عقب ستة أعوام من التفكير، وعام ونصف العام من التحضير، الكتابة والبحث، أخيرا قرر الكاتب والسيناريست الكبير مدحت العدل تقديم مسلسله حارة اليهود، وكالعادة جاء رد الفعل حول المسلسل متباينا بين مع وضد، ولكن نظرا لثقته ويقينه التام بقيمة وأهمية الموضوع الذى يتضمنه مسلسله حارة اليهود، قرر د.مدحت العدل الاستمتاع بنصف الكوب المليان، نظرا لما ناله مسلسله من جماهيرية، نسب مشاهدة عالية، وإعجاب أكبر عدد من المشاهدين بالمسلسل، مع استيعاب تام لصدمة واستفزاز البعض الآخر. • دعنا نبدأ من السبب الرئيسى وراء اختيارك للفترة الزمنية ما بين 1948 و 1954 لتقديم أحداث المسلسل؟ - باختصار لما لها من أهمية فى تاريخ مصر، فخلالها اندلعت حرب 1948 ونشأت دولة إسرائيل، كما تم انحلال جماعة الاخوان المسلمين، بالإضافة إلى مقتل النقراشى وحسن البنا، أيضا حريق القاهرة وقيام الثورة، وتغيير البنية الاجتماعية فى مصر. • حالة من الجدل والصدمة تسبب فى إثارتها مسلسل حارة اليهود منذ عرض أولى حلقاته، التى برأيى لم تعد بالأمر الغريب على د.مدحت العدل فى كل مرة ينوى فيها تقديم أحد أعماله الفنية.. تفسيرك؟ - على مدار أعوام طويلة اعتدنا جميعا على ما يتم تصديره لنا فيما يخص صورة اليهودى، فهو نفسه الجاسوس، الخائن، إلى أن تم عرض حارة اليهود ليقوم بضرب جميع تلك المسلمات، وعليه كان من الطبيعى أن يكون هناك من هو مع ومن هو ضد، وبالتالى فما هو إلا بعض الوقت حتى يتم استيعاب الأمر والاعتياد عليه. • يحسب على المسلسل تناوله لشخصية ليلى، الفتاة اليهودية المثالية، التى اعتمدت على إبراز أفضل ما فيها، وعلى النقيض تناوله لشخصية ابتهال الفتاة المسلمة التى تعد النقيض لشخصية ليلى.. تعليقك؟ - أنا لا أقدم ابنة لشيخ أزهرى، بل أقدم فتاة لأب بلطجى، وعلى الرغم من ذلك تظل شخصية «ابتهال» مجرد نموذج تناوله المسلسل لا يجوز لنا أن نربط بين كونها مسلمة وكونها راقصة، هذا بالإضافة إلى ما تضمنه المسلسل من العديد من النماذج المسلمة الإيجابية التى نذكر منها شخصية على، والده، فى الوقت نفسه هناك شخصية ليلى التى تمثل النموذج الطيب من الجانب اليهودى فى المسلسل والتى تعد مجرد نموذج إيجابى أيضا إلى جانب العديد من النماذج السلبية من تجار مهربين وصهاينة، فمن خلال المسلسل هناك تسع شخصيات يهودية من ضمنهم ثلاث شخصيات فقط إيجابيون، إذا هذا الهجوم ليس له مبرر، فمن خلال جميع الأديان مسلمين، مسيحيين، يهود، وحتى بوذيين سيظل هناك الخير والشر، فأنا من خلال حارة اليهود أتحدث عن البشر، الإنسان بغض النظر عن ديانته، فأنا أقدم المصريين، تاركا أمر الدين لله، فنحن لا صلة لنا بهذه العلاقة بين المرء وربه. • ولكن البعض فسر هذا أنه بمثابة نوع من التعاطف مع يهود مصر.. تعليقك؟ - أستطيع أن أجزم أن من قام بهذا التفسير هم فقط اصحاب العقول الضيقة، فمن يتطرق لهذا النوع من التصنيف، كان عليه ألا يشاهد المسلسل، فأنا أتحدث عن بشر مصريين بغض النظر عن هل من أتحدث عنه حرامى أم على باشا مبارك، فالعالم المصرى عندما أصبح عالما يرفع اسم وطنه أمام العالم كله، لم يسبق لأحد أن تساءل عن ديانته بل دائما ما نتحدث ونتساءل عن جنسيته، فنحن نفخر بالعالم الكبير د.أحمد زويل لا باعتباره مسلما بل باعتباره عالما مصريا، وهذا لأن الدين لا دخل لنا به، فهى صلة خاصة بين الإنسان وربه، مع الأخذ بالاعتبار داعش، المسلم، الذى يذبح باسم الاسلام. • فى الفترة ما بين 1948 و 1954 لم يكن هناك بيوت دعارة على أرض الواقع.. تعليقك؟ - غير صحيح، فما ثبتت صحته تاريخيا أن بيوت الدعارة تم إغلاقها بأمر من الزعيم جمال عبدالناصر فيما عدا ذلك ما هى إلا شائعات. • وماذا فيما يخص الغارات؟ - الفاصل بينى وبين أى فرد يعارض فكرة الغارات فى ذلك الوقت هو كتاب العروش والجيوش.. الذى يفيد بوجود غارات على القاهرة فى ذلك الوقت. • اعتمدت فى سرد أحداث المسلسل على الطبقة المتوسطة، رغم أن المعروف عن سكان حارة اليهود انتماء أغلبيتها إلى الطبقة الفقيرة؟ - «بالضبط فحارة اليهود عبارة عن سبعين حارة فيها الفقير والمتوسط، ونظرا لانتمائى للطبقة المتوسطة واعتزازى بهذا الانتماء، أرجح دائما التعبير عن حال أفرادها، لذلك تجدوننى يقع اختيارى عليها بطلا لأحداث أى عمل فنى أقدمه، وهذا من حقى فأنا لدى مطلق الحرية فى الاختيار والتعبير. • مع بدء عرض المسلسل فوجئنا بدعوات لوقف عرضه .. كيف كان استقبالك لها؟ - على فكرة المسلسل تم عرضه على الرقابة وقد أشادت به، أيضا تم عرضه على الجيش لأنه يتضمن شخصية «على» رجل الجيش والحمدلله الجميع أثنى على المسلسل، وأعتقد أنه بالأمر الكافى بالنسبة لى، فيما عدا ذلك لا يعنينى، خاصة إذا كان الهدف من مطالبة بعض المحامين بوقف المسلسل نوعا من جذب الانتباه ومحاولة لتحقيق الشهرة، كما أن هذا ليس بالغريب علينا، فماذا عن سجن النسا؟! الداعية؟! وتحت السيطرة؟! فنحن قد اعتدنا هذا الجدل، وفى النهاية لا يقف حاجز بيننا وبين الاستمتاع بنجاح العمل مع جمهوره الذى أشاد به. • بمناسبة الحديث عن الرقابة، بعض الكتاب هذا العام أعربوا عن استيائهم من حذف بعض العبارات والمشاهد الخاصة بأعمالهم.. فماذا عن حارة اليهود؟ - الحمدلله لم يتم حذف أى عبارة أو مشهد من مشاهد المسلسل، فأنا دائما لدى يقين أننى أحق رقيب على أعمالى، لذلك لا أنتظر من يقوم بدور الرقيب فيما يخص أى عمل فنى أقدمه، أو يعطى ملحوظاته على مشهد خارج أو عبارة خارجة يتضمنها أحد أعمالى، فأنا فقط من يستطيع حسم هذه الأمور لأننى أكثر إلماما بموضوع العمل الفنى الخاص بى، باختصار أنا أكثر إدراكا بما أريد أن أقوله من خلال مسلسلى دون أن أجرح المشاهد، وبالمناسبة على مدار أعوام طويلة لم يتم حذف مشهد واحد من أى عمل فنى يخصنى، فمعظم المشاكل التى عادة ما يتم إثارتها عقب أى عمل فنى أقدمه هى مشاكل مصدرها الرئيسى الاختلاف فى التوجهات الفكرية. • هذا فيما يخص حالة الجدل التى أثارها المسلسل، ولكن ماذا عن أقوى ردود الأفعال الإيجابية التى تلقيتها منذ بدء عرض المسلسل؟ - أثناء العمل على المسلسل كنت أبحث عن جماهيريته وبالفعل الحمدلله المسلسل كسر الدنيا فى العالم كله وذلك نظرا لأهمية الفكرة المطروحة من خلاله، فأنا كمن قذف بحجر فى مياه راكدة وهذا تحديدا ما يعنينى بشأن المسلسل، فأنا من الممكن أن أقدم مسلسلا الجميع يشيد به ويؤكد نجاحه ولكنه يمر مرور الكرام، ولكن هذا ضد تفكيرى وقناعاتى، فأنا بحكم خبرتى لو لم أكن قادرا على تقديم قضايا مهمة تجبر المشاهد على التفكير والتصرف بشكل صحيح، بغض النظر عن كونه معى أم ضدى، فلن أفعل، والحمدلله هذا ما حققه حارة اليهود، من جماهيرية، أعلى نسب مشاهدة وإعلانات، بغض النظر عن أى انتقادات أو سقطات تاريخية أشار إليها البعض، فهى أمور محور للنقاش والجدال ولكن هذا لن ينفى متعة الحكى، الأداء التمثيلى المميز لجميع أبطال حارة اليهود، الإنتاج، الإخراج وغيرها من العناصر التى تميز بها حارة اليهود والتى تؤكد نجاحى. • على غرار هذا النجاح ، هل هناك احتمال تقديم جزء آخر من المسلسل؟ - أنا لا أقدم مسلسلا استثمارا لنجاح مسلسل آخر، فأنا ما وددت قوله فى حارة اليهود الحمدلله نجحت فى قوله، ولكن إذا وجدت خلال الفترة القادمة ما هو جديد فى الموضوع وما يستحق الطرح من خلال أحد الأعمال الفنية بالتأكيد لن أتردد ولكن حتى الآن لم تتضح الصورة بالنسبة إلى، فأنا أعتقد أن هناك قضايا أخرى كثيرة لابد من طرحها فى الفترة القادمة. •