أعرف الفنان القدير عادل إمام منذ بداية الستينيات فى القرن العشرين. كان عادل إمام وصلاح السعدنى وأبوبكر عزت وماهر تيخا يكونون شباب الكوميديا التى بدأت تتكون بعد تجارب عديدة خاضها المسرح الكوميدى بعد وفاة نجيب الريحانى الذى تربع على عرش الكوميديا المصرية مع زميل عمره بديع خيرى وفرقة الريحانى التى قدمت العديد من المسرحيات الكوميدية تألق فيها كل من محمود المليجى وعبدالوارث عسر وميمى وزوزو شكيب، وعبدالعزيز خليل وعبدالفتاح القصرى ومحمد الديب وآخرون.
بعد وفاة الريحانى كون أبو السعود الإبيارى وإسماعيل ياسين فرقة مسرحية قدمت العديد من المسرحيات الكوميدية، ولكنها لم تملأ الفراغ الذى تركه الريحانى برحيله!
كما قدمت الإذاعة المصرية أعمالاً كوميدية بعنوان «ساعة لقلبك».
وعام 8591 قدم سمير خفاجى مسرحية «مراتى صناعة مصرية» بطولة فؤاد المهندس وماجدة الخطيب.
وأذكر أن أستاذنا فتحى غانم رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» فى ذلك الزمان كتب يقدم فؤاد المهندس بعنوان العبقرى.
وفعلا كان لظهور فؤاد المهندس وقع رائع فى الوسط المسرحى.
ومنذ ذلك التاريخ أى أواخر عام 8591 وبداية عام 9591 أصبح المجتمع المصرى والعربى مستعدا لقبول من يجلس على عرش الكوميديا بعد نجيب الريحانى وإسماعيل ياسين.
وعام 1691 أصدر الدكتور محمد عبدالقادر حاتم وزير الإعلام قرارًا بإنشاء مسرح التليفزيون من فرق كثيرة متنوعة مثل المسرح العالمى، والمسرح الحديث والمسرح الكوميدى.
وضم المسرح الكوميدى عبدالمنعم مدبولى مخرجا وفؤاد المهندس ممثلا ومجموعة من الشباب الواعد مثل أبو بكر عزت وعادل إمام وصلاح السعدنى وأحمد زكى وهادى الجيار وفاروق فلوكس وسعيد صالح وآخرين فى مقدمتهم السيد راضى، ومحمد عوض وفرغلى ونظيم شعراوى وخيرية أحمد.
لم يستمر مدبولى والمهندس طويلا فى المسرح الكوميدى، ولكنهما انفصلا وكون سمير خفاجى فرقة الفنانين المتحدين لتقديم عدد من المسرحيات الكوميدية التى لاقت نجاحًا باهرًا.
وحاول فؤاد المهندس إعادة نسخ التوليفة الكوميدية لنجيب الريحانى مع بديعة مصابنى، فتزوج فؤاد المهندس من شويكار طوب صقال ليكونا ثنائياً مسرحيا تربع على عرش الكوميديا الذى خلا بموت الريحانى، ولكن بعد عشر سنوات من الفراغ المسرحى الكوميدى! وقدم فريق الفنانين المتحدين بزعامة فؤاد المهندس وشويكار مجموعة من المسرحيات الكوميدية تألق فيها المهندس ومدبولى وشويكار ليصبح المسرح التجارى مزدهرًا والمسرح الحكومى ممثلا فى المسرح القومى يقدم مسرحيات رائعة ولكن بلا جمهور!
الجمهور أصبح من رواد فرقة الفنانين المتحدين، وأبطالها مدبولى وفؤاد وشويكار. وكان مسرح التليفزيون الكوميدى بقيادة السيد بدير ونائبه الفنان حمدى غيث قدما مسرحية «السكرتير» التى قدمت لنا الفنان عادل إمام فى مسرحية يقوم ببطولتها فؤاد المهندس وشويكار، ويلعب فيها عادل دورًا صغيرًا، ولكنه اجتهد فى ذلك الدور الصغير وهو سكرتير المحامى لدرجة لفتت له الأنظار، وجعلته يبزغ كمشروع نجم كوميدى واعد للمسرح الكوميدى.
وفعلا لم تمر سنة حتى وجدنا عادل إمام بطلا لمسرحية على سالم الشهيرة «مدرسة المشاغبين». ومنذ ذلك التاريخ فى بداية الستينيات بدأ عادل إمام يصعد درجات المجد ليصل إلى عرش الكوميديا المصرية ويتربع فوقه حتى هذه اللحظة التى أكتب فيها هذه السطور وبدون أى توليفة قديمة!
عادل إمام بلا منازع تربع على عرش الكوميديا وبمسرحيات قليلة وعدد من الأفلام لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، ولكنها جميعا كانت تعبر عن المجتمع المصرى والعربى ومشاكله العديدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وتبنت مجلة «صباح الخير» الفنان الصاعد عادل إمام، وجعلته إماما لفنانى الكوميديا. حرصنا على الوقوف إلى جانبه فى كل القضايا التى يدافع عنها فى مسرحياته أو أفلامه، ولم يكن فى مسرحياته أو أفلامه ما يزدرى أى دين لا الإسلام ولا غيره من الأديان السماوية، ولو كان هناك ثمة رائحة يشتم منها ازدراءه لأى دين لما وقفنا إلى جواره ولا دافعنا عن قضاياه.
ولم تكن «صباح الخير» فقط التى تقف إلى جانب عادل إمام فى الدفاع عن وجهة نظره فى القضايا التى يتصدى لها بالنقاش، ولكن وقف معنا الكاتب الصحفى الراحل محسن محمد فى الجمهورية، ووقف معنا صلاح حافظ مايسترو الصحافة كما سماه ابننا رشاد كامل رئيس تحرير «صباح الخير» الأسبق، ووقف معنا مفيد فوزى ورءوف توفيق وأستاذنا الفاضل أحمد بهاء الدين مؤسس «صباح الخير» فى عموده اليومى بالأهرام والذى فيه طالب كتاب الكوميديا بألا تفوتهم الفرصة فى الكتابة للمبدع الرائع عادل إمام.
عادل إمام قد تكون «صباح الخير» تبنته فى البداية، ولكن فيما بعد وقفت إلى جانبه كل الأقلام المستنيرة فى الصحافة المصرية. ولولا عظمة القضاء المصرى لكان كل من محسن محمد وصلاح حافظ وكاتب هذه السطور قد أدينوا بسبب وقوفهم إلى جانب قضايا أثارها عادل إمام فى فيلم «الأفوكاتو» واقتنعوا بها فدافعوا عنها! واستمرت مسيرة عادل إمام فى العطاء واقفا إلى جانب قضايا الشعب المصرى، ومحاربة الفساد، وذلك من خلال النصوص التى قدمها له زميلنا وصديقنا العزيز وحيد حامد أو من إخراج الفنان الرائع شريف عرفة وإنتاج الفنانين المتحدين.
واليوم وقد صدر حكم ضد عادل إمام فإننا مع احترامنا الكامل للقضاء المصرى، إنما نسجل هنا وقوفنا ضد معاقبة فنان على إبداعه خاصة إذا كان هذا بعد حصول منتج الفيلم أو المسرحية على ترخيص الرقابة بالتصوير أو بالعرض بعد التصوير فى دور السينما.
فجهاز الرقابة التابع لوزارة الثقافة أجاز النص، وأجاز العرض بعد التصدير، وإذا كان هناك شخص يعاقب فليس الممثل أو المخرج أو المؤلف، ولكن الذى يعاقب هو الجهاز الذى أجاز التصريح بالتصوير وأجاز العرض فى دور السينما، ثم رقابة التليفزيون التى أجازت العرض من خلال التليفزيون المصرى أو التليفزيونات العربية.
أما أن يصدر حكم بمعاقبة الممثل على دور قام به فى نص أجازته الرقابة على المصنفات الفنية، وأجازت عرضه فى دور السينما، وكذلك أجازته رقابة التليفزيون فهذا أمر يجعلنا نتساءل عن حدود حرية التعبير لدى المبدعين، ونتساءل عن من يحدد هذه الحرية؟! ومن يضع قواعد المنح أو المنع؟!
هذه بداية انهيار المجتمع الجديد الذى نسعى لإقامته بعد ثورة 52 يناير 1102. وإذا وضعت العراقيل أمام إقامة المجتمع الجديد فهذا ليس له من معنى سوى تكريس الاستبداد وفرض الديكتاتورية على فكر المبدعين وبالتالى الحكم بالإعدام على تطوير المجتمع ومحاربة الفساد!
هل نحن نسعى لإقامة ديكتاتورية جديدة؟!
وهل نحن نعاقب عادل إمام الزعيم الذى تربع على عرش الكوميديا حتى لا يفكر أحد فى مناقشة الفساد وقضايا المجتمع الملحة من أجل تطويرها؟
أم ماذا نريد فعلا؟!
∎ هل نريد عيش وحرية وكرامة إنسانية؟
هل نريد أن نسير فى طريق تحقيق العدالة الاجتماعية التى رفعت شعارها ثورة 52 يناير 1102؟! هل نريد استمرار ثورة الربيع العربى الذى يعمل على نقل المجتمع من الركود إلى الحركة النابضة، المتطورة، لترفع من شأن الإنسان وتجعله يعيش فى وضع أفضل من الذى كان فيه طوال السنوات الستين الماضية؟!
إن محاولات تعطيل مسيرة الحرية وتطبيق العدالة الاجتماعية لن تمنع المبدعين من إطلاق طاقاتهم الإبداعية فى سبيل إقامة وطن جديد يعيش فيه المواطن بحرية، وتطبق فيه العدالة الاجتماعية بين الجميع أمر لا يجب أن يمر بسهولة بل يجب الوقوف أمامه طويلاً ومناقشته كثيرا حتى يقتنع الجميع بحق الشعب فى الحرية وحق المبدع فى الإبداع. هذا هو ما يستحقه الشعب المصرى فى قادم الأيام بعد قرون من الذل والاستعباد والدكتاتورية وكبت حرية الإبداع.