوم خطأ تماما، فكيف يُعقل أو يليق أن تُعرض أفلام فى السنوات العشر الماضية تم عرض أفلام بها مشاهد تعاطى أطفال للمخدرات وتُعرض عرضًا عامًا، فأنا هنا لست ضد أن يظهر هذا فى الأفلام ولكن من الناحية التربوية والاجتماعية والسلوكية لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتم عرض هذا على الأطفال، فهذه مسألة غير مقبولة على الإطلاق خاصة فى مجتمع نسبة كبيرة منه تعانى من الأمية وسبعون فى المائة من مرتادى السينما فيه تحت سن 12 سنة، لذلك فإن الإصرار على العرض العام حتى وقتنا هذا أراه غريبًا جدا خاصة فى ظل ما حدث فى المجتمع الفترة الماضية من مشاكل وكوارث نتيجة اكتساب الأطفال أو المراهقين فى علم اجتماع السينما بالسلوك المُحاكى، يجب أن نكون مدركين أن السينما هى جزء من تربية النشء وأن أهمية أن تُوجه الرسائل لمن يستطيع أن يستوعبها. نظرية مؤامرة • هل هناك نظرية تآمر من قبل الصناع من ناحية والجمهور من ناحية أخرى؟ فصناع الدراما غالبا ما يتهمون الرقابة بالتعنت، أما الجمهور فيتهم الرقابة بالتسيب لظهور مشاهد أو ألفاظ معينة؟ - نظرية المؤامرة هذه ترجع إلى تراث الرقابة ومن تراث تعامل الرقابة مع الأفلام ومن تراث فكرة الرقابة بمفهومها القديم العتيق المنتهى فى العالم كله، أنها ليست تصنيفًا عمريًا، ومفهوم القطع الذى يتجاوز دائما كل الحدود وأنا اعتقد أن فى العام الماضى الذى كُلفت فيه بالرقابة بدأ يتم تطبيق التصنيف العمرى، وكانت المرة الأولى فى رمضان الماضى بأن يظهر التصنيف العمرى على المسلسلات الدرامية، وبالتالى اعتقد أننا فى مرحلة تحول، ولكن هذا التحول مع وضع قائم منذ سنوات طويلة جدا فتغيير مفهوم الرقابة سيتطلب وقتًا، فأنا مشروعى تعديل وتغيير مفهوم الرقابة ومفهوم تعامل المبدعين مع الرقابة. لدينا خطة طويلة وتلك الخطة هدفها الأسمى أن يتم تطبيق التصنيف العمرى بمنتهى الجدية على كل المواد المذاعة سواء أفلام أو مسلسلات أو برامج، وهذا على أكثر من مرحلة تتضمن توفير الأدوات الكافية لتنفيذ هذا القانون على أرض الواقع وجعله قاعدة عامة وتعديل بعض التشريعات المتعلقة بالعقوبات على من لا ينفذ التصنيف العمرى، وهذا سيدخل قريبا مجلس النواب لعرضه على المجلس التشريعى. • القضية الأزلية والجدل الدائم بعد انتهاء كل موسم رمضانى التى تتعلق بالألفاظ النابية على الشاشة والمشاهد الخادشة والإيحاءات، كيف تتعامل الرقابة معها خاصة أنها كما فهمت تمر على الرقابة لإجازة العمل وكذلك تجب متابعتها بعد التنفيذ وقبل البث؟ - هذه النوعية من المسلسلات من المفترض أن تخضع للتصنيف العمرى ويجب التنويه على العمل قبل بدئه، وأنا أقول لك إنه رغم أن هذه الخطوة بدأت فى مسلسلات هذا العام فإنها لم تكن بالطريقة السليمة التى تحدث فى أى دولة فى العالم بطريقة واضحة وصريحة على الشاشة عليك كمشاهدة بعد أن تشاهدى هذا التصنيف ألا تجعلى أولادك يبقون أمام الشاشة لمشاهدته، وهذا ما يحدث فى العالم كله. أنا ضد المنع وضد القطع، فهناك فرق بين الارتقاء بالذوق العام ومنع الابتذال وما بين محاولة توجيه المواطن طوال الوقت فهو من حقه أن يسمع ويرى ما يريد دون توجيه، ولكن فقط بالتنبيه ولكن إذا كان المحتوى يتجاوز كل القيم والحدود المسموحة أن يتم عرضه فى نطاق البيت والأسرة، فالرقابة هنا تتدخل لتخفيف وطأة هذه الأمور، والأمور هنا تتوقف على أمر آخر وهو تصوير معظم حلقات المسلسلات على الهواء، وكذلك مشكلة أخرى مع القنوات فى بروتوكولات كل القنوات مع المنطقة الإعلامية الحرة أنها لا تبث أى مادة سمعية بصرية إلا بموافقة الرقابة، وهذا لا يحدث، والغريب والمضحك والمثير للدهشة أن المحطات التى تقدم برامج توك شو يومية والتى ترفض الألفاظ والمشاهد الخارجة فى المسلسلات هى نفسها التى تبث هذه البرامج دون العرض على الرقابة، فالمشكلة فى القنوات قبل أن تكون فى المنتج نفسه كما أن هناك مسلسلات عُرضت فى رمضان الماضى ليس دون موافقة الرقابة، بل دون العرض على الرقابة أساسا، ولكن كل هذا سيتم النظر فيه حين يتم تفعيل البروتوكول الموقع مع المنطقة الحرة. المسلسل يُقدم منه فى البداية 15 حلقة لنعطى التصريح بالتصوير، وغالبا ما يتم التغيير فى هذه الحلقات التى تمت الموافقة عليها، الفيصل هنا هو المشاهدة والتقييم الرقابى قبل البث. والفيصل هنا فى تشديد عقوبة المخالفة على البث دون مشاهدة الرقابة للمنتج السمعى البصرى سواء كانت العقوبة مرتبطة بالبث أو عقوبة مادية. • فلتحدثنا عن الشركة القابضة وعودتها لوزارة الثقافة. - نحن الآن بصدد إنشاء الشركة القابضة للصناعات الثقافية التى ستتبعها شركتان هما شركة للسينما تضم أصول السينما وتضم أربعا وعشرين دار عرض وأربع مجاميع استوديوهات وأرض مدينة الفنون فى الهرم وشركة أخرى للتراث والصناعات التقليدية والحرف التراثية، شركة السينما وضعنا لها تصورًا لأن تكون فاعلة فى ازدهار صناعة السينما، ولدينا مشروع مرتبط بالحفاظ على التراث السينمائى المصرى، وذلك عبر إنشاء الأرشيف والسينماتك ومتحف السينما ومزار سينمائى فى أرض مدينة الفنون بالهرم وهو مشروع دولى اسمه مشروع «مدينة السينما» سوف تتحول من خلاله مدينة الفنون بالهرم إلى مدينة للسينما، سيتم إلحاق مبنى سينماتك بسينما رادوبيس بالهرم، ويتم عمل تطوير تقنى ومعمارى للمعمل ليتحول إلى أرشيف به وحدة ترميم، وسيتم عمل مكان للتصوير مفتوح ومتحف للسينما وسيشاركنا فى هذا التطوير خبراء من فرنسا وإيطاليا، بدأوا بالفعل فى وضع تصوراتهم لهذا المشروع، وتم تقديم هذا المشروع فى اللجنة الوزارية العليا وتحمس له السيد شريف إسماعيل رئيس الوزراء ووزير التخطيط بعد عرضه على وزير الثقافة. • مشروع مثل السينماتك والأرشيف غاية فى الأهمية، ولكن لماذا تأخرت هذه الخطوة إلى الآن؟ - عودة أصول السينما نفسها، فالدولة بشكل عام من أعلى قياداتها حتى جميع المؤسسات مهتمون جدا بالحفاظ على التراث السينمائى المصرى الذى شكل الهوى والهوية العربية على مدى سنوات طويلة جدا، ومن ضمن روافد صناعة الثقل المصرى فى المنطقة وهو الإنتاج الإبداعى المصرى، لذلك فهذا المشروع الضخم محط انتباه الدولة، وبالتالى تم تكليفى به من قبل وزير الثقافة واللجنة الوزارية العليا بوضع التصور الاقتصادى والفنى والتجارى له. وبجانب الحفاظ على التراث هناك جانب آخر يختص بتعديلات تقنية ومعمارية على أعلى مستوى لاستوديو النحاس واستوديو المدينة 1 و2 الموجودين بمحيط مدينة الفنون، وستكون هناك زيارة قريبة من قبل خبراء الجمعية السمعية البصرية التابعة لليونسكو لمتابعة أعمال تقنية لوضع تصور للتطوير التقنى والمعمارى للاستوديوهات. تعودت فى العمل العام أن أقول أشياء يعتبرها الناس أوهامًا، وهذا ما قلته منذ سنوات عندما قلت إننى أتمنى أن أوفق فى إعادة أصول السينما إلى وزارة الثقافة ووقف بجانبى جميع السينمائيين ولجنة السينما فى المجلس الأعلى للثقافة وكل أساتذتى، والآن أتمنى أن تلعب النقابة دورا فى الارتقاء بالذوق العام وفى تغيير مفهوم الرقابة، وسأحارب فى هذا إلى أبعد مدى خاصة أننى لاعب فى مسرح لا أرغبه وليس لديّ فيه أطماع وليس لديّ ما أخاف عليه. حقوق الملكية • ماذا تفعل الرقابة بصدد حقوق الملكية الفكرية فيما يخص الأغانى التى يتم عرضها فى الدراما التليفزيونية أو السينما سواء بالنسبة للشعراء أو الورثة؟ - نحن الآن نحاول بالتعاون مع اتحاد الفنانين العرب وبالتعاون مع جمعية المؤلفين والملحنين وبالتعاون مع النقابات والجهات المعنية أن تتم مناقشة كل ما يضمن حقوق الأداء العلنى وتحصيلها، ولجعل المنظومة أكثر احترافية فيما يخص حقوق الأداء العلنى سواء للورثة أو من هم على قيد الحياة. • ماذا عن الأزمة التى أُثيرت مؤخرا حول حضورك لأحد العروض الخاصة، والجدل حول الحيادية التى يتطلبها منصب رئيس الرقابة؟ - أنا سينمائى وأستاذ فى معهد السينما، رئيس قسم السيناريو فى معهد السينما قبل انتدابى كمستشار للوزير للسينما، عملت فى جهات كثيرة وكنت رئيس المركز القومى للسينما، موجود فى الحقل السينمائى لسنوات طويلة وبشكل فاعل، وبالتالى فإن معظم السينمائيين أصدقائى وزملائى وطبيعى جدا حضورى لتهنئة زملائى بأعمالهم، فوجئت بعد حضورى العرض الخاص لأحد الأفلام ببعض المواقع تتساءل: لماذا هذا العرض تحديدا؟ أولا أنا لى كامل الحرية لحضور العرض الذى أريده لا أنتظر توجيهًا من أحد أو أى تنظير فيما يخص منصبى وواجباته، أنا أذهب كسينمائى وأصدقائى يدعوننى كسينمائى وموقعى فى الرقابة موقع مؤقت واختيارى للفيلم الذى سأشاهده هو حرية شخصية، ورئيس الرقابة هذا ليس كائنًا خرافيًا يستيقظ ليتخفى وراء نظارته ويبدأ التربص بالناس، وأنا أشاهد الأفلام وأهنئ زملائى، ولكن يسرى نصر الله صديق عمرى ذهبت لتهنئته، وهذا حق أصيل لى كسينمائى وصديق وقيمة فنية.•