الوادي الجديد تعتمد النزول بسن القبول في المدرسة الدولية "IPS"    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    وزيرة البيئة تعقد اجتماعا تنسيقيا لبحث بلورة موقف وطني موحد قبل COP30 بالبرازيل    تراجع مؤشرات الأسهم الروسية في بداية تعاملات بورصة موسكو    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    رصف طريق "أبنوب - بني محمديات" أسيوط بتكلفة 16 مليون جنيه    بروتوكول بين "البحوث الزراعية" والكلية الفنية العسكرية لإنتاج الأسمدة البوتاسية محليا    12 شهيدا ومصابون بنيران جيش الاحتلال في غزة    "ذا ناشيونال": مصر وقطر يعدان مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    فيريرا يدرس إجراء تغييرات على تشكيل الزمالك أمام مودرن سبورت    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    «الصحة» تغلق مركز غير مرخص لعلاج الإدمان في الشرقية    ضبط أطراف مشاجرة بالسلاح الأبيض في المقطم بسبب خلافات الجيرة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    غرق شاب بأحد شواطئ مدينة القصير جنوب البحر الأحمر    الليلة.. فلكلور مدن القناة في عروض ملتقى السمسمية بشاطئ الفيروز ومركز شباب الشيخ زايد    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    إيرادات أفلام موسم الصيف.. "درويش" يتصدر شباك التذاكر و"روكي الغلابة" يواصل المنافسة    الجمعة.. حكيم يحيي حفلا غنائيا بالساحل الشمالي    "ماتقلقش من البديل".. حملة لرفع وعي المرضى تجاه الأدوية في بورسعيد    من 5 فجرا إلى 12 ظهرا.. مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    إصابة عامل في حريق شقة سكنية بسوهاج    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    آس: كوناتي يقترب من ريال مدريد.. وليفربول يرفض بيعه بأقل من 50 مليون يورو    "لا نقبل بإرهاب يورتشيتش".. بيراميدز يقدم شكوى لاتحاد الكرة ضد أمين عمر    «وقف كارثة بيع قطاع الناشئين».. نجم الزمالك السابق يثير الجدل بتصريحات قوية    وزير الرياضة ورئيس الأولمبية يستعرضان خطط الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    ريهام عبدالغفور عن وفاة تيمور تيمور: «كنت فاكرة أن عمري ما هتوجع تاني»    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    رئيس الوزراء الفلسطيني: سنعلن قريبا تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة قطاع غزة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    استشاري مناعة: مبادرة الفحص قبل الزواج خطوة أساسية للحد من انتشار الأمراض    جامعة مصر للمعلوماتية تستضيف جلسة تعريفية حول مبادرة Asia to Japan للتوظيف    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    حلوى باردة ومغذية فى الصيف، طريقة عمل الأرز باللبن    مصر تدعم السلطة الفلسطينية لاستعادة الأمن بغزة    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    وفاة عميد كلية اللغة العربية الأسبق ب أزهر الشرقية    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجمع العثماني حفظ الأمة من الاختلاف
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 10 - 2010

القرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏..‏ ولكن البعض من حين لآخر يحاول الطعن فيه‏..‏ إما بجهل بعظمته وإما عن قصد‏..‏ ولقد حفظ الله عز وجل كتابه العزيز من التحريف وجعله محفوظا في الصدور قبل السطور‏..‏ولا يزال الحديث عن القرآن الكريم متواصلا‏.. ففي الحلقات السابقة تحدثنا عن الوحي وصوره‏,‏ وكتابة القرآن الكريم في عهد النبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ وجمع أبي بكر رضي الله عنه وفي هذه الحلقة سنلقي نظرة علي أسباب جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن الكريم‏,‏ وعن الفرق بينه وبين جمع أبي بكر رضي الله عنه‏,‏ وعن أسباب حرق المصاحف الأخري‏..‏ كل هذه التساؤلات وغيرها سنجيب عليها في السطور التالية‏:‏
سبب الجمع
في البداية يوضح الدكتور سامي عبد الفتاح هلال عميد كلية القرآن الكريم جامعة الأزهر أن الصحابة رضوان الله عليهم تلقوا القرآن من فم النبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ وكل منهم كان يقرأ بالقراءة التي تعلمها منه صلي الله عليه وسلم أو من كبار الصحابة الذين كانوا يعدون من شيوخ القراء كأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود‏,‏ وتفرق الصحابة رضوان الله عليهم في الأمصار وكل منهم يقرأ بالقراءة التي تعلمها لأن القرآن نزل علي سبعة أحرف‏,‏ ولما اتسعت الفتوحات الإسلامية في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه واتسعت الرقعة الإسلامية‏..‏ كان أهل كل مصر من الأمصار يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة‏..‏ فأهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب‏,‏ وأهل الكوفة يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود‏,‏ وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسي الأشعري‏,‏ ومن أمثلة الخلاف في القراءات في ذلك الوقت ما ورد في سورة البقرة في قوله سبحانه‏:(‏ وأتموا الحج والعمرة لله‏),‏ قرأها البعض‏(‏ وأتموا الحج والعمرة للبيت‏)..‏ ومن خلال هذه القراءات حدث اختلاف في التعليم‏,‏ وهذا الاختلاف صاحبه نزاع بين أهل هذه الأمصار‏,‏ لعدم معرفتهم بصحة هذه القراءت‏,‏ وعندما غزا حذيفة بن اليمان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية‏,‏ وأهل العراق في أذربيجان رأي اختلافا كثيرا في وجوه القراءة وتكفير المسلمين بعضهم البعض لتمسك كل فريق بالقراءة التي تعلمها‏,‏ فكانوا يفضلون قراءتهم علي قراءة غيرهم مما أدي إلي وجود فتنة استفحل أمرها ففزع حذيفة بن اليمان إلي عثمان بن عفان رضي الله عنه وأخبره بما رأي‏..‏ فاستشار عثمان رضي الله عنه الصحابة فقال‏:‏ ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول‏:‏ إن قراءتي خير من قراءتك‏,‏ وهذا يكاد يكون كفرا‏.‏ قالوا‏:‏ فما تري ؟ قال‏:‏ نري أن نجمع الناس علي مصحف واحد‏,‏ فلا تكون فرقة‏,‏ ولا يكون اختلاف‏,‏ فقالوا‏:‏ فنعم ما رأيت‏,‏ الاختلاف له جذور تاريخية
ويضيف د‏.‏ سامي هلال‏:‏ اختلاف المسلمين في قراءات القرآن الكريم ليس وليد عهد عثمان رضي الله عنه ولكنه له جذور تاريخية‏..‏ فهذا الخلاف حدث مثله في عهد النبي صلي الله عليه وسلم بين عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم‏,‏ فقد روي البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب قال‏:‏ سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ فاستمعت لقراءته‏,‏ فإذا هو يقرأ علي حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ فكدت أساوره في الصلاة‏,‏ فتصبرت حتي سلم‏,‏ فلببته بردائه‏,‏ فقلت‏:‏ من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال‏:‏ أقرأنيها رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ فقلت‏:‏ كذبت‏,‏ فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أقرأنيها علي غير ما قرأت‏.‏ فانطلقت به أقوده إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ فقلت‏:‏ إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان علي حروف لم تقرئنيها‏,‏ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ أرسله‏.‏ اقرأ يا هشام‏.‏ فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ‏,‏ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ كذلك أنزلت‏,‏ ثم قال‏:‏ اقرأ يا عمر‏,‏ فقرأت القراءة التي أقرأني‏,‏ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ كذلك أنزلت‏.‏ إن هذا القرآن أنزل علي سبعة أحرف‏,‏ فاقرأوا ما تيسر منه‏),‏ وواضح من هذا النص الإقرار بصحة قراءة كل منهما لأنه ضمن الأحرف السبعة التي أنزل القرآن الكريم بها ويؤكد هذا المعني حديث النبي صلي الله عليه وسلم‏:(‏ نزل القرآن علي سبعة أحرف كلها شاف كاف‏).‏
لغة قريش تحسم الخلاف
عندما قرر عثمان رضي الله عنه جمع المصحف في أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين من الهجرة أرسل إلي أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها‏:‏ أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف‏,‏ ثم نردها إليك‏(‏ الصحف التي جمع فيها القرآن علي عهد أبي بكر رضي الله عنه‏),‏ فأرسلت بها حفصة إلي عثمان رضي الله عنه‏,‏ فعهد في نسخ المصاحف إلي أربعة من خيرة الصحابة وثقات الحفاظ وهم زيد بن ثابت الأنصاري لاختصاصه بكتابته الوحي في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وبجمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق‏,‏ والثلاثة الآخرون من قريش وهم سعيد بن العاص لفصاحته ولهجته فهو أفصح الناس وأشبههم لهجة برسول الله صلي الله عليه وسلم‏,‏ وعبد الله بن الزبير‏,‏ وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏.‏
ويضيف‏:‏ منعا لاختلاف اللجنة قال عثمان رضي الله عنه للرهط القرشيين الثلاثة‏:‏ إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن‏,‏ فاكتبوه بلسان قريش‏,‏ فإنه إنما نزل بلسانهم‏,‏ فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه فقال النفر القرشيون‏:‏ التابوت وقال زيد‏:‏ التابوه فرفع اختلافهم إلي عثمان فقال‏:‏ اكتبوا التابوت فإنه بلسان قريش أنزل‏,‏ وهذا يدلل علي أن عثمان رضي الله عنه لم يكن يترك مجالا للاختلاف فكان حريصا علي أن يشرف بنفسه علي التنفيذ‏,‏ ويضع الحلول للمشاكل التي تطرأ أثناء نسخ الصحف‏,‏ وقد أشارت بعض الروايات إلي أنه كان ينظر في الصحف التي كان ينسخ منها المصاحف‏.‏
دلائل حفظ النص القرآني
وهناك تساؤل قد يرد في ذهن البعض‏:‏ هل تمت مراجعة هذه المصاحف من قبل الصحابة أم ترك الأمر لعثمان رضي الله عنه بأن يزيد وينقص في كتاب الله؟‏..‏ ويجيب الدكتور سامي هلال قائلا‏:‏ الناظر في هذا العمل العظيم الذي وقع علي مرأي ومسمع من الصحابة رضوان الله عليهم وأحاطت به الدقة في كل مناحي العمل من ناحية الكتابة والإملاء والمساعدة‏,‏ يدلل علي أنه خرج علي أفضل حال‏,‏ فلم يصبه تحريف ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان‏..‏ فهل يعقل أن يزاد أو يحذف شيء من القرآن والمسلمون انتشروا في كل بقاع الأرض في ذلك الوقت والقرآن محفوظ في صدورهم قبل مصاحفهم‏..‏ فإذا كان سبب جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن نزاعا وقع حول قراءة من القراءات للفظ من ألفاظ القرآن ووصل الأمر إلي أن كفر بعضهم البعض‏..‏ فهل يمكن أن يتركوا أحدا أن يزيد أو ينقص في كتاب الله‏..‏ بل إني أؤكد والكلام علي لسان الدكتور سامي هلال أن هذا العمل وجدت له الضمانات العديدة لحفظ النص القرآني ومنها المراجعة اللفظية للاطمئنان علي عدم إسقاط شيء من القرآن أو الزيادة فيه‏..‏ ومن ذلك ما رواه البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال‏:(‏ نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرأ بها فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلي الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وهو قوله‏:(‏ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه‏),‏ وواضح أن فقد الآية هنا معناه التنبيه إلي عدم وجودها في المصحف مع كونه حافظا لها بدليل قوله كنت أسمع رسول الله يقرأ بها‏,‏ فهذا يدلل علي أن زيد بن ثابت قام بالمراجعة بالاشتراك مع لجنة من الصحابة‏,‏ بل وردت بعض الروايات الأخري أنه راجع المصاحف بعد أن نسخت‏..‏ كل ذلك يؤكد علي المراجعة والتدقيق للجنة حتي تخرج المصاحف علي أكمل وجه‏.‏
وأوضح أن ما يدل علي دقة عثمان في نسخ المصاحف ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن الزبير أنه قال‏:‏ قلت لعثمان بن عفان‏(‏ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا‏).‏ قال قد نسختها الآية الأخري فلم تكتبها؟ أو تدعها؟ قال يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه‏.‏
إجماع الصحابة علي حرق المصاحف
بعد انتهاء عثمان رضي الله عنه من نسخ الصحف في المصاحف رد الصحف إلي حفصة رضي الله عنهما‏,‏ وأرسل بمصحف إلي كل مصر من الأمصار لتكون مرجعا للناس يقرأون منه ويحتكمون إليه عند الاختلاف وأرسل مع كل مصحف قارئا يضبط لهم القراءة‏,‏ فأرسل مع مصحف الشاميين المغيرة بن شهاب‏,‏ ومع المصحف المكي عبد الله بن السائب‏,‏ ومع المصحف الكوفي عبد الرحمن السلمي وهكذا مع كل مصحف من الأمصار‏,‏ واختلف في عدد المصاحف التي تم نسخها ما بين أربعة وخمسة مصاحف‏,‏ واحتفظ لنفسه بمصحف سماه المصحف الإمام وأمر عثمان رضي الله عنه بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق ليغلق باب النزاع والخلاف بين المسلمين من ناحية وليجمعهم علي مصحف واحد مرتب السور لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تغيير ولا تبديل فيه‏,‏ وجمع المسلمين علي القراءات الثابتة المتواترة عن النبي صلي الله عليه وسلم دون نزاع أو خلاف‏.‏
ووأوضح أن من أسباب حرق المصاحف أنها كتبت بصفة خاصة وغير رسمية وباجتهاد بعض الصحابة فكان يمكن أن يكون بها تفسير لبعض الآيات ويمكن أن يكون به بعض الآيات التي تم نسخها‏,‏ ولذلك عمل عثمان رضي الله عنه علي توحيد المسلمين في المصاحف التي أجمعت عليها الأمة وما عدا هذه المصاحف لا يقرأ بها وكان مصيرها التدمير بالحرق‏.‏
وأشار إلي أن مصحف عثمان رضي الله عنه توافرت فيه مزايا عديدة منها الاقتصار علي ما ثبت بالتواتر دون غيره‏,‏ وإهمال ما نسخت تلاوته ولم يستقر في العرضة الأخيرة‏,‏ كما أنه جمع وجوه القراءات المختلفة‏,‏ وبذلك حافظ عثمان رضي الله عنه علي القرآن وجمع كلمة الأمة وحفظها من الاختلاف وأغلق باب الفتنة‏,‏ وأكد د‏.‏سامي هلال أن قيام عثمان رضي الله عنه بحرق المصاحف كان بإجماع الصحابة بل ورضاهم علي ما فعل‏,‏ وأجمعوا علي سلامة وصحة ما قام به‏,‏ ولو كان ما فعله فيه شائبة لثاروا عليه‏,‏ والدليل علي ذلك قول علي رضي الله عنه :(‏ لا تقولوا في عثمان إلا خيرا‏,‏ فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا‏).‏
الفرق بين جمع أبي بكر وعثمان
الفرق بين جمع أبي بكر وعثمان أن جمع أبي بكر رضي الله عنه كان عبارة عن جمع النص القرآني الذي كتب في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وكان مفرقا في العسب‏,‏ والرقاع‏,‏ واللخاف‏,‏ وكتابته في صحف مرتبة الآيات مقتصرا علي ما لم ينسخ تلاوته مستوثقا لذلك بالتواتر والإجماع وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقييده خشية أن يذهب منه شيء بموت حملته وحفاظه‏,‏وهذه الصحف لم تكن للإقراء بل كانت للرجوع إليها عند الاختلاف‏,‏ أما جمع عثمان رضي الله عنه فهو نسخ لصحف أبي بكر‏,‏ ولم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع القرآن بين لوحين إنما قصد جمع المسلمين علي القراءات الثابتة المتواترة عن النبي صلي الله عليه وسلم وإطفاء الفتنة التي اشتعلت بين المسلمين حين اختلفوا في قراءة القرآن‏,‏ وبذلك حافظ عثمان رضي الله عنه علي كتاب الله من التغيير والتبديل‏.‏
التنقيط والتشكيل
هناك تساؤل قد يرد في ذهن البعض‏:‏ لقد كتب القرآن الكريم بدون تنقيط أو تشكيل‏..‏ والنقطة ربما تقلب المعني رأسا علي عقب‏..‏ فما هو الضمان أن القرآن الذي بين أيدينا هو الذي أنزل علي النبي صلي الله عليه وسلم‏-‏ ويجيب الدكتور سامي هلال قائلا‏:‏ المعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطا وظلت المصاحف التي نسخها عثمان رضي الله عنه من غير نقط ولا تشكيل‏,‏ إلي عهد الدولة الأموية‏,‏ لأن العربية كانت سجية لهم فاللحن عندهم ممنوع بل يعدونه من العيوب التي تشين العربي في فصاحته‏,‏ ولأن العرب يقرأون بسليقتهم من غير نقط ولا تشكيل بل إن بعضهم كما تذكر بعض الروايات يعدون الرسائل الموجهة إلي الملوك والأمراء بنقط أو تشكيل من باب المهانة لأنه يخالف الطبيعة العربية المعهودة عندهم‏,‏ كما أن أساس قراءة القرآن التلقي فكان القرآن محفوظا في صدور الرجال قبل السطور‏,‏ فالقرآن من خصائصه أنه نقل بالتواتر‏,‏ فنقله جيل بعد جيل‏,‏ وما وقع فيه تحريف لأن الله الذي تعهد حفظه مصداقا لقوله تعالي‏:(‏ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏).‏
وأوضح أن خلو المصحف من التنقيط ليحتمل أكثر من قراءة من قراءات القرآن‏.‏
وأشار إلي أن الإسلام عندما انتشر واختلط العرب بالعجم تولد جيل جديد عربيته وفصاحته أقل‏,‏ وكادت العجمية تمس سلامة اللغة وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف‏,‏ فوقع اللحن في قراءة القرآن الكريم والقصة الشهيرة في ذلك أن أبا الأسود الدؤلي عندما سمع أعرابيا يقرأ قول الله تعالي في سورة التوبة‏:(‏ وأذان من الله ورسوله إلي الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله‏),‏ فقرأ ورسوله بالجر والمعني علي ذلك يفسد فقال معاذ الله أن يتبرأ الله من رسوله‏,‏ وهنا دعا أبو الأسود الدؤلي الكاتب في عهد الدولة الأموية أن يضع نقطة علي آخر الكلمة بما يسميه العلماء نقط الإعراب الذي يضبط أواخر الكلم‏(‏ الرفع والنصب والجر‏),‏ وعلي ذلك لايقع اللحن في القراءة‏,‏ ويوجد نقط آخر يسمي نقط الإعجام لتمييز الحروف بعضها من بعض‏,‏ وبعض الروايات تنسب أمر الضبط إلي الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أمر أبا الأسود الدؤلي بهذا الضبط‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.