قد يختفون قليلا.. ويزحف الضوء المراوغ بعيدا عن تلك الوجوه المسكونة بالعشق، وقد تهاجر عصافير الأحلام فى زحمة الدنيا لبعض الوقت.. لكنهم يظلون طوال الوقت.. حالة فنية مدهشة لا تغادر الذاكرة.. ونقطة ضوء فى عتمة الليالى الفارغة.. يظلون دائما.. بئر الحرمان، الإخوة الأعداء، خلى بالك من زوزو وأدوار عديدة وشخصية مميزة رسم بها محيى إسماعيل لنفسه اتجاها جديدًا ومختلفًا لا يشبهه فيه أحد، سلك مسلكا جديدا نوعيا على الدراما اعتمد فيه على تقديم الأدوار ذات الأبعاد النفسية المركبة.. حدثنا عن بدايته وعن نظرته لنفسه، وفلسفته فى الحياة وعن حياته الشخصية وأيام ابتعد فيها عن الوسط الفنى بإرادته وأيام أخرى مرغما، ولكنه لم يندم أبدا على اختياراته. البداية.. درست الفلسفة فى جامعة القاهرة وبعد التخرج كانت الظروف صعبة جدا، فعملت كموظف فى شركة تأمين، واستمررت لمدة ستة أشهر فقط ثم توقفت وبعدها درست فى معهد التمثيل ومارست اليوجا وأصبحت عضوا فى اتحاد كتاب مصر، وبالتالى أصبحت تركيبة خاصة لفنان، وبعيدا عن كلام الفنانين بالموهبة منذ الطفولة، ولكنى كنت أمثل فى المدرسة منذ أن كان عمرى 8 سنوات وشجعنى والدى على ذلك، فأصبحت لدى ثقة فى هذا المجال وأصبحت رئيس فريق التمثيل فى المدرسة وأصبحت متفوقا فى الخطابة وفى إلقاء الشعر ونمت الموهبة بداخلى فطريا ولعلها وراثة واهتمام من أب مهتم ومراعٍ لهذه المواهب. • السينما الإيطالية.. مرحلة فاصلة أول فيلم شاركت فيه فى حياتى هو فيلم إيطالى اسمه (الدورية) مع مخرج اسمه (روبيرتو مونتيرو)، كان عمرى وقتها عشرين عاما وتم ترشيحى للدور من قبل المخرج حيث كان فى مصر لتصوير بعض المشاهد، وكنت فى المسرح القومى وقتها واختارنى، احتككت وقتها بالفنانين العالميين لمدة عشرين يوما، وأثروا على وعلى شخصيتى بشكل كبير وتأثرت بالمنهج العالمى فيما يتعلق بالانضباط فى التعامل سواء مهنيا أو فى حياتى الشخصية. • بئر الحرمان كنت أقدم عرضا كبيرا على مسرح البالون أقدم فيه شخصية نابليون، جاء رمسيس نجيب - رحمه الله - ومعه الحاج وحيد فريد مدير التصوير، وظن أننى ممثل أجنبى وقال لهم (ده خواجه) بسبب الملامح واللكنة، وأخبروه أننى فنان مصرى وجاءوا لى فى الكواليس واتفق معى رمسيس نجيب أن أذهب إليه فى مكتبه ثانى يوم، وعندما ذهبت له قال لى هناك فيلم اسمه (بئر الحرمان) عن رواية لإحسان عبدالقدوس وإخراج كمال الشيخ، والبطلة سعاد حسنى وبمجرد سماعى اسم سعاد حسنى كنت سأفقد وعيى، واكتشفت وقتها أنها معنا فى المكتب ولكنى لم أعرفها وكانت ترتدى نظارة شمسية. بعد بئر الحرمان كتب النقاد عنى وعن دورى وقالوا شخصية واعدة ولها مستقبل، ولكنى جلست فى المنزل لثلاث سنوات لم أقدم أى عمل، حتى جاء فيلم (خلى بالك من زوزو) وبعدها جلست فى المنزل أكثر من عام ولم أفهم طبيعة المهنة واكتشفت أنها تعتمد على العلاقات والمجاملات، فى مرة من المرات تشاجرت مع شخص خبطته بالسيارة وشتمنا بعضنا البعض، فوجئت به عندى ثانى يوم فى منزلى فى وسط البلد وعرفت أنه المخرج حسام الدين مصطفى، وقال لى إنه يريد أن يقابلنى ويعطينى دورا فى فيلم (الإخوة الأعداء). واشترك الفيلم فى مهرجان طشقند السينمائى الدولى وأخذت الجائزة من أربعين دولة وكانت أول جائزة عالمية أحصل عليها وكنت فى قمة تفوقى، شاهد الرئيس السادات الفيلم وقال لهم (عايز أشوف الولد ده) وذهبت لمقابلته، وقال لى (أنا طلبت من الدكتور رشاد رشدى رئيس الأكاديمية أن يعالجوك) لأنه ظن أننى مصاب فعلا بالصرع وقلت له (يا ريس أنا معنديش صرع) قال لى (لأ عندك) فقلت له (أنا عايز شقة) فأعطونى شقة وبعدها جلست فى المنزل لعامين أو ثلاثة، فأصبحت ظاهرة أن أجلس فى المنزل بدون عمل أكثر من عام بعد كل عمل.. جاء بعدها فيلم (الشياطين) مع 11 نجما وأخذت عنه جائزة وتبعته سنتان آخريان فى المنزل بدون عمل، فقررت بعدها التركيز على عقد البشر فى أعمالى، إلى أن وصل عددها إلى عشرين فيلماً، وبدأت أرسى قواعد مدرستى الخاصة فى السايكو دراما، ولم أقدم سوى العقد النفسية لاكتشافى أن هذا العالم لغة الكلام فيه لا تصل ولا تحقق نتائج، فالناس ليس لديها اتصال بل لديها انفصال ومملوءون بالعقد، ومن ثم بدأت فى القراءة وتابعت العالم السويسرى (كارل جوستاف يونج) وهو أبو الطب النفسى التحليلى الاجتماعى وبدأت أقرأ له بنهم ولأكثر من عام وأخذت أبحث فى هذا العالم الذى يعتمد على التحليل النفسى واتخذت منه قاعدة لأى شخصية أقدمها وقررت أن أخضعها لهذا المنهج فى الدراسة.. ومن ثم بدأت هذا المنهج فى أفلامى (دموع الشيطان)، (حلاوة الروح)، (مولد يا دنيا)، (زهور برية)،(الأوغاد)، (الغجر)، (شهد الملكة)، (وراء الشمس)، (إعدام طالب ثانوي) فأصبحت مؤسسا لشىء لم يكن موجودا فى السينما قبلى. • صديق العزلة فرضت على نفسى عزلة، بعيدا عن الوسط الفنى وحفلاته وصخبه، فأنا أبحث وأكتب، والأدوار التى أقدمها تحتاج إلى دراسة وكل هذا يحتاج إلى وقت، لذلك يجب ألا أضيع وقتى فى هذه التفاهات والنميمة كى لا أبدد طاقتى التى أريد أن أعمل بها، فضلت أن أكون معقدا على أن أصاب بازدواج فى الشخصية. وأهم أهدافى الحفاظ على جهاز مناعتى من أمراض المجتمع، فأصبحت صديق العزلة وابتعدت حتى عن التدخين وأصبحت القراءة والرياضة هما أصدقائى وقلة من البشر، فى هذه الفترات قررت أنه كلما توافرت لدى سيولة مادية يجب أن أسافر لدول الغرب، وكانت هذه رحلاتى لمدة 12 عاما بين أمريكا ولندن وفرنسا وألمانيا وإنجلترا وكندا، وهذا ما جعلنى أكتب على مستوى عالمى، وأصبحت أقرب لطباعهم، ومن هنا تعرفت على قصة (كاثلين رولنج) الكاتبة الأمريكية التى تعيش فى ملجأ وتعتمد على دولار واحد يوميا لتعيش به، إلى أن كتبت سلسلة أجزاء هارى بوتر وأصبحت من أغنى أغنياء العالم واتخذتها مثلا أعلى، وبدأت أركز على الكتابة وأصدرت روايتى (المخبول) التى تنبأت بالثورة وبكل ما حدث فى مصر فى الأعوام الأخيرة، بالميدان، بشخصية السيسى الرجل الذى ينادى بالعدالة والقيم، تلك الرواية كتبتها منذ 15 عاما وقال لى الناشر (مدبولي) إنه لم يبع منها ولا نسخة وقال لى (مرمية فى المخزن) واكتشفت بعد ذلك أن توزيعها مكتسح فى العالم العالم العربى، وبعد الثورة طلب منى دكتور ناصر الأنصارى أن تعاد طباعتها، وكذلك فى أمريكا طبع منها عدداً كبيراً من النسخ وأصبحت تباع فى المعارض الدولية وعلى موقع أمازون. • الإخوة الأعداء والجانب الخفى من مرض الصرع، كيف أمسكت بزمام هذه الشخصية؟ - عشت طوال عمرى أشاهد الأفلام العالمية ومتأثراً بالسينما الأمريكية وبدأت أبحث فى الشخصيات التى تقدم التركيبات النفسية مثل مونتجمرى كليفت، وداستن هوفمان اللذين شغلانى لأتابع أعمالهما وآل باتشينو، ما المشكلة لتقديم الأدوار الصعبة وما الذى ينقصنى، فلدى الموهبة ولدى الدراسة ولدى القدرة على التكثيف والتبسيط، وكنت أعمل فى المسرح التجريبى وهو يُعد من أوائل الورش فى مصر وكله بروفات عملية، وأول ما عرض على هذا الدور ومع اقتراب التصوير طلبت من المخرج حسام الدين مصطفى تأخير التصوير يوما، ولامنى نور الشريف وقال لى (هو حد عارفك) قلت له اليوم يفرق لأنى لم أشاهد مرض الصرع فى فيلم أجنبى وأريد دراسته على حالة حقيقية فى مستشفى فى العباسية وأريد مشاهدته ومتابعة حالته، وجاء معى اليوم التالى وغادر بعد فترة قليلة، وقمت أنا بمعايشة ودراسة كاملة لهذه الشخصية سواء من ناحية إصابته بالصرع ومن حيث الأبعاد الشخصية. • هل ترى نفسك عبقريا؟ - طبعا أنا عبقرى.. وهذا يتوقف على مفهوم العبقرية، فالعبقرية مجهود شخصى وهى أن يضيف الإنسان شيئا ما لم يكن موجودا وأن يؤثر فى الجماهير وتصدقه الناس. • إذا كيف تصنف عيوبك؟ - أنا عيوبى أننى إنسان كسول، وغير اجتماعى ولا أقيم حسابا للأموال وأرفض الكثير من الأعمال. كما أخبرتك حياتى قائمة على القراءة والرياضة وأقرب للعزلة اللهم إلا من بعض الأصدقاء، توفيت زوجتى منذ عامين بعد زواج دام لعشرة أعوام.•