استقبل «مركز سموم كاليفورنيا الأمريكى» عددا كبيراً من حالات التسمم نتيجة تناول منظفات صناعية منزلية، مما اضطره إلى إصدار نشرة تحذيرية قال فيها «إن أرفف السوبر ماركت تمتلئ بعبوات أنيقة جميلة زاهية الألوان كالأزرق السماوى، بديعة الرسومات يتبارى منتجوها فى تصميمها لإغراء المستهلك مثل رسم فصوص الليمون، وروائح منعشة مثل الأناناس، وهى عوامل تغرى الأطفال بمحاولة تذوقها، كما أن فخامة العبوة تغرى الكثيرين بإعادة استخدامها كعبوات لبعض المشروبات والعصائر، والخطير أيضا هو «خلط» منظفات غسيل الأطباق بمنظفات غسيل الزجاج وغسيل الملابس على أمل الحصول على نتيجة أفضل، وهو اعتقاد خاطئ لأن هذا الخلط يؤدى إلى تفاعلات شديدة التسمم، وكل هذا خطير جدا على الصحة العامة.
هذه التحذيرات صدرت من مركز سموم كاليفورنيا خوفا على صحة الأمريكيين فماذا عن صحة المصريين؟ تشهد سوق المنظفات المصرية حربا شرسة على شاشات التليفزيون، يتصارع فيها أكثر من 50 نوعا من المنظفات تطرحها العديد من الشركات هذا غير «مصانع بير السلم» للفوز بأكبر عدد ممكن من المستهلكين وسط كميات كبيرة من الإنتاج تقدر بأكثر من 250 ألف طن سنويا، وكلما كثفت الشركة حملاتها الإعلانية كلما اكتسحت السوق وزادت من مبيعاتها دون النظر إلى معدلات أمان المنظف أو خطورته على صحة الإنسان، ويكفى أن المصريين يستهلكون نحو 300 ألف طن من المنظفات الصناعية سنويا، والخطير جدا فى سوق المنظفات المصرية هو القيام باستخدام أكثر من نوع واحد من المنظف الصناعى فى صورة «مخاليط» تحضر بنسب معينة من أنواع مختلفة من المنظفات معتقدين خطأ أن ذلك يزيد من فعاليتها وكفاءتها دون أى اعتبار أن هذا الخلط يشكل خطورة بالغة على صحة الإنسان بسبب التفاعلات شديدة التسمم التى تحدث بسبب هذا الخلط، ومعروف أن استخدام المنظفات الصناعية والمنزلية قد كثر بعد الحرب العالمية الثانية لما لها من قدرة تنظيفية عالية تفوق الصابون، وكذلك ملاءمتها لجميع أنواع المياه خاصة الماء العسر.
∎ الفوسفور.. مارد مميت
لماذا نحذر وبشدة من الإسراف فى استخدام المنظفات المنزلية والصناعية والمبيدات الحشرية؟ لأن للأسف الشديد هناك أكثر من 21 نوعا من «الفوسفور» تدخل فى صناعة المنظفات والمبيدات، ومعروف أنه يوجد نوعان من الفوسفور «الأبيض» و«الأحمر» وقد عرفت عن «الفوسفور الأبيض» أنه ذو خطورة عالية وسمية قاتلة من قديم الزمان، لدرجة أن الكثير من الدول حرمت استخدامه وهناك معاهدات دولية لتحريم استعماله وتداوله، والمؤسف أن الفوسفور «الأبيض» الخطير يستخدمه الإنسان وبشكل يومى فى حياته وتتزايد تلك الأهمية يوما بعد يوم مما يتزايد معه الخطر الداهم الذى يكاد يفتك بالبشر، وقد يستعمل كما هو رغم تحريم استعماله قانونا حيث تدخل «مركبات الفوسفور العضوى» فى كثير من الصناعات مثل «المنظفات المنزلية - المنظفات الصناعية - المبيدات الحشرية - الأسمدة - القنابل الحارقة - قنابل الدخان والقنابل المسيلة للدموع - الكبريت «عيدان الثقاب» - الدهانات - مضادات القوارض - الذخيرة وصناعة الألعاب النارية - صناعة النسيج والصباغة - الصناعات المعدنية - الدوائية - مواد التجميل - الأليكترونيات - ومواد البناء وغيرها» وكلها يستخدمها الإنسان فى حياته اليومية.
خطورة الفوسفور العضوى الأبيض أن الكثير قد ينخدع فيه لأن لونه «أبيض» مثل اللبن وقد يتناوله الأطفال عن طريق الخطأ مما يسبب مآسى صحية، والأخطر أن الفوسفور القاتل والسام قد يكون فى صورة «مستحضرات طبية» لمقاومة حشرات الرأس أو الفراش مما قد يسبب خطورة على صحة الإنسان تبدأ بحساسية للجلد وتنتهى بالشلل والغيبوبة وتدمير خلايا المخ، كما ترجع خطورة التسمم بالفوسفور الأبيض إلى تسربه إلى المياه الجوفية ومياه الأنهار ومنها إلى مياه الشرب والرى ويصل إلى النبات ومن ثم إلى الإنسان والحيوان من خلال تناول اللحوم وأكل النبات وشرب الماء الملوث، وكارثة الفوسفور العضوى أنه يؤثر على المخ والكلام والحركة ويصيب بالشلل ويدمر خلايا المخ، وهو ما قد تحدثه المبيدات الحشرية الفوسفورية التى تستخدم فى الزراعة والتى للأسف تستخدم منها مصر سنويا ما لا يقل عن (2000 طن) مبيدات فوسفورية تقريبا، ونقول «تقريبا» لأنكم تعلمون أننا فى البلاد العربية لا نعترف بالأرقام ولا بعلوم الأرقام لأنها عندنا سمك لبن تمر هندى!!
∎ الفوسفور.. عاصفة من الشلل والغيبوبة
تختلف التأثيرات الحادة للتسمم بالفوسفور العضوى حسب طريقة دخوله إلى جسم الإنسان، فبعد التعرض للاستنشاق والدخول عن طريق «الأنف» تبدأ الأعراض على الجهاز التنفسى والعين وآلام وصداع واضطراب رؤية وضيق بالتنفس وسعال ونزيف بالرئة والتهاب رئوى قد يؤدى إلى الوفاة، وإذا دخل عن طريق الفم تظهر الأعراض على الجهاز الهضمى مثل الغثيان وآلام البطن والإسهال مع القلق والشعور بالضعف العام ووهن العضلات، وخطورة الفوسفور لتأثيراته الضارة على مختلف أعضاء الجسم وأنسجته من التهاب «كاو» لأن الفوسفور العضوى من المواد «الأكالة» التى تدمر الجهاز الهضمى وخاصة الكبد والكلى حيث يتضخم الكبد وتظهر الصفراء وينفتخ البطن، وقد يصاب الشخص بصدمة نتيجة هبوط فى ضغط الدم والدورة الدموية وقد تحدث الوفاة خلال 42 ساعة، وعند التسمم الشديد بالفوسفور تصبح كل الأعراض أكثر شدة مع ضيق شديد فى التنفس، وفى حالة الغيبوبة تنعدم كل المظاهر الحركية ويحدث الشلل وتضعف الاستجابة بين المخ وأعضاء الجسم وتحدث الوفاة، أما فى حالة التسمم المزمن بالفوسفور فإنه يظهر فى صورة صداع مستمر ودوار وضعف الذاكرة واضطراب النوم وفقدان الشهية وتراجع القدرات العقلية وتشنجات وأمراض عصبية ودماغية.
∎ الفوسفور.. قاتل للحياة
ذكر العالم الجليل «د. أحمد مدحت إسلام» فى كتابه «التلوث مشكلة العصر»، أن معظم دول العالم تعانى من مشكلة تلوث الأنهار والبحيرات بالمنظفات الصناعية والتى وصل الإسراف الشديد فى استخدامها حدا هائلا لدرجة أن بحيرة «كونستانس» التى تقع على حدود كل من «ألمانيا وسويسرا والنمسا» زادت فيها نسبة مركبات الفوسفور السامة إلى حوالى 5200٪ وهى لا شك نسبة قاتلة لكل أشكال الحياة، ليس هذا فقط بل أن مياه الغسيل الخارجة من المنازل والمصانع تحتوى على قدر هائل من مركبات الفوسفور شديد السمية والضرر بالكائنات الحية أصبحت كارثة بيئية وإنسانية، وهو ما تؤكده الإحصائيات الأمريكية من أن ما يقرب من 70٪ من مركبات الفوسفور الموجودة فى أغلب الأنهار والبحيرات تأتى عن طريق مياه الغسيل المحملة بالمنظفات الصناعية، وفى حادثة شهيرة فى أوروبا منذ سنوات غطت «المنظفات الصناعية» مياه أحد الأنهار الأوروبية لمسافة عدة كيلو مترات بطبقة سمكية من «الرغوة» عزلت مياه النهر عن أكسجين الهواء وحدوث نقص شديد فى كمية الأكسجين الذائب فى الماء، مما أدى إلى قتل كل شىء بهذه المياه من أسماك وكائنات حية دقيقة وغيرهما. ∎حتى لا تصبح «ضحية» للفوسفور كيف السبيل إلى النجاة من هذا القاتل للحياة؟ يتسرب الفوسفور ومركباته إلى الجو أثناء تداوله أو نقله أو تصنيعه أو استخدام مواد أو أجهزة تحتوى عليه، ولهذا يجب منع تسرب أو ملامسة الفوسفور ومنع وصوله إلى جسم الإنسان، أما «الجلد» فيجب أن يحمى بالملابس الواقية كالجوانيتات والقفازات والأحذية العالية «البوت» والتى يجب أن تغسل تماما قبل استعمالها حتى لا تشكل هى نفسها خطرا على مرتديها، كما يجب العناية بوسائل النظافة والاغتسال وذلك بغسل الأيدى والوجوه والاستحمام، مع عدم السماح للصبية والنساء باستخدام المنظفات المنزلية دون استخدام «جوانتى» لحمايتهم، وعدم العمل فى مجال مكافحة الآفات باستخدام المبيدات الحشرية الفوسفورية خاصة من هم دون (18 عاما)، مع استخدام المراوح الشافطة لتنقية الجو من الآثار السامة.
أما حماية الأنف والجهاز التنفسى فتكون باستعمال الأقنعة الواقية وخاصة العاملين فى رش المبيدات الحشرية الفوسفورية، وحماية الفم تكون بارتداء الأقنعة الواقية، مع عدم تناول الطعام قبل غسل الأيدى جيدا، وعدم تناول الفواكه والخضراوات الحديثة الرش بالمبيدات الحشرية قبل انتهاء الفترة الزمنيةالآمنة.