منذ سنوات ليست ببعيدة هبط علينا كائن هلامى اسمه السبكية.. استطاع هذا الكائن قلب موازين السوق بل إنه أقعد بقية المنتجين المحترمين فى بيوتهم يخشون الدخول فى أى تجربة إنتاج جديدة. السبكية نعمة أم نقمة؟
هذا ما ستجاوب عليه الصفحات القادم.. ..فالبعض يرى أن السبكى نعمة لأنه السبب الرئيسى فى خروج أفلام إلى النور وبدونه ستخلو السينما وتصبح أطلالا.. أما البعض الآخر فيراه نقمة لأنه اعتمد فى معظم أعماله على مطرب شعبى ساقط وراقصة لولبية ممتلئة القوام وبلطجى غالبا ما يكون البطل ... هذه هى توليفة السبكى فهل هو نقمة أم نعمة.
فقد ضج المنتجون من أعمال السبكى التى من الغريب أنها تحقق الملايين .. هل هى «طبخة» مثل اللحمة التى يبيعها أم أنها حسن حظ أم أنها ذكاء منه. أم أنه غباء قصير المدى ؟!.. قضية نطرحها للمناقشة فبعض المنتجين يرجعون سبب تحقيق أفلام السبكى إيرادات كبيرة إلى أنها تصنع بأقل التكاليف وتحقق مبالغ طائلة.. هذا هو سبب النجاح.. أيضا نطرحها على النقاد الذين يرون أن البلطجى الآن أصبح بالفعل بطلا ولا كذب ولا تزييف فى ذلك.
ثم يأتى رأى علماء النفس والاجتماع الذين أطلقوا على الكائن الهلامى، أى سينما السبكية إسفافا.. صرخة نوجهها لكم جميعا: هل سيطر الكائن الهلامى «السبكية» على مقاليد السينما فى بلادنا.. هل من السهل تصحيح ما صنعه هؤلاء من فجاجة وركاكة.. سؤال نطرحه فى الصفحات القادمة.. وانحطاط الذوق العام. انطلاقا من المقولة الشهيرة التى تقول إن «الإغراق فى المحلية هو بوابة الوصول للعالمية» باتت تطبق فى السينما المصرية بمفهوم خاطىء فمن المستحيل أن تكون محليتنا كمصريين وكل ما يميزنا هو الموالد والحارات والأفراح الشعبية وبلطجية وعشوائيات، مستحيل أن يكون الفن فى مصر أصبح متمثلا فقط فى موسيقى المهرجانات، ليس منطقيا أن يصبح «الردح» والسباب بالألفاظ البذيئة السمة المميزة للشعب المصرى فقط، وهل المنطقى أن البطل فى السينما المصرية لأفلام أكثر من موسم على التوالى أن يكون هو البلطجى. توليفة الشاب المطحون الذى دفعته الظروف لأن يصبح بلطجيا وبمحاولة بائسة تعمل كل خيوط العمل على إجبارك للتعاطف معه أصبحت هى السمة الرئيسية لمعظم الأفلام السينمائية مؤخرا وأصبحت التوليفة «بلطجى، راقصة، أغنية شعبية فى فرح شعبى».
هل هذه هى المحلية التى ستصل بنا إلى العالم، هل هذه أصبحت أفلامنا التى تعكس واقعنا؟ كل هذه الأسئلة نطرحها من خلال هذا التحقيق وتوجهنا بأسئلتنا لمجموعة من الكتاب والنقاد ليحللوا لنا قراءتهم لهذه الظاهرة:
∎ بشير الديك: تذكرى معى بداية سطوع نموذج للبطل مثل عادل إمام ونور الشريف وأحمد زكى أصبحوا أبطالا شعبيين ليست لهم علاقة بالنموذج السابق للأبطال مثل أنور وجدى أو الشكل المعتاد للرجل الجان أو النموذج الغربى كلارك جيبل وروك هدسون، فغير نور وإمام وأحمد زكى شكل البطل فأصبح شكل البطل الشعبى الذى هو قريب من الناس ويشبههم، أما ما نمر به الآن من انتشار لشخصية البلطجى ورواجها يرجع أساسا إلى أن شخصية البلطجى أصبحت هى الشخصية الحاكمة، فأصبح البلطجى هو المتحكم فى الشارع، والشخص العنيف هو المتحكم فى المسألة وفى ذهن المتفرج أصبح البلطجى هو الشخص المُسيطر.
نجيب محفوظ عندما كتب «اللص والكلاب» كان بطلها السفاح أو نموذج ل «أرسين لوبين» البطل الشعبى الذى لن تمنعى نفسك من حبه أو التعاطف معه لأنه ظلم فى مجتمعه، وكذلك فريد شوقى فى جعلونى مجرما حيث تحول إلى بطل وأحمد زكى فى «الهروب» البطل الشعبى الذى يأخذ حق الضعيف من القوى فأصبحت قاعدة، أما الآن فمنظور البلطجى اختلف عن فتوات نجيب محفوظ الذين كانوا عبارة عن نموذج لبلطجى يقيم الحق فأصبح الآن بلطجيا شرسا قبيحا يعكس حقيقة الواقع الاجتماعى، فالسينما بالفعل تعكس ما يحدث فى الواقع، أصبح النموذج الكاسر لكل التابوهات والذى يرقص ويلعب مع الأسود ويحقق أحلام الشعب المكبوتة التى لا يستطيع المشاهد أن يحققها فى أرض الواقع ويلعب على مشاعرهم وغرائزهم ويصاحب الراقصة ونرى رقصات أقرب إلى الدعارة، فالمجتمع البرجوازى المستقر الجميل يرفض هذا المجتمع لكنها تدغدغ مشاعر المجتمع المريض بشكل فج وبالتالى تحقق إيراداتها وتنتشر بالعبء على أوتار مشاعر شعب مكبوت.
∎ المنتج محمد حفظى: لا يوجد تفسير لهذه الظاهرة ولكن يبدو أن الجمهور أحب هذه التركيبة والسبكية هم من وضعوا حجر الأساس لها وعرف يعملها صح ويشاركه فنانون بأسماء كبيرة والتركيبة تكون ناجحة فى النهاية، وبعد هذا يحاول البعض تقليد هذه التركيبة ولكن لاينجحون فى الأغلب وتكون الظاهرة قد انتشرت، وفكرة الموضة والكاريزما موجودة طوال الوقت فى السينما ونرى رواجا لفكرة معينة وتختفى بعد فترة وهذا يعتمد على جملة «الناس عايزة إيه».
∎ الناقدة ماجدة خير الله: للأسف الشديد هى ظاهرة اجتماعية، لأن البلطجى أصبح له وجود قوى على الساحة، وأصبحت الكلمة تصف ناس أصبحت البلطجة مهنتها وأكل عيشها.
والواقع الذى لا نستطيع أن نخفيه أو نتغاضى عنه أن هذه الأفلام أصبحت واقعا، وأن هذه الأفلام حققت إيرادات وإيرادات ليست عادية بل أصبحت توصف بأنها الأعلى فى تاريخ السينما، والحقيقة أن لها جمهورا كبيرا وإن رفضها البعض وندد بوجودها، وهذه الظاهرة ليست بجديدة أريد أن أذكر الناس مثلا بفريد شوقى وأفلامه التى حققت أعلى جماهيرية وإيرادات وقتها ولقب وقتها ب «ملك الترسو» والترسو هى سينما الدرجة الثالثة، ويظهر كبلطجى يضرب هذا ويحطم مقهى بأكمله، وظلت هذه الأفلام موضة لفترة طويلة حتى قلت وظهرت غيرها.
وأريد أن أضيف أن فكرة الموضة هذه طبيعية جدا فالمجتمع مثل البحر عبارة عن موجات متلاحقة تأتى موجة تليها واحدة أعلى منها وهكذا تتوالى، فنحن لا نعيش فى بركة راكدة لذلك كلما تطورت المتغيرات تأثر بها المجتمع وبالتالى حالة السينما والنماذج التى تستعرضها وتستغل انتشارها.
∎ الكاتب والناقد محمد الرفاعى: ظهرت موضة البطل الشعبى الذى يعبر عن الفئة الكاسحة فى المجتمع المصرى بعد أن كانت شخصية البطل بعيدة عن الشارع وتعبر عن فئة واحدة ولكن أيام الانفتاح الاقتصادى بدأت الشخصية تختلف لصعود طبقات من أسفل المجتمع لأعلى المجتمع فلم تعد تشترط فكرة الوسامة بل أصبح البطل أقرب للناس وبالتالى يتعاطفون معه ويصدقونه، ظهرت مؤخرا موضة البطل الكادح «الفهلوى» بأفلام محمد سعد من تلك الطبقة وبكل متطلباتها النصاب أحيانا والبلطجى أحيانا أخرى، وكعادة السينما المصرية التى تستغل أى ظاهرة فى مصر كسلعة تجارية تحاول أن تستنفزها قبل أن تنتهى وقبل أن تأتى ظاهرة جديدة ويستمر قائلا: فشاهدنا فى مواسم سينمائية أفلاما كاملة تستعرض ظاهرة الإرهاب ثم أفلام عن المخدرات فى مواسم أخرى ثم جاءت التركيبة التى فتح لها الباب فيلم «إسماعيلية رايح جاى»، والموضة الآن للأفلام التى تناولت المهمشين وبدأت فعلا بتناول جدى لهذه الظاهرة ومعاناة العشوائيات، ثم تطور الأمر لاستغلالها كظاهرة تجارية فى السينما لتحقيق إيرادات عالية من خلال توجيهها للطبقة التى تستقطبها هذه النوعية ومن يجدون البطل واحدا منهم ويذهب ليشاهد نفسه من خلاله، وما يحدث الآن أصبح توليفة مستغل فيها ظروف اجتماعية واقتصادية ومستغل نجاح هذه التوليفة فأعمل على استغلالها بشتى الطرق وتحقيق أعلى إيرادات من ورائها.