بدء حجز وحدات المصريين بالخارج غدا في 5 مدن.. «الوطن» تنشر كراسة الشروط    طارق فهمي: خلافات بين إسرائيل وأمريكا بشأن العملية العسكرية في رفح الفلسطينية    «وفقًا للائحة».. إنبي يُعلن تأهله رسميًا إلى بطولة الكونفدرالية    ضبط مصنع تعبئة زيوت غير صالحة ومعاد استخدامها في الإسكندرية    ماذا قال عصام صاصا بعد الإفراج عنه عقب تسببه في وفاة شخص صدمه بسيارته ؟    «الأزهر للفتوى الإلكترونية»: الأشهر الحرم فيها نفحات وبركات    "السلع التموينية" تعلن ممارسة لاستيراد 40 ألف زيت خام مستورد    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    تخفيض الحد الأدنى للفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيها من أغسطس    محافظ الغربية يتابع استمرار الأعمال بمستشفيي طنطا العام والأورام    فرنسا تعرب عن «قلقها» إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    الفريق أول محمد زكى يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    سفير مصر ببوليڤيا يحضر قداس عيد القيامة بكاتدرائية السيدة العذراء بسانتا كروس|صور    بصور من كواليس "بدون مقابل".. منة فضالي تكشف عن تعاون سينمائي جديد يجمعها ب خالد سليم    تعرف على موعد حفل نانسي عجرم ب باريس    صور ترصد استعدادات الامتحانات في 4274 مدرسة بالجيزة (تفاصيل)    بالفيديو.. خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    في اليوم العالمي للربو.. مخاطر المرض وسبل الوقاية والعلاج    وصفة تايلاندية.. طريقة عمل سلطة الباذنجان    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل الرئيس التنفيذي لجمعية "لأجلهم"    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    انطلاق فعاليات المؤتمر السادس للبحوث الطلابية والإبداع بجامعة قناة السويس    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    أسامة جلال يخضع لعملية جراحية ويغيب عن بيراميدز 3 أسابيع    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    15 صورة ترصد أسوأ إطلالات المشاهير على السجادة الحمراء في حفل Met Gala 2024    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه.. وسبب لجوئه لطبيب نفسي    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تمت كتابة السنة في عصر النبي "عليه الصلاة والسلام"؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 30 - 07 - 2010

بعدما ترسخ القرآن بأساليبه ومذاقه الخاص في قلوب وعقول المسلمين أمر النبي بكتابة السنة جمع السنة ظل مجهوداً أهلياً حتي عهد عمر بن الخطاب الذي قرر جمع السنة وتدوينها كما فعل أبوبكر في القرآن ثم تراجع أبوهريرة لجأ لكتابة محفوظاته بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم خوفاً من النسيان وورَّث كتبه للعديد من تلامذته
هل تمت كتابة السنة في عصر النبي "عليه الصلاة والسلام"؟
هل تمت كتابة الأحاديث النبوية في عصر النبي «صلي الله عليه وآله وسلم»؟ هذا السؤال كثيرا ما تمت إثارته في إطار إجابة سائدة يظن البعض صحتها وهي أن الأحاديث لم تتم كتابتها في عهد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقد أشار الأستاذ إبراهيم عيسي في مقاله في الدستور الأسبوعي إلي هذه المعلومة كأنها بديهية مسلم بها وفي السطور التالية نتعرض لحقيقة هذا الأمر كما وثقتها المراجع الإسلامية الثابتة كما نعرض لمراحل كتابة وتدوين السنة الشريفة للتدليل علي حقيقة هذه المسألة المهمة.
و بداية لابد من الإشارة إلي أن كتابة السنة في عهد النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» مرت بمرحلتين:
الأولي: في بداية الرسالة المحمدية، حيث نهي النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» عن كتابة الأحاديث وكانت الحكمة من ذلك هي الحرص علي ألا تختلط الأحاديث النبوية بالقرآن الكريم.
الثانية: وكانت بعدما ترسخ القرآن بأساليبه ومذاقه الخاص في قلوب وعقول المسلمين فأذن النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» بكتابة السنة بل أمر النبي «صلي الله عليه وآله وسلم بكتابتها في مناسبات عديدة فعن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلي الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله «صلي الله عليه وسلم» ورسول الله «صلي الله عليه وسلم» بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله «صلي الله عليه وسلم» فقال «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق» رواه أحمد في مسنده وأبو داود وصحح إسناده شعيب الأرناؤط وغيره ومعروف أن عبدالله بن عمرو بن العاص إسلامه متأخر فدل ذلك علي أن الإذن في كتابة السنة كان في آخر الرسالة ومما يزيد ذلك وضوحًا ما ورد عن أبي هريرة (و غيره) قَالَ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَامَ رَسُول اكْتُبُوا لِي - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم - «اكتُبُوا لأَبِي شَاهٍ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ اكْتُبُوا لِي يَعْنِي خُطْبَةَ النَّبِيِّ «صلي الله عليه وسلم» رواه أبوداود وأحمد والبخاري وغيرهم وعن أَبَي هُرَيْرَةَ قال «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَلاَ أَكْتُبُ» رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم.
و في إطار كتابة السنة في عهد النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» لا بد أن نلاحظ أن هذه الكتابة تشمل أنواعًا عديدة نوجزها فيما يلي:
- رسائله «صلي الله عليه وآله وسلم» للملوك والحكام في عصره وهي لا شك تحوي العديد من أحكام الدين.
- رسائله «صلي الله عليه وآله وسلم» للقبائل يدعوها للإسلام أو للتي أسلمت يعلمها أبرز أحكام الإسلام و هي عديدة.
- رسائله «صلي الله عليه وآله وسلم» للولاة والقضاة وعمال الزكاة يعلمهم فيها أحكام الدين الواجب عليهم اتباعها في أعمالهم.
- معاهدات النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» ومواثيقه واتفاقاته.
- عقوده «صلي الله عليه وآله وسلم» وقرارات عفوه.
- ما كتبه بعض الصحابة من حديثه وأشهر هذه الصحف صحيفتا علي بن أبي طالب وعبدالله بن عمرو بن العاص و كلتاهما مرويتان في كتب السنة خاصة مسند أحمد.
هذا في عهده «صلي الله عليه وآله وسلم» أما بعده وفي عصر صحابته وتلامذة الصحابة الذين يطلق عليهم اصطلاحا اسم التابعين فقد اهتموا بكتابة السنة وجمعها من الأفواه بشكل فردي وليس في إطار جهاز الدولة بعكس ما فعله أبوبكر وعثمان (رضي الله عنهما) في جمع القرآن فجَمْعُ السنةِ ظل مجهوداً أهليًا حتي ذلك الوقت حيث عزم عمر بن الخطاب في أثناء حكمه علي جمع السنة وتدوينها كما فعل أبو بكر في القرآن وظل يصلي استخارة علي هذا الأمر شهرًا كاملاً لكن عمر لم ينشرح صدره لفعل ذلك فتراجع عنه وظل تدوين السنة مجهودًا فرديًا وأهليًا بعيدًا عن دوائر الحكم و علي سبيل المثال لا الحصر كان الحسن بن علي (رضي الله عنهما) يقول لبنيه وبني أخيه: «تعلموا العلم فإنكم صغار قوم اليوم تكونون كبارهم غدًا فمن لم يحفظ منكم فليكتبه ويضعه في بيته».
و كان لابن عباس (رضي الله عنهما) ألواح يكتب فيها الحديث عن الصحابة وقد تجمع لديه حمولة جمل من الكتب وقد قالت سلمي زوجة أبي رافع مولي النبي «صلي الله عليه وآله وسلم»: «رأيت عبدالله بن عباس يأتي إلي زوجي حاملاً معه ألواحًا خشبية ليكتب أحاديث النبي - صلي الله عليه وآله وسلم -».
و هناك العديد من الصحابة والتابعين كانت لهم كتب يجمعون فيها السنة ثم يقومون بروايتها منها بل إن أبا هريرة نفسه قد لجأ لكتابة محفوظاته بعد وفاة النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» خشية النسيان ووَرَّثَ كتبه للعديد من تلامذته وأشهرهم وهب بن منبه وسعيد المقبري وغيرهماو لا تتسع المساحة لتتبع أسماء الصحابة والتابعين الذين لجأوا لكتابة السنة وجمعها من الأفواه بدءًا من عصر الخلفاء الراشدين وحتي التدوين الشامل للسنة.
وتأتي مصر عام 80 ه كعلامة فاصلة في هذا المجال ففي مصر بدأ جمع السنة مدونة بشكل رسمي عندما بدأ والي مصر الأموي عبدالعزيز بن مروان في الاهتمام بجمع السنة مدونة و قد كتب عبدالعزيز بن مروان إلي كُثَيْر بن مرة الحضرمي (و كان قد تتلمذ علي العديد من الصحابة ومنهم سبعون من أهل بدر) أن يكتب إليه بما سمع من الصحابة من حديث النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» إلا أحاديث أبي هريرة لأنها كانت مدونة كاملة عند عبدالعزيز (لاحظ هنا أن عدد أحاديث أبي هريرة تزيد علي 5000 حديث وكلها مدونة بشكل كامل لدي والي مصر عام 80 ه).
ثم تأتي خلافة عمر بن عبدالعزيز بن مروان (عام 100ه) كمرحلة متميزة من مراحل تدوين السنة ف «عمر» خليفة أموي لكنه من جهة أمه حفيد لعمر بن الخطاب وسار في الحكم علي نهج جده الفاروق فعده العلماء والمؤرخون خامس الخلفاء الراشدين لكن المفارقة أنه لم يسر في مجال تدوين السنة علي نهج جده عمر بن الخطاب بل سار علي نهج أبيه عبدالعزيز بن مروان وإن كان بشكل أكثر شمولا فأرسل إلي جميع ولاة الدولة الإسلامية من الصين شرقًا إلي إسبانيا والمغرب غربا «انظروا حديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فاجمعوه» و كتب إلي أهل المدينة «انظروا حديث رسول صلي الله عليه وآله وسلم فاكتبوه فإني خفت دروس العلم (أي زواله) وذهاب أهله» كما كتب عمر بن عبدالعزيز إلي عامله أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم «اكتب إلي بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبحديث عمرة فإني خشيت دروس العلم وذهابه» وهذا العامل حفيد أحد الصحابة ذوي الرواية في الحديث كما أن عمرة هذه هي بنت عبدالرحمن حافظة الأحاديث من مرويات عائشة (رضي الله عنها) وهي خالة أبي بكر بن حزم.
و وجاء في رواية: «فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي صلي الله عليه وسلم و ليفشوا العلم (أي انشروا العلم) وليجلسوا (أي العلماء) حتي يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتي يكون سرًا».
و كان مما كتبه خامس الخلفاء الراشدين إلي جميع ولاته بالولايات الاسلامية: «أما بعد فامروا أهل العلم أن ينتشروا في مساجدهم فإن السنة قد أميتت» كما كان مما كتبه «إنه لا رأي في كتاب الله وإنما رأي الأئمة فيما لم ينزل فيه كتاب ولم تمض به سنة من رسول الله صلي الله عليه وسلم و لا رأي لأحد في سنة سنها رسول الله صلي الله عليه وسلم».
ولذلك فقد كان عمر بن عبدالعزيز يجتمع بالفقهاء لفحص السنن التي تم جمعها زيادة في التأكد من صحتها.
و قد أمر عمر بن عبدالعزيز المحدث الشهير محمد بن شهاب الزهري بتدوين كل ما تم جمعه وتم نسخه كاملاً في دفتر كبير (حسبما ذكر مؤرخو السنة) وتم نسخ دفتر لكل ولاية من ولايات الدولة الإسلامية وإرساله إليها وبهذا تم التدوين الرسمي للسنة.
لكن هذا التدوين لم يكن نهاية المطاف إذ بدأ العشرات من علماء الحديث كابن إسحاق (توفي بالمدينة 151) ومالك بن أنس (توفي بالمدينة 179) وابن جريج (توفي بمكة 150ه) والأوزاعي (توفي بالشام 156ه) والليث بن سعد (توفي بمصر 175) ومعمر بن راشد (توفي باليمن 153ه) قام هؤلاء وغيرهم بكتابة كتب جمعوا فيها مروياتهم في الحديث مبوبة علي أبواب موضوعية وإن أغلبهم بوب علي أبواب الفقه و بذلك افترقت وتميزت هذه المرحلة عن جميع مراحل التدوين السابقة بأنها بوبت الأحاديث في أبواب موضوعية أما في جميع المراحل السابقة فقد كان هم المدونين جمع أي حديث نبوي في كتاب واحد دون النظر لموضوع كل منها ودون ترتيبها أي ترتيب من أي نوع.
و بعد هذه المرحلة جاءت مرحلة التدوين الكبري للحديث في القرن الثالث الهجري الذي يعتبر عصراً ذهبيًا للسنة حيث تم تدوين الكتب والمراجع المهمة للسنة كصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داوود ومسند أحمد وغيرها من كتب السنن التي وصلتنا كاملة الآن وجرت عليها منذئذ وحتي الآن الدراسات الحديثية العديدة من تحقيق وتصحيح وتضعيف وشرح وتعليق وجمع لها معًا في موسوعات عظيمة الشأن تجمع عشرات الآلاف من الأحاديث.
و إنما أطلنا في ذكر مراحل تدوين السنة لنوضح أن كون السنة وإن اعتمدت علي الرواية الشفهية في الظاهر للتحقق من مدي صحة الحديث فإنها في حقيقتها معتمدة أيضا علي الكتابة بشكل رئيس وجوهري لأن علماء الحديث اشترطوا في راوي الحديث شروطًا عدة حتي يكون الحديث صحيحًا ومن هذه الشروط أن يكون الراوي ضابطا لما يرويه أي حافظا له حفظا تاما دون أي تردد أو تشوش و لكنهم مع ذلك قسموا هذا الضبط لنوعين ضبط كتاب وضبط ذاكرة فمن ضعفت ذاكرته أو شك فيها لزمه أن يعتمد علي كتب مكتوبة فيها مروياته بعد أن يكون كتبها من شيخه الذي روي له الأحاديث وراجعها عليه مراجعة جيدة تأكد فيها من إقرار الشيخ لكل ما كتبه عنه و لذلك ضَعَّفَ علماء الحديث ما يسمي بالوجادة وهي أن يجد الراوي كتابا مدونة فيه مرويات الحديث الخاصة براو معين دون أن يسمعها منه بنفسه ودون أن يراجعها عليه و بعيداً عن الدخول في تفصيلات فنية خاصة بعلم الحديث تخرج عن اهتمام القارئ غير المتخصص فإننا أردنا أن نوضح أنه حتي ولو لم تصلنا صحيفة عبدالله بن عمرو بن العاص أو علي بن أبي طالب أو أبي هريرة أو غيرهم من الصحابة الذين كتبوا الحديث ولا ما كتبه من بعدهم من الصحابة أو التابعين أو ما جمعه عمر بن عبد العزيز فإنه رغم ذلك فكل هذا وصلنا عبر انتقاله من كتاب لكتاب حتي تم جمعه في كتب الحديث الموجودة بين أيدينا الآن كالبخاري ومسلم ومسند أحمد والسنن الأربع وغيرهاو من فتح أي كتاب حديث من هذه الكتب سيجد أن مالك، والأوزاعي، وابن شهاب الزهري، وابن إسحاق، وابن جريج، ومعمر وغيرهم من أصحاب كتب الحديث البائدة (أن جاز التعبير) هم الرواة الذين نقل عنهم البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد وغيرهم الحديث كما سيجد روايات تمثل صحف عبدالله بن عمرو وابن عباس وعلي بن طالب موجودة في هذه المراجع الحديثية التي بين أيدينا وبعضا منها صرح بذلك تصريحًا لا لبس فيه و من هنا فما ذكره الأستاذ إبراهيم عيسي من أن السنة لم تكتب إلا في وقت متأخر غير صحيح والحديث الذي استدل به صحيح فهو في صحيح البخاري لكن استدلال عيسي به في غير محله فالحديث نصه في البخاري: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ النَّبِيُّ صلي ا يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ اللهِ فَكَانَ ابْنُ عَبَّا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ».
و الحديث كما هو واضح خاص بما تكون عليه الأمور الخلافية بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وكيفية حسم الخلاف فيها خاصة طبعًا أمور الحكم أو من يخلف النبي صلي الله عليه وآله وسلم كحاكم وهذا واضح من تعليق ابن عباس علي الحديث وهو الذي رواه فليس من المعقول أن النبي كان سيملي وهو في مرض الموت كل سنته وشريعته ومن هنا فاستدلال عيسي بهذا الحديث بأن السنة لم تكتب في عهد النبي غير صحيح فالحديث لا ينفي هذا ولا يثبته بل هذا الحديث لا علاقة له به بمجمل السنة لكنه خاص بكتابة أمر معين كان سيمنع الفتن التي حدثت بعد موته صلي الله عليه وآله وسلم بل ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ وصححه الألباني فكيف ترك السنة دون أن يحفظها الصحابة؟ هذا فضلا عن أن الأحاديث التي سقناها والوقائع التاريخية تثبت أن السنة جرت كتابتها في كل العصور منذ عصر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وحتي وصولها إليناو هذا يثبت مدي العلمية والموضوعية والثقة التي تتمتع به مراجع السنة لا سيما لو قارناها بالكتاب المقدس في عهديه القديم (التوراة) والجديد (الإنجيل وملحقاته) فقد تمت كتابة الأول بعد موسي عليه السلام بمئات السنين بينما كتبت أقدم أجزاء الثاني بعد عيسي عليه السلام بقرن من الزمان وبعضها بأكثر من ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.