فى مركز دراو، وعلى بعد عشرين كيلو من مدينة كوم إمبو، ذهبت إلى ساحة الأشراف الأدارسة، وهى الساحة التى شهدت هدنة الصلح بين قبيلتى الدابودية وبنى هلال، فى أكبر حادثة هزت المجتمع الأسوانى منذ فترة طويلة، كنت على موعد للقاء السيد الشريف إدريس الإدريسى المتحدث باسم المصالحة بين القبيلتين، فمنذ أن وطأت قدماى أرض أسوان وأنا أسمع تأكيدًا من الجميع على أن غياب الإدريسى عن البلد هو ماتسبب فى تفاقم الوضع الذى لم يهدأ إلا بعد قطعه لزيارته فى الكويت ومجيئه إلى أسوان.. فى الساحة اكتشفت مدى أهمية الرجل الذى يعد كلمة السر فى إتمام أى مصالحة، فالساحة امتلأت حتى آخرها بمن ينتظرونه لفض منازعاتهم، أو رقيتهم لتخفيف ألم مرض أو عين حسد، حتى الجوعى كان لهم مكان داخل الساحة حيث تراصت الموائد التى تحمل كل ما لذ وطاب للجميع على حد سواء، فحكمه نافذ وكلمته واحدة على الجميع ووجوده صمام أمان لأهل أسوان إنه السيد الشريف الإدريسى الذى كان لنا معه الحوار التالى..
∎ البعض ينتقد لجنة الصلح المكونة من اثنى عشر عضوا لأنها تحتوى على أعضاء من الحزب الوطنى.. ماتعليقك؟
- اللجنة شكلت قبل تواجدى، فقد كنت مسافرًا إلى الكويت، وقد تم تشكيل اللجنة بمعرفة رئيس الوزراء، وضم فيها محافظ أسوان اللواء مصطفى يسرى، والدكتور منصور كباش رئيس جامعة أسوان، وبعضا من السياسيين المنتمين للحزب الوطنى، أما نحن فلجنة المصالحة العرفية تعتمد على ثوابت عرفية كما أنها تضم الرموز الموجودة فى القبائل، لذلك ئالتقيت بالدكتور محمود كباش واللواء مصطفى يسرى وطلبت منهما ضم اللجنتين وقد كان.
∎ وهل هناك أى أطراف أخرى ستنضم لإتمام الصلح بين القبيلتين أم أن الاعتماد الأساسى سيكون على هؤلاء الأعضاء؟
- فى الحقيقة هناك كثير من المحكمين العرفيين الدوليين من شيوخ قبائل العرب وإفريقيا يرغيون فى الانضمام إلى لجنة المصالحة ونحن نرحب بانضمامهم الذى من المؤكد أنه سيشكل إضافة، لأنهم يملكون خبرة التعامل مع نفسية القبائل ودراية بأحوالهم.
∎ الهدنة التى أجريتموها نصت على أن تقدم كل قبيلة مظروفًا مغلقًا تحكى فيه ما أصابها من الطرف الآخر، فكيف يتم الحكم بناء على ذلك المظروف بينما سيظهر كل طرف نفسه على أنه الضحية؟
- نحن لا نعتمد على ذلك المظروف فحسب فنحن نعلم جيدا أن كل فريق سيظهر نفسه على أنه الضحية، لكننا نعتمد أيضا على مشاهداتنا من خلال تواجدنا فى المكان ومن خلال شهادات شهود عيان بعيدين عن الطرفين بالإضافة إلى صور تحريات المباحث.
∎ على ذكر تحريات المباحث، ألا يتعارض القضاء العرفى مع مبدأ سيادة الدولة؟
- القضاء العرفى ليس بديلا للقضاء الرسمى، فالشق القانونى يسير فى طريقه الطبيعى بينما القضاء العرفى يحقق السلم الاجتماعى، فأحكام القضاء قد تحقق العدل وتعطى كل ذى حق حقه لكنها فى النهاية لا تزيل الضغينة من نفوس المتخاصمين، فطبيعة القبيلة تحتم أن يخرج كل طرف مرضيا فى انتصاره إن لم يكن منتصرًا، والتقاضى بالقانون الرسمى يترك آثارًا نفسية من الممكن أن تولد مشكلات مرة أخرى، لذلك فالقضاء العرفى يكمل القانون ويسير معه فى نفس الاتجاه حتى يستطيع المتنازعون العيش مع بعضهم بسلمية بعد ذلك، وللعلم فإن أحكام القانون لا تؤثر على أحكامنا العرفية، فمثلا لو سجن شخص وعليه دم، فعلينا أن ننتظر حتى يخرج من محبسه ليقدم القودة، وهى تعنى الانقياد إلى العفو عن طريق أن يحمل كفنه على يده، وبمجرد أن يفعل ذلك يتم العفو.
∎ وما هى الخطوات التالية لدراسة المظروف؟
- نجتمع كلجنة مكبرة لدراسة تلك المظاريف هذه الأيام، بالإضافة إلى استماع إلى أقوال شهود العيان حيث تطلب اللجنة الاستماع إلى أشخاص بعينهم مع الاحتفاظ بسرية آرائهم حتى لا يشكل ذلك عليهم أى ضغوط اجتماعية، ومن ثم ستقوم اللجنة بإقرار الحكم المناسب وبعدها تتم المصالحة.
∎ ومتى ستنهى لجنة الصلح عملها ويتم إعلان الصلح رسميا؟
- لا أستطيع أن أحدد موعدًا بعينه لأن لحظة الصلح هى لحظة يوهب الله فيها السكينة للطرفين وأتمنى أن ننتهى من عملنا قريبا ونعلن الصلح فى أقرب فرصة.
∎ هل نستطيع أن نحمل الأمن المسئولية فى تفاقم الأوضاع؟
- أثناء تواجدى خارج البلاد وأنا أرى الأحداث تتفاقم كنت محملا الأمن المسئولية الكاملة فى عدم تحركه وتركه للأمور تتأزم لكن بعد عودتى علمت أن سرعة تواتر الأحداث كانت غير متوقعة واندفاع الشباب أدى إلى تفاقم الوضع بشكل غير متوقع، والحقيقة أن انتشار السلاح ووجود منظمات تلعب على إشعال الفتن أيضا هى من أسباب تفاقم الوضع وهو ما يحتاج إلى وعى ثقافى وسياسى كبير.
∎ لكننى علمت من خلال سؤالى للناس أن المشكلة لها جذور منذ فترة فلماذا لم يتم وأد الفتنة من مهدها؟
- فعلا كان هناك مشكلة منذ عام أصيب بها 3 أشخاص واتفقنا على حلها والتزم الطرفان فيها التزاما كاملاً وحكمنا فى صالح الدابودية.. بعد أيام من الالتزام الكامل جاءنى ممثل الدابودية، وقال لى أن الأمر بسيط وسوف ننهيه على خير.. بناء على طلبهم توقفت عن متابعة الأمر حيث توقعت انتهاءه طالما لا يوجد جوانب فتنة قائمة.
∎ وما الضامن على عدم عودة الفتنة مرة أخرى؟
- الضامن هو العرف، الالتزام العرفى سيف على رقاب الجميع ومن يخرج عنهئيعلن أنه خرج من عروبيته وأصله القبلى.. لو خرجت قبيلة عن ذلك يطبق عليها قرارات حاسمة.. وينظر لها أنها لا يوجد لديها التزام ونطلب منها أن تتعامل بالقانون الرسمى.
∎ وما هى طبيعة الالتزام المفروضة على المتخاصمين؟
- الاحترام المتبادل وعدم الاحتكاك وعدم محاولة إقحام أى طرف لنفسه فى مكان يوجد فيه الطرف الآخر، ولو فرض أن المكان يفرض تواجد الطرفين كالمناسبات عامة، فيمنع الاحتكاك نهائيا، ويجلس كل طرف فى مكان بعيد عن الآخر، ومن يخالف ذلك تتم شكوته للجنة التى تعمل على تنبيهه ثم تفرض عليه جزاء عرفيًا بتقدير غرامة مالية جراء خرقه الالتزام ثم نجمع قبيلته والقبائل التى تنتمى لقبيلته ويحزم الالتزام عليه.
∎ لماذا صرحت مسبقا أن الإعلام له دور فى تأجيح الفتنة؟
- لأنه استضاف من يقول ذلك، فهناك من قال على المنابر الإعلامية المختلفة أنه لا تصالح ولا هوادة، لكننى استخدمت نفس السلاح فى إخماد الفتنة وأحضرت أصحاب الدم ليتكلموا عن أنهم يرغبون فى الهدوء وبدأوا يسردون فضائل بينهم، فالإعلام سلاح يستخدم فى الحق وغيره، وهناك آلاف المرات التى لم يتدخل فيها الإعلام وتمت المصالحات على خير.
∎ وماذا لو لم يرض أى الطرفين بحكم لجنة المصالحة؟
- الأحكام العرفية لا يوجد فيها عدم رضى من لم يرض بعرفه لم يرض بشرعه يعنى لم يرض بدينه لأن العرف عبارة عن أحكام الشريعة ونحن نقوم بترجمتها وتطبيقها.
∎ لماذا تواصلت مع الشيخ الطيب؟
- تواصلنا مع الإمام حتى يكون الصلح تحت مظلة الأزهر حتى أنه بعد تفويض القبائل كان إصرارنا على أن نجعل الرمز الدينى الأول فى العالم هو قائد عملية الصلح.