وسط صراعات سياسية وتظاهرات تجوب شوارع القاهرة ومحاولات لزرع الفتنة بين أبناء الوطن تمتد يد خبيثة لإثارة حالة من الاحتقان داخل نسيج الوطن تشعل نار الانتقام والثأر من أصحاب اللحية والنقاب.. ليست الشرطة ولا الجيش وحدهما ضحايا الإرهاب ولا المؤيدين والمعارضين من الطرفين بل انتقل الصراع إلى طرف آخر ليس له ناقة ولا جمل بالصراع السياسى وهو المظهر العام. لم يتخيل أحد فى يوم ما أن يقوم شخص بالمشاجرة مع شخص آخر لا يعرفه إلا لمجرد أنه ملتحٍ أو امرأة يدفعها غضبها إلى الصراخ فى وجه منتقبة لمجرد شعورها أنها تنتمى لجماعة الإخوان المسلمين أو أن يدفع الخوف شخص إلى حلق لحيته خوفا من لحاق أبناء الوطن له للفتك به أو لإلقاء وابل من السباب فى أذنه.. اللحية والنقاب مظهر نراه فى يومنا إلا أنه بات دليلاً على التطرف.
لم أتصور فى يوم منالأيام أن تنقل إلينا أفكار الغرب عن النقاب واللحية كرمز للإرهاب.. إلا أن ما يحدث الآن داخل المجتمع من صراعات سياسية وأمواج غضب على منهج جماعة الإخوان المسلمين أطاحت بمعانى التعايش بين أبناء الوطن، كيف استطاعت يد الفتنة أن تشعل نار الكراهية بين طائفة واحدة وهذه المرة الفتنة ليست بين مسلمين ومسيحيين وإنما بين مسلمين وبعضهم البعض وأصبحت اللحية والنقاب هى رمز الفتنة ودليل على الانتماء لجماعة لفظها المجتمع المصرى من حياته، إن غضب السلطة لا يساوى شيئا أمام الغضب الشعبى فكل من يعرف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين أصبح منبوذا فى محل سكنه بين جيرانه وربما أقاربه وأصدقائه فى العمل ولكن أن يتحول الغضب الشعبى إلى رفض لمظهر شخصى فى إطلاق لحية أو ارتداء نقاب فهو أمر محل تفكير من الجميع ويحتاج إلى المزيد من التعقل.
∎غضب عارم
لا ينتمى كل الملتحين والمنتقبات بالضرورة إلى تيار الإسلام السياسى فى مصر، حيث شارك الكثير منهم فى التظاهرات الحاشدة التى طالبت بعزل مرسى فى 30 يونيو إلا أن حالة الغضب الشعبى والدماء التى كانت تملأ مصر أثرت على عقول الكثيرين مما دفعهم إلى التحرش بأصحاب اللحى والمنتقبات.
يقول محمود عاطف مدرس اللغة العربية الملتحى «تغيرت نظرة المواطنين للملتحى فعند ركوبى للمواصلات العامة ويكون هناك حديث عن أحوال البلد والسياسة أجد الجميع ينظر إلى وكأننى السبب فيما يحدث ناهيك عن الإشارة الى شخصى وتوجيه اللوم لى إلا أننى أتغاضى عن هذه المضايقات، خلاف مرورى على إحدى اللجان الشعبية فأتعرض للتفتيش أكثر من الجميع وكأننى إرهابى أو مرتكب لجريمة وعن اختلاف المعاملة قديما يقول: خلال سنوات حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، كان الملتحون يتعرضون لمعاملة سلبية ومضايقات على أيدى الأمن فقط، لكن الغضب الآن أصبح شعبيا لأن غضب الأهالى لا سقف أو حدود له ومتصاعد بالإضافة لاحتمال استمراره لفترة زمنية طويلة.
أقدمت على حلق لحيتى بعدما تعرضت حياتى للخطر هذا ما قاله عاطف مصطفى 33 عاما ويذكر أكثر من مرة أتعرض للخطر بالتحديد 4 مرات أولها عندما حاول أحد البلطجية طعنه بمطواة، وهو يستقل تاكسى وتطور الأمر بعد ذلك للجان الشعبية من البلطجية لتقوم بتفتيش سيارة أى ملتحٍ، بالإضافة للمواقف التى تعرض لها أصدقاء له ومحاولة الفتك بكل من له لحية.
∎ممنوع البيع
أن يتجاوز الغضب الشعبى القيم والمبادئ والأخلاق ضاربا بها عرض الحائط دون النظر إلى أى أعراف اجتماعية فينبغى التوعية للطرفين دون النظر لمنابر نشر الكراهية تقول منى محمود: «مش عارفة أعمل إيه، إحنا بين نارين، بين الالتزام بسنة شرعية ومواجهة كراهية الناس ومضايقتهم لنا وهى تتعبنا أكثر من أى تضييق أمنى» وعن المواقف التى تعرضت لها «أذكر أثناء ركوبى لمترو الأنفاق تعرضت منتقبة للضرب من رجلين وذلك بسبب قيامهما بالتلميح عنها بأنها تنتمى لجماعة الإخوان وما كان منها إلا أنها دافعت عن جماعة الإخوان برغم عدم انتمائها لهم ولكن بدافع استفزازهما لها فقام الرجلان بالاشتباك معها بالأيدى إلا أن الركاب تدخلوا سريعا لإنهاء الخلاف».
أما سهير فتحى فتقول «نتعرض للتمييز فى المعاملة.. قديما كانت المعاملة معنا أفضل بكثير حتى وإن كانت بدون سابق تعارف بين البائع والمشترى، أما الآن فنجد بعض المحلات تغلق فى وجهنا طريق البيع فأى بضاعة نسأل عنها غير موجودة أو اختلاق أعذار لعدم البيع وكأننا لسنا مصريين».
∎سلفيوكوستا
لقد حذرنا كثيرا من هذه النتيجة التى وصل إليها المجتمع المصرى هكذا تكلم «محمدطلبة» مؤسس سلفيوكوستا:
أثناء فترة حكم الإخوان المسلمين تناقشنا معهم فى رد فعل الشارع فى تعامله مع الملتحين والمنتقبات وكنا نتوقع ما ستؤول إليه الأمور من حدة فى التعامل ولكننا كنا نقابل برد عنيف من جماعة الإخوان ومن بعض مشايخ الدعوة وكانت الحجة لديهم أننا نثير الفتنة، ولذلك كنا طالبنا فى الدستور الملغى بوضع مادة تحارب التمييز لأن الشعب المصرى شعب عنصرى ويميز حتى فى الألوان حتى فى التعامل مع أصحاب البشرة السمراء إن داعبته بحس الفكاهة على أنه أسمر الوجه ربما يتشاجر معك ولا نعرف مدى صدق مقولة إن الشعب المصرى متدين بطبعه حتى الآن، أما عن التعامل مع الملتحين والمنتقبات فى المجالات المشتركة والتفرقة فى المعاملة والبيع والشراء معهم فهو أمر مرفوض وقد ذكرت فى مقالة بعنوان «الدينوميتر» أن التدين ليس بالمظهر، فصاحب اللحية الأطول ليس أكثر تدينا من صاحب اللحية الأقصر كذلك المنتقبة بالنقاب الأسود ليست أفضل من النقاب الملون، يقول أيضا ينبغى إنشاء وزارة جديدة تسمى وزارة الاندماج كما فى السويد وعن تعامل الشعب مع الملتحين يذكر أن الإخوانليسوا ممن يطلقون اللحية وحتى نساؤهم لايرتدين النقاب وهذه مظاهر للسلفيين فلا يوجد ضرر واقع على الإخوان.. وعن المواقف التى تعرض لها يذكر أثناء خروجه من مطار القاهرة أشار إليه سائق تاكسى وقال له «رابعة يا شيخ» وعن دور سلفيو كوستا فى الفترة القادمة لتوعية المجتمع بضرورة نبذ العنف تجاه الملتحين يقول: نقوم بعمل قوافل طبية وأعمال خيرية للتوعية والحد من نبذ العنف تجاه التيار الإسلامى، وبالأخص الملتحى وتكون القوافل من جميع الأطياف مسلمين ومسيحيين لتقديم انطباع جيد عند الجمهور فى ضرورة التعايش بين جميع الأطياف.
∎مصر الوسطية
أما عن دور علم الاجتماع فيقول الدكتور أحمد زايد - أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة - عن ظاهرة اختلاف التعامل مع الملتحين والمنتقبات ونفور المجتمع منهم فهو منظر غير صحيح فلا يتدخل أحد فى شئون الآخرين.
إلا أن ما ظهر من جماعة الإخوان المسلمين أخيرا تجاه الشعب كان السبب فى ذلك، فمصر دولة معروفة بالإسلام الوسطى ولم تعرف التطرف ومصر عرفت الدين على أنه يساعد على العمل والأمن داخل المجتمع فنمط التدين فى إطلاق اللحية وارتداء النقاب والمغالاة فى الدين والزى هو من مظاهر التدين الصحراوى فالبدو عاداتهم تفرض عليهم ارتداء النقاب فينبعى على المتشددين الخروج من التدين الصحراوى إلى التدين الزراعى فالمجتمع المصرى قديما لم يعرف فكرة ارتداء النقاب حتى الفلاحين قديما لم تكن المرأة ترتدى النقاب ولكن كان يكفيها أن ترتدى الحجاب على رأسها وما يحدث من هذه المظاهر كما لو كانت معاداة للثقافة المصرية. وعن رفض المجتمع فهى رسالة من المجتمع إلى هؤلاء للرجوع إلى الوسطية وإلى الطريق الصحيح وعن رد الفعل عند هؤلاء فهو إما اللجوء إلى التخفيف والبعد عن التشدد أو اللجوء إلى العنف. وعن دور الإعلام يرى أن له دوراً كبيراً فيما وصلت إليه الأمور فالخطاب الدينى على مستوى الأئمة فى المساجد والقنوات الدينية أدى إلى نفور المجتمع من التشدد وحدة الخطاب يقابلها قنوات أخرى تحارب هذه القنوات ولكن بحدة شديدة رسخت كراهية تجاه هذا الشكل من الأفراد داخل المجتمع.