عندما كنا تلاميذ في مرحلة التعليم الأساسي في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي كانت رحلات المدرسة تنحصر في زياراتنا لرموز حضارتنا القديمة لنتعرف كيف كنا, ونهضتنا الحديثة لندرك ونتبين ما علينا عمله لنصبح أبدع مما كنا, ولأماكن العبادة الأثرية لترق قلوبنا وتصفو نفوسنا وتشحن أرواحنا بطاقة حب الخير للغير وللحياة, ثم كل ماهو طبيعي وجميل, ليثبت في لا وعينا كيف نشم رحيق الوردة دون ان نقطفها وكيف نتمتع بجمال الحديقة دون ان نلوثها أو نقطع أشجارها وكيف نخلد لحظات المتعة بحفر اسمائنا علي جذوع الاشجار الضخمة دون ان نؤذيها او نشوهها, فزرنا اهرامات الجيزة وسقارة والمتحف المصري الفرعوني ومتاحف الحضارتين الاسلامية والقبطية, وقلعة محمدعلي والمتحف الحربي والمساجد والكنائس القديمة, وتمتعنا بزيارة القناطر عندما كانت خيرية يتمتع بها وفيها البسطاء من الشعب, وزرنا حديقة الحيوانات حين لم يكن هناك تليفزيون نري من خلاله مالم نر من كائنات, فكانت كتابنا المنظور للتعرف علي حياة الحيوانات وأشكالها, وزرنا حدائق حلوان ومصانعها, زرنا المطاحن, وزرنا مطابع جريدة الاهرام لنري كيف تصل الينا الجرائد بكل هذا الحجم وهذا القدر من المعلومات والاخبار في ساعات قليلة. وبعد نكسة76 رتبت لنا زيارات للجبهة ودخلنا الخنادق ومشينا في الشوارع الخاوية وشاهدنا الخراب الذي الحقه العدوان بالبلد الجميل وصلينا في مسجد الغريب واستمتعنا بفرقة السمسمية وغنينا معها واقشعرت جلودنا وامتلأت أرواحنا بارادة النصر وأثمرت الرحلات فكان منا من شارك في حرب العبور جنديا محاربا او متطوعا في الدفاع المدني او متبرعا بالدم للجرحي!! ثم كنا مانحن عليه الان عاشقين لتراب مصر, متمتعين بروح التسامح: اقول قولي هذا بعد ان صرت في العقد السادس وربيت اربعة منهم ثلاثة في عقدهم الثالث ثم الرابع ولم يزل بعد في العقد الاول, فلم اجد مدرسة من مدارسهم رتبت مثل هذه الرحلات وهي نشاط تربوي اجتماعي تثقيفي وترفيهي مهم, اللهم الا إلي قري سياحية او مطاعم بيتزا, فأي ثقافة نريد ترسيخها في عقول جيل المستقبل وهل من بديل لتلك الثقافة الاستهلاكية المائعة حيث لاهدف لها إلا استعراض مظاهر الغني والثراء وملء البطون والتباهي بكل مالا يدوم؟ وهل الي هذه الدرجة بلغ استهتارنا بالغد. د. سمير محمد البهواشي