البورصة المصر تخسر 6.3 مليارات جنيه في أسبوع    «مدبولي»: توفير كل الحوافز لجعل مصر مركزًا لنفاذ منتجات «سامسونج» لأسواق العالم    وزير التموين يصدر قرارًا بندب المحاسب ممدوح حماد وكيلا للوزارة بمحافظة أسيوط    تعتمد على 5 محاور.. وزير النقل: خطة شاملة لتطوير منظومة السكك الحديدية    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي شرقي خان يونس جنوب قطاع غزة    مران خفيف للاعبي الأهلي قبل مواجهة الترجي    باين آراء طلاب الشهادة الإعدادية بجنوب سيناء حول أسئلة امتحانات اللغة العربية    متى إجازة عيد الأضحى للقطاع الخاص 2024 في السعودية؟    المخرج ماندو العدل يتعرض لأزمة صحية مفاجأة.. تفاصيل    وزير الصحة: خطط عادلة لتوزيع المكلفين الجدد من التمريض    إسرائيل تعلن اغتيال قائد لواء رفح في حركة الجهاد جنوب غزة    وزير التعليم لأولياء أمور ذوي الهمم: «أخرجوهم للمجتمع وافتخروا بهم»    بدأت في 2017.. القصة الكاملة ل رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    «القباج» تستقبل وزير التمويلات الصغرى والاقتصاد التضامني بدولة السنغال    سقوط 3 تشكيلات عصابية تخصصت فى سرقة السيارات والدراجات النارية والكابلات بالقاهرة    مصرع شخصين وإصابة 6 آخرين في حادث تصادم بالشرقية    أسعار سيارات جي ايه سي 2024 بعد الانخفاضات الأخيرة    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    وظائف في القليوبية برواتب مجزية.. اعرف التفاصيل    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بمنطقة النجيلة البحرية الإثنين    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    ضباط وطلاب أكاديمية الشرطة يزورون مستشفى «أهل مصر»    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    نانسي صلاح تهنئ ريم سامي بحفل زفافها .. ماذا قالت؟    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جامعة كفر الشيخ الثالث محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    ب5.5 مليار دولار.. وثيقة تكشف تكلفة إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة (تفاصيل)    الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة الحرب العدوانية على غزة إلى 35386 شهيداً    معهد القلب: تقديم الخدمة الطبية ل 232 ألف و341 مواطنا خلال عام 2024    اليوم.. 3 مصريين ينافسون على لقب بطولة «CIB» العالم للإسكواش بمتحف الحضارة    قمة كلام كالعادة!    وزارة الدفاع الروسية: الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر على قرية ستاريتسا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    متاحف مصر تستعد لاستقبال الزائرين في اليوم العالمي لها.. إقبال كثيف من الجمهور    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    أسعار الدواجن اليوم السبت 18 مايو 2024.. 83 جنيهًا للفراخ البيضاء    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حق الشتاء
نشر في صباح الخير يوم 08 - 01 - 2014

المطر يهطل.. لم تستطع مظلتى حمايتى.. ملابسى تبتل.. يتسلل الماء إلى أعطافى يتسرب برده إلى قلبى.. أدخل إلى أول مكان دافئ يقابلنى.. رائحة القهوة تبعث فىّ إحساساً منزلياً دفيئاً.. أعلق مظلتى فى أكرة باب المحل من الداخل حتى لا تضايق الداخلين والخارجين، رأسها إلى الأرض، ويدها معلقة مغلولة بعد أن دكت يدى مفاصلها ومراكبها وقلوعها إلى الداخل، انطوت على نفسها ومجت ماءها، هرع إلىّ العاملون فى المحل يجلسوننى فى دفء المكان، شرب ثوبى الماء ولازالت قطراته تحاول التسلل من بين خلل نسيج الثوب، قبست حفنة من مناديل المحل من إحدى السلال المجدولة، وأمام المرآة التى أمامى دحرجت قطرات المطر على المنديل نفضتها من على ذراعى وصدرى، ظل ظهرى مرصعا بقطرات مطر كالنجوم.. تفحصت العاملين بالمحل، كانوا ينظرون من خلال زجاج المحل يرقبون هطول المطر.. يقولون:

- الشتاء يأخذ حقه.. الشتاء

- يأخذ حقه برقبته.. بمطره!

- بعزم ما فيه.. بيديه وأسنانه!

أحدهم يبدو فتيا وسيما ملتحفاً معطفا من الصوف الثرى خجلت أن أقول له: أدفئنى.. أو أنظر ما على ظهرى من نجوم رصعها المطر.

والآخر يرتدى مريولا أخضر.. رائحة الجاتوه تفوح شهية من أصابعه:أخاف من الجاتوه.. أخاف من الحلوى.. من أصابعه.. أخاف المتعة المفاجئة والمفارقة.

أحدهم شاب صغير ربما لا يتجاوز العشرين من عمره، يرتدى نظارة طبية على عينيه، اقتربت منه وفى كفى المناديل.

- هل ترى.. رصع المطر ظهرى بالنجوم أرجوك التقطها أنت.. أنت مثل ابنى.

اقترب.. التقط النجوم بالمنديل من على ظهرى، كان يلتقطها ثم يقربها من فمه.. ويشمها كما لو كانت ورداً، يضعها أمامه فى صحن.. كانت النجوم الصغيرة تكبر فى صحنه.. تنمو وتنمو.. تصعد إلى السماء وتنزل وأنا أرقبها تومض لى من بعيد، تغمز لى، تغمض عينا وتفتح عينا، فمها فوق أنفها وعينها فوق حاجبها.. كانت كل نجمة!

توقف الشاب العشرينى فجأة عن التقاط النجوم وقال:

- بقيت أنجم لا أستطيع التقاطها سألته: أين؟!

أشار إلى سلسلة ظهرى.. اضطرم وجهى وتوهجت مقلتاى.. ابتعد إلى مرآة قريبة وصرت أهدهد أنجم المطر.. ألتقطها وأضعها بجانبى على الكرسى ثم نقلتها إلى الكرسى المقابل.

أشرت إلى الصبى: نسكافيه لى ولها أعد الفناجين التى تضوعت رائحتها فى المكان سقيت الأنجم الخضر التى أمامى، والأنجم الشقر التى جلست إلى جانبى.. ترشفنا النسكافيه.. ونحن نلتذ بصوت المطر فى الخارج.

الأنجم على ظهرى وكتفى تهتف بعد أن ارتوت:

- أبانا.. تعال.. نحن هنا فى صحبة هذه المرأة المبتردة.. أبانا أعطيت الشتاء حقه فأعط هذه المرأة حقها من البرق والسنا.. خلها ترتعد من فرط النشوة وتصرخ من الرعشة وتصطك أسنانها وتنهمر أعطافها.. بالنجوم:أبانا أعطيت الشتاء حقه فأعطها مطراً من جيبك لا تجوع من بعده أبداً، قطرات من الثلج والبرد لا تعطش بعدها أبداً، شربة هنيئة من كأسك.. أبانا يا المطر.. تعال.. نحن هنا مع امرأة مبتردة. قلت للشاب العشرينى:
- هل كف المطر؟

قال: حتما سأقول لك.. قاربت ورديتى على الانتهاء، عندما انتهى ينتهى المطر.. عندما أكف سيكف يده عنك وعنى!.

ابتسمت.. شربت النسكافيه.. وانتهت ورديته: بدل ثياب عمله وأصبح شابا وسيما قسيما غمز لى بعينه:

- أنا ماض من هذا الشارع.

وأنت؟!

أغضيت كفتاة فى مثل سنه.. همست.

- شكراً لك!

تدفأت بما بقى على كتفى من أنجم المطر، وقمت إلى مظلتى فشربت ماءها، تجرعته مرة واحدة فسكرت.. كانت خمر المطر.

سرت أغنى، والمطر يعاودنى بين الحين والآخر فيلقى على ظهرى نجمة فألتفت فلا أجده.. اقترب منى عابث فى الطريق همس بكلمة عابثة!

خفق قلبى بشدة واضطرمت مشاعرى: أغضيت.. كان من الواجب أن أغضب أو أصطنع الغضب على الأقل ولكنى فى أعماقى كنت أشكره، كان يقدم التحية الواجبة لامرأة وحيدة، وضعت على كفه نجمة من مطر ومضيت.. على الكوبرى كان بائع ورد يتطلع إلى السماء، يضع فم كل وردة تحت المطر.. يطعمها من ماء السماء ويسقيها فتشرئب بأعناقها فيقبلها ويعطرها بفمه.. تقدم منى وأعطانى وردة فقبلتها بفمى.. وأعطيته نجمة مما أعطانى المطر.. تلألأ سناها فى عينيه فبكى.. مددت يدى والتقطت دمعة وترشفتها كان طعمها بطعم الورد فقبلت يدى ورفعت بصرى إلى السماء، كانت الطيور تحوم وتشرب مما ترك المطر من بحيرات صغيرة على الأرض فحومت وشربت معها.. حلقت فطرت ذهبت فى سربها فثبت إلى نفسى وعدت إلى الأرض.

لمحت قطة عابرة كانت تحدق فى عينى رفيقها اقتربا.. تواجها.. خجلت أن أقف بينهما أو حتى أن أمر كخيال ظل.. كانا فى لحظتهما الخاصة يتبادلان الشغف.. يتمطى القط ويتهيأ وهى تنظر إلى الجهة الأخرى لا تلوى على شىء تخالسه النظر فإذا ما اقترب أسرعت بالجرى.. كانت تلك الإشارة التى ينتظرها ليلاحقها ويوسعها قبلا.. خجلت من إمعان النظر.. سمعت مواءها ناعما قريرا فتركت بجوارهما أنجما مما أعطانى المطر.. نحاها القط بيده جانبا وأقبل على قطته التى نحتها بدورها جانبا وأقبلت عليه فى نهم مثل قطرة من لبن.

عندما بلغت آخر الطريق كانت قد تبقت على ظهرى نجمة واحدة وحيدة، أسمع نشيجها فأبكى لأنه لم تتبق معى أى نجوم يمكن أن أعطيها لها مما أعطانى المطر.. اضطربت لأن ليس معى ما يغنيها بعد غياب أبيها قبلت رأسها فلم ترض، قبلت قدمها فلم ترض، قبلت قدميها فلم تقر، قبلت عينها فترقرق دمعى فرفعت يدى إلى السماء.

- أبانا المطر.. أعطيت الشتاء حقه فأعطها حقها من الرعدة والبرق والسنا.. أعطها ما تبتل به جوانحها حتى تصرخ شهوة وتنتفض شوقا.. أعطها كما أعطيت الشتاء حقه من البكاء والفرح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.