لا أعرف معني أن تلتصق صفة الدين بالدولة، سواء كانت يهودية أو مسيحية أو مسلمة. دولة إسرائيل (التي أصبحنا نقلدها في عالمنا العربي في كثير من شئون حياتنا) رسميا ودستوريا دولة يهودية. اسمها الرسمي هو "دولة إسرائيل" Stateof Israel وطبيعتها كما ورد في بيان التأسيس المعلن عام 1948 هو أنها "دولة يهودية" Jewish Nation-State. فيما بعد، في عام 1985 أضيفت إلي صفة "يهودية" صفة "ديمقراطية" لتصبح دولة إسرائيل دولة "يهودية ديمقراطية"! عندما تعلن دولة اسرائيل في دستورها أنها دولة يهودية، هي تنفي بالضرورة "المواطن الآخر" غير اليهودي، سواء كان هذا المواطن الآخر عربيا أو أوروبيا، مسلما أو مسيحيا أو بوذيا أو ملحدا. وفقا لهذا النفي الدستوري، تُسن القوانين ويباح التعصب لصالح دين وعرق واحد في مواجهة أديان وأعراق متنوعة. وإلا فلم التأكيد علي هذه الصفة؟ الغريب في الأمر أن نسمع بعض السياسيين والمحللين يصفون دولة إسرائيل بأنها دولة علمانية، ينفصل فيها الدين عن الدولة! فيما يحاول البعض الآخر التذكير بأن دولة إسرائيل "اليهودية الديمقراطية" هي دولة التوراة، دولة قومية دينية، دولة الشعب اليهودي، كما يرد في أدبيات الحديث عن إسرائيل داخلها وخارجها. بعض المفسرين يرون أن صفة اليهودية لا تعني بالضرورة الديانة ولكن تعني الميراث التاريخي. ولا أحد يدري كيف ينفصل هذا الميراث التاريخي عن الديانة وتراثها الذي يجمع بالإضافة للكتاب المقدس آلافاً مؤلفة من التفاسير الدينية كتبها اليهود وغيرهم علي مر العصور. وما الحدود التي تجعل من هذه التسمية الدينية مجرد تسمية "ثقافية" أو "علمانية" كما يدعي البعض في تعريفهم لدولة إسرائيل؟ بل الأنكي أن تضاف إلي صفة "يهودية" صفة "ديمقراطية" رغم أن الأولي تنفي الثانية بالمنطق وبالضرورة الحتمية... كلنا نعرف أنها ديمقراطية شكلية (بمعني التعدد الحزبي فقط) وأن تلك الديمقراطية تعاني من مساوئ التعصب الديني والعرقي ضد العرب مسيحيين ومسلمين ويهود من مواطني اسرائيل، ناهيك عن أبناء الضفة المحتلة وغزة. في عام 1979، تغير اسم إيران الرسمي ليصبح "جمهورية إيران الإسلامية" بعدما كان اسمها "مملكة إيران". التغيير من الحكم الملكي للحكم الجمهوري واكبه تأكيد لدين الدولة والتشريع الشيعي فيها، وأدي ذلك لا لنهضة إيران الحديثة كما تمني المسلمون للثورة الجديدة آنذاك ولكن لما نعرفه عن الحكومات الإيرانية المتعاقبة منذ قيام الثورة من كوارث ومخالفات للشرائع الإنسانية وحقوق الإنسان والنواميس الدولية. نعم هناك تحد لأحادية القطب الأمريكي، ولكنه تحد لا يسفر إلا عن خراب داخلي، ونعم هناك تطبيق لبعض قوانين الديمقراطية خاصة في انتخابات الرئاسة الأخيرة التي فاز فيها أحمدي نجاد بنحو 60% فقط من الأصوات، ولكن التعددية الحزبية مازالت غائبة، ويعاني منها ضمن من يعاني اليساريون والفرس واليهود والأرمن في ظل "الدولة الإسلامية". والسؤال الذي يلح علي الآن هو: ما أوجه الشبه بين النموذج المصري والنموذجين الإسرائيلي والإيراني؟ أولا نحن أشبه بإسرائيل من حيث اعتماد الصفة الدينية في مواد الدستور والتشريع وليس في تسمية الدولة كما هو الحال في إيران. وثانيا نحن أشبه بإيران من حيث التأكيد علي اعتماد التشريع الإسلامي (السني في حالة مصر) كمصدر رئيسي للتشريع. تقول المادة الأولي والثانية من الدستور في تعريف الدولة: "مادة (1): جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة. مادة (2): الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع." هذا كما نعرف هو نص الدستور المعتمد في عام 1971، والذي اعتمده الرئيس الراحل أنور السادات. لو قارنا بدستور سنة 1923 المصري والذي تم تعديله عدة مرات بعد ذلك سنجد أن المادة الثالثة تقول: "المصريون لدي القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين." والمادة الثانية عشرة تقول: "حرية الاعتقاد مطلقة." ماذا حدث في أقل من خمسين سنة، ليقرر البعض أن "الإسلام دين الدولة"؟ هل أصبح النموذج الإسرائيلي مهيمنا علينا في مصر؟ أم رأي المشرعون أن الانتصار علي العدو لن يكون إلا بتبني نفس منطقه القائم علي الإقصاء الديني؟ في اعتقادي أن أحد مبادئ الديمقراطية متحقق فعليا في مصر الآن، مبدأ حرية التعبير في حدود احترام العقائد والتشريعات، وإلا لما سمح لي وأنا غير متخصصة في الدساتير الدولية بطرح تلك الأسئلة المعلقة علي صفحات الجرائد المصرية. الخطوة الأهم في رأيي ليست في طرح المثقفين لتلك الأسئلة فيما بينهم، كما أفعل أنا وغيري، ولكن في طرحها علي الناس كافة، في المحافل العامة والإعلام الرسمي...هل نريد أن نقلد النموذج الإسرائيلي أو النموذج الإيراني؟ أم أننا نريد أن نبدع الآن أو في المستقبل القريب نموذجا يخصنا كمصريين؟ الأسئلة التي أطرحها مشروعة، والإجابات لن تأتي إلا من ضمائر الناس الحية، مثقفين وغير مثقفين. ولأن المسألة تحتاج لبحث وتمحيص وتبسيط، فسيكون لهذا الحديث بقية... خاصة أن بعض نماذج الدول ذات الغالبية المسلمة مثل تونس وتركيا تختلف تماما عن نموذج الدولة الإسلامية المتعارف عليه في إيران أو المملكة السعودية... مما يعني أن الإسلام وهو دين الأغلبية في هذه الدول العلمانية (تونس وتركيا) لا يعطي للدولة ككيان سياسي صفة دينية.... هذا الكلام معروف، لكن لزم التكرار والتذكير وإعادة فتح الملفات . [email protected]