مين اللى بنى القلعة؟ ... تعرف إيه عن الأهرامات غير خوفو وخفرع ومنقرع.. زرت القرية الفرعونية ولا سمعت عنها؟ وبالنسبة للمتاحف دخلتها؟ ولا اكتفيت برؤيتها فى فيلم «إسماعيل يس فى متحف الشمع»؟ أسئلة كثيرة أطرحها على هذا الجيل العريق جيل الثورة والتكنولوجيا جيل السماوات المفتوحة جيل بمختلف مستوياته الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية وبمختلف انتماءاته إلى مدارس تجريبية، لغات أو حكومية. استكمالا لأسئلتى: تعرف إيه عن الحضارة المصرية الممتدة منذ آلاف السنين سوى بضع كلمات فى كتب التاريخ التى تحفظونها «صم» كما هى ليتم ضخها فى ورقة الامتحان فتخرجون من اللجنة «يا مولاى كما خلقتنى» ناسيين كل المعلومات الأثرية العلمية والثقافية التى يتهافت عليها الأجانب لحفظها.. وللأسف السبب فى هذا اختفاء الرحلات العلمية.. فالرحلة المدرسيةتدهور حالها بسبب البيزنس وأصبحت أغلب الرحلات ترفيهية فقط يبحث عنها الطلاب للمتعة الخالصة من التعليم وتبحث عنها إدارة المدرسة لعائدها المادى.. فأصبحنا نعانى من جيل لا يعلم قيمة آثار بلده وتاريخه العريق الذى توارثناه منذ آلاف السنين.. وأصبحت هذه الآثار لا مدلول لها فى عقول الطلبة الآن مثلها كمثل تعريف الألوان لدى الأعمى الذى لم ير سوى ظلام.. فالطلبة لا يعلمون عن آثارنا سوى كلمات بلا صور أو مدلولات؟ أين ذهبت الرحلات العلمية والتثقيفية ولماذا لا يتم مزجها مع الكتب المدرسية لتكوين صورة حية لشرح المناهج.
∎الرحلات الترفيهية تكسب
أمانى ضياء مسئولة الأنشطة بإحدى مدارس اللغات بعباس العقاد التابعة للإدارة التعليمية فرع مدينة نصر قالت: قبل الثورة كنا نقدم الرحلات التعليمية الثقافية فى قليل من الأحيان مثل عمل رحلة مدرسية إلى القلعة والمتحف المصرى أو عمل رحلة إلى الأهرامات، ولكن فى المقابل كنا نقوم بعمل العديد من الرحلات الترفيهية كالملاهى أو الملاهى المائية لأنها الأكثر جذبا للطلبة .. فالرحلات للطلاب غرضها اللعب، الجرى والضحك وليس هدفها التعليم والتثقيف وطلبنا من مديرة المدرسة ربط مناهج التاريخ بالمزارات السياحية الموجودة بالقاهرة وعمل دمج من خلال كتب المدرسة وشرحها فى أماكنها التاريخية فيعمل هذا على رغبة الطالب فى فهم التاريخ ورؤيته على أرض الواقع وتخيل الأحداث من خلال المكان فيسهل عليه الحفظ ويرغب الطلبة فى مادة التاريخ أو الدراسات الاجتماعية لطلبة الابتدائى.. ولكن لم تتخذ مديرة المدرسة أى خطوات بالموافقة على هذا الدمج وبالتالى لن يختار الطلبة فى وقت رحلتهم وفراغهم أن يستمتعوا وسط التاريخ، خاصة أن المتعة القادمة من ملاهى ترفيهية أو مائية ستكون أكبر بكثير وظلت فكرة الرحلات الثقافية متواجدة، ولكن فى تضاؤل واحتضار حتى أصبحمعدل الرحلات الثقافية بالنسبة إلى الترفيهية 2 من 10 طوال العام الدراسى وبحلول الثورة تضاءل معدل الرحلات الترفيهية بسبب الانفلات الأمنى وخوف الأهالى على أبنائهم فحتى حضور الطلبة إلى المدرسة فى سنة أولى ثورة كان منخفضاً جدا.
∎انخفاض معدل الرحلات
هدى منير وكيلة مدرسة بمنطقة أرض الجولف مدينة نصر قالت: فكرة الرحلة المدرسية مبنية على ثلاثة أجزاء أولها المتعة التى سيحصل عليها الطالب، والخصومات التى سنحصل عليها من الجهة التى سنتجه إليها بالرحلة وإمكانية الذهاب إلى الرحلة وفقا إلى بعد المكان أو قربه فبناء على هذه العوامل تتحدد الرحلات، فمثلا أسعار الرحلات التثقيفية التعليمية مثل الأهرامات أو المتاحف ضئيلة جدا ولا يقومون بعمل عروض ترويجية مثل أكبر مدينة ملاهى فى مصر تقوم بعمل عروض على تذاكرها، بل تقوم بعمل اتفاقية معنا على أن تقوم بتخفيض أسعار الدخول من خلال إشراك عدد معين من الطلبة وإذا حدث ذلك تقوم الملاهى بإعطاء كتيب تذاكر مجانا إلى المدرسة تكون هدية إلى مديرة المدرسة أو يقومون بإعطائنا تذكرة تصلح لدخول 6 أفراد مجانا باللعب.. وبالطبع الرحلات الترفيهية حتى وإن كانت فى حديقة مثل الأزهر أو الحديقة الدولية فهى أفضل بكثير من الرحلات التثقيفية وتكون الرحلة ممتلئة تماما ولا يوجد بها أماكن خالية، أما رحلات اليوم الواحد التى تكون بالإسماعيلية أو رأس البر أو العين السخنة فهى تحتل المركز الثانى فى قائمة الرحلات وذلك بسبب رفض بعض الأهالى لبعد المكان أما من حيث المتعة فجميع الطلبة يتهافتون عليها وأولياء أمورهم هم من يأتون لسحب فلوس الرحلة.. لذلك قررنا إلغاء الرحلات التاريخية لأنها لا تؤتى أثرها على الطلبة وذلك قبل الثورة بسنة.. أما حاليا فإذا تم عمل رحلتين خلال العام «نبوس إيدينا وش وضهر».
∎نظرة شباب اليومين دول
وتأسفت عفاف الهنجارى مديرة إحدى المدارس الحكومية بمكرم عبيد قائلة: آسف على هذا الجيل الذى يجد لذته فى الجرى والتنطيط واللعب وهم يجهلون معالم بلدهم الأثرية، لذلك أغلب هذا الجيل لا يعتز بوطنه ولا يشيد بآثاره فهم غير واعين إلى قيمة هذا البلد وإن ما سيشاهدونه هو تاريخ مستمر منذ آلاف السنين وحضارات فرعونية مرت بها بلدنا لتشهد أهم فقرة فى حياة مصر والمصريين وهى الحضارة الفرعونية.. وهم طلبة جاهلون بجمال المتحف المصرى وقلعة صلاح الدين والبرج وكل المعالم الأثرية التى يقصدها الغرب قاطعين مسافات وأميالا ليأتوا عدة أيام يقضونها بين الأهرامات والمتاحف متباهين بجمال مصر ملتقطين صورا تذكارية وتاريخية مع إحدى الحضارات العريقة.. وأبناء البلد لا يزورون هذه الأماكن، أغفلوها وتركوها ليقصدوا الملاهى الكهربائية أو المائية ويقصدون الحدائق العامة ليلعبوا الكرة أو «صيادين السمك»، وللأسف لا تستطيعالمدرسة أن تملى على الطلبة تقبل الرحلات التعليمية أو التثقيفية وإنما ذوق الطلبة فى اختيار الرحلات هو ما يفرض علينا عمل اتفاقية مع المكان الذى سنقصده فى الرحلة للحصول على مزايا وخصومات.. ويأتى اختيارنا للمكان بعد عمل استطلاع رأى كتابى عن أماكن الرحلات فكانت دريم بارك رقم واحد ورقم اثنين الأزهر بارك ورقم ثلاثة متحف الشمع.. ومن الواضح أن ما يحدث الآن هو اختلاف نظرة جيل فالأماكن التاريخية موجودة منذ كنا طلبة وكنا نقصدها ونفضلها عن الذهاب إلى حديقة الحيوانات أو «جنينة الأسماك».
∎السبب انفتاح المجتمع
مصطفى عبيد مسئول الأنشطة فى إحدى مدارس اللغات بمصر الجديدة قال: كنا نقصد قديما الأماكن الأثرية لأكثر من سبب أولها أننا كنا مجتمعا مغلقا لا يوجد به أماكن للتنزه سوى الرحلات النيلية أو القناطر أو الحدائق العامة فكنا نتجه إلى المتاحف والنزهات الأثرية فنلتقط بعض الصوربجوار التماثيل أو نركب الخيول والجمال فى الأهرامات خاصة أننا نذهب أيضا فى رحلة إلى القناطر، والرحلة التالية تكون تثقيفية لأننا شاهدنا القناطر ولن نجد بها جديدا حتى نقصدها ثانية.. أما الآن فالمجتمع أصبح أكثر انفتاحا وأصبحت الأماكن الترفيهية كثيرة جدا ولها رونق جذاب يشد الطلبة إليها وعندما يأتى الدور على رحلة تعليمية تكون السنة قاربت على الانتهاء لأن هناك العديد من الأماكن التى يقترحها الطلبة بعيدا عن الرحلات التعليمية مثل الحدائق العامة والملاهى الكهربائية مثل دريم بارك، جيرو لاند وكايرو لاند وأيضا مدينة الملاهى المائية مثل اكوا بارك .. أما الرحلات التى نقصد بها حديقة الحيوانات أو الأهرامات والمتاحف فيكون عدد الحضور بها قليلا جدا وعندها لا نستمتع بالخصومات لأن الخصم نأخذه بعد حضور 50 طالبا، ولكن العدد الذى يشترك فى الرحلة يكون أقل بكثير ويذهبون للحديث والغناءطوال فترة الانتقال ب باص المدرسة والهروب من اليوم المدرسى لذلك أغلب الرحلات ترفيهية بحتة وتركنا أمر اختيار الرحلة للطلبة فهم يقدمون مقترحات وأنا ومدير المدرسة نبحث فيها وفقا لإمكانية تنفيذها وأفضل سعر نحصل عليه من العارضين.
∎طلاب المحافظات
أما ناصر المحلاوى مدير الأنشطة بمدرسة فى الزقازيق فقال: الرحلات المدرسية أصبحت بلا قيمة بعدما تم التعامل معها على أنها بيزنس، ولكن نحن هنا فى الزقازيق لا نعانى من قلة الرحلات العلمية مثل سكان القاهرة فوجود رحلة إلى القاهرة بغض النظر عن المكان الذى سنقصده يجعل الطلبة يلتفون حول قائمة الرحلة متسارعين فى دفع رسوم الرحلة، يجدون متعتهم الحقيقية ليس فى مكان الرحلة، وإنما فى فكرة السفر كما أن أغلب طلبة المحافظات يكونون حريصين على زيارة الأماكن الأثرية والتاريخية بجوار الرحلات الترفيهية.. أما إدارات المدارس إن كانت حكومية أو خاصة فتبحث فى المقام الأول عن الربح فتعاملت مع الرحلات المدرسية على عائدها المادى أكثر من فائدة الرحلة والعائد على الطلبة وبالطبع الأماكن العامة كالحدائق والرحلات النيلية والسيرك والملاهى هى التى حصلت على الرتبة الأولى من حيث العائد المادى وليس الثقافى وأصبحت الأماكن التاريخية الأثرية مقصدا للأجانب أكثر من أبناء الوطن، لذلك لم تشعر أجيال اليوم بما صنعه وورثه لنا أجدادنا.