الحديث الثاني الذي استدل به فقهاء أصول الفقه في شرعنة ما يسمي الاجتهاد الديني الذي يعني عند الفقهاء بذل الجهد في فهم النص الديني، حديث رواه عمرو بن العاص، وهو حديث رواه البخاري ومسلم، ونص هذا الحديث كالتالي: عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) متفق عليه. وأود قبل مناقشة نص هذا الحديث أن ألقي نظرة توضيحية علي الصحابي عمرو بن العاص راوي هذا الحديث، لأن عمرو بن العاص شخصية مثيرة للجدل وشديدة المكر والدهاء السياسي، وما يرد عنه من آراء وما يروي من روايات ينبغي أن يتم الوقوف أمامها طويلا للتعرف علي المدلولات الحقيقية التي تحملها تلك الآراء أو حتي الروايات التي يرويها عن النبي عليه الصلاة والسلام، فعمرو بن العاص بدهائه ومكره السياسي كان هو أحد الأسباب الرئيسية في إشعال الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، الفتنة التي راح ضحاياها الآلاف من المسلمين علي الجانبين، فهذا المقال والمقال التالي سألقي فيهما الضوء علي دور عمرو بن العاص في إشعال الفتنة بين علي ومعاوية، ثم بعدها نعود لهذا الحديث الذي رواه هو في الاجتهاد لنري هل من أمر ما يمكن قراءته واستجلاؤه في رواية عمرو بن العاص لحديث الاجتهاد هذا؟. لما فرغ علي بن أبي طالب من موقعة الجمل التي كانت عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام طرفاً فيها ضد علي بن أبي طالب، قام علي ببعث الرسل إلي البلدان والأقاليم لأخذ البيعة له علي الخلافة، وكان يومها معاوية بن أبي سفيان والياً علي الشام فأرسل له علي بن أبي طالب احد أتباعه لأخذ البيعة منه علي الخلافة، فلما بلغت معاوية رسالة علي بن أبي طالب جمع معاوية عمرو بن العاص وكبار أهل الشام، فاستشارهم معاوية في رسالة علي بن أبي طالب فكان ردهم أن رفضوا البيعة لعلي بن أبي طالب بالخلافة حتي يقتص علي بن أبي طالب من قتلة عثمان بن عفان، بل إن معاوية اتهم علي بن أبي طالب بأنه أعان قتلة عثمان بن عفان وانه آواهم، ثم شرط معاوية حتي يبايع علي بن أبي طالب علي الخلافة أن يقتل قتلة عثمان أو يدفعهم إلي معاوية ليقتلهم هو بنفسه. أما عن الخوارج فهم جماعة من قراء أهل الشام وقراء أهل العراق قد اجتمعوا لكي يتوسطوا ويوفقوا بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان في نزاعهم حول قتلة عثمان بن عفان. وبعد ذهاب وإياب هؤلاء القراء بين علي ومعاوية لعدة مرات فشلت محاولات الوساطة هذه في فض النزاع القائم بين الطرفين فاندلع القتال بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان واستمر أياما طويلة حتي كاد النصر أن يكون حليفا لعلي بن أبي طالب وأتباعه من أهل العراق ضد معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام، فلما أحس أهل الشام بأنهم قاب قوسين أو أدني من الهزيمة قاموا فرفعوا المصاحف فوق أسنة الرماح وقالوا لأهل العراق هذا بيننا وبينكم. وذكر بن جرير وبن كثير أن أول من أشار برفع المصاحف علي أسنة الرماح وأول من اخترع هذه الفكرة هو (عمرو بن العاص) كما ذكر ذلك بن جرير والطبري في تاريخه وبن كثير واحمد بن حنبل في المسند وغيرهم وكانت هذه خدعة شيطانية من عمرو بن العاص ليوقف القتال حين أحس بالهزيمة ويستطيع من خلال هذه الخدعة أن يشتت ويفرق أصحاب علي بن أبي طالب، إلا أن علي بن أبي طالب رفض الانصياع لهذه الخدعة الماكرة الخبيثة، وعندها قام جماعة من القراء سالفي الذكر إلي علي بن أبي طالب وطالبوه أن يستجيب إلي كتاب الله وإلا قتلناك أو سلمناك إلي أهل الشام فيقتلونك، وتجنبا لفتنة أكبر بين المسلمين أمر علي بن أبي طالب بوقف القتال وأمر أمير قواته (الأشتر) بوقف القتال فأوقف (الأشتر) القتال علي مضض.