لقد ساق فقهاء أصول الفقه بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة لإثبات حجية الإجماع، قال عبد الوهاب خلاف في كتابه (أصول الفقه) ما يلي: (إن الحكم الذي اتفقت عليه آراء جميع المجتهدين في الأمة الإسلامية هو في الحقيقة حكم الأمة ممثلة في مجتهديها، وقد وردت عدة أحاديث عن الرسول، وآثار عن الصحابة تدل علي عصمة الأمة من الخطأ، منها قوله -صلي الله عليه وسلم-: "لا تجتمع أمتي علي خطأ"، وقوله -صلي الله عليه وسلم-: "لم يكن الله ليجمع أمتي علي الضلالة"، وقوله: "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن"، وذلك لأن اتفاق جميع هؤلاء المجتهدين علي حكم واحد في الواقعة مع اختلاف أنظارهم والبيئات المحيطة بهم وتوافر عدة أسباب لاختلافهم دليل علي أن وحدة الحق والصواب هي التي جمعت كلمتهم وغلبت عوامل اختلافهم) انتهي. هذه الأحاديث التي ذكرها فقهاء أصول الفقه لإثبات حجية الإجماع كلها ضعيفة وموضوعة كما ذكر ذلك علماء الحديث، فحديث (لا تجتمع أمتي علي خطأ) وفي رواية: (علي ضلالة)، فقد علّق محقّق كتاب: (سنن ابن ماجة)، نقلاً عن كتاب «مجمع الزوائد»، للهيثمي: في إسناده أبوخلف الأعمي، واسمه حازم بن عطا، وهو ضعيف، وقد جاء الحديث بطرق في كلّها نظر. قال أبو عيسي (الترمذي): هذا حديث غريب من هذا الوجه. أما حديث: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) فقد قال عنه الشيخ عطية صقر في إحدي فتاويه ما يلي: (هذا الحديث ليس من كلام النبي صلي الله عليه وسلم، وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود، أي حديث موقوف غير مرفوع، رواه أحمد في مسنده، وقال العلائي عنه: لم أجده مرفوعة في كتب الحديث أصلا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال، وإنما هو موقوف علي ابن مسعود) انتهي. تناقضات الفقهاء في إثبات حجية الإجماع لقد وقع فقهاء أصول الفقه في العديد من التناقضات وهم يحاولون إثبات حجية الإجماع وأنه -أي الإجماع- مصدر من مصادر التشريع الديني، فمثلا قال جميع فقهاء أصول الفقه إنه إذا: (اتفقت آراؤهم جميعا -أي الفقهاء- علي حكم واحد في هذه الواقعة كان هذا الحكم المتفق عليه قانوناً شرعيا واجباً اتّباعه ولا يجوز مخالفته، وليس للمجتهدين في عصر تال أن يجعلوا هذه الواقعة موضع اجتهاد، لأن الحكم الثابت فيها بهذا الإجماع حكم شرعي قطعي لا مجال لمخالفته ولا لنسخه) انتهي. ثم تناقض بعد ذلك الفقهاء مع كلامهم هذا حيث اشترطوا كما ذكر عبد الوهاب خلاف في كتابه: (أصول الفقه) (أن يكون الحكم الشرعي الذي سيصدر عن الإجماع لابد أن يكون قد بني علي مستند شرعي لأن المجتهد الإسلامي له حدود لا يسوغ له أن يتعداها، وإذا لم يكن في اجتهاده نص فاجتهاده لا يتعدي تفهم النص ومعرفة ما يدل عليه، وإذا لم يكن في الواقعة نص فاجتهاده لا يتعدي استنباط حكمه بواسطة قياسه علي ما فيه نص أو تطبيق قواعد الشريعة ومبادئها العامة، أو بالاستبدال بما أقامته الشريعة من دلائل كالاستحسان أو الاستصحاب، أو مراعاة العرف أو المصالح المرسلة، وإذا كان اجتهاد المجتهد لابد أن يستند إلي دليل شرعي، فاتفاق المجتهدين جميعا علي حكم واحد في الواقعة دليل علي وجود مستند شرعي، يدل قطعاً علي هذا الحكم، لأنه لو كان ما استندوا إليه دليلا ظنيا لاستحال عادة أن يصدر عنه اتفاق، لأن الظني محال حتما لاختلاف العقول. وكما يكون الإجماع علي حكم في واقعة يكون علي تأويل نَص أو تفسيره وعلي تعليل حكم النص وبيان الوصف المنوط به) انتهي. وردا علي هذا التناقض أقول: إذا كان الإجماع لابد وأن يستند إلي دليل شرعي (آية قرآنية أو حديث نبوي) فما جدوي الإجماع في وجود الدليل الشرعي (الآية أو الحديث)؟. إذن فالإجماع علي حكم واقعة في وجود الدليل الشرعي (آية أو حديث) فلا قيمة له سوي تحصيل الحاصل وتقرير المقرر، أما قولهم إن الإجماع قد يكون علي استنباط حكم أو فهم نص، فإنهم بذلك يكونوا قد جعلوا من فهم الفقهاء للنصوص القرآنية الذي لا يتعدي كونه فهماً بشرياً يحتمل الصواب والخطأ إلي تشريع ديني يضاهي أحكام القرآن الكريم، فهذا جريمة كبري. أن يتحول فهم الفقهاء لنصوص الدين إلي أحكام دينية شرعية لا يجوز مخالفتها.