لقد أقر معظم الفقهاء بتعذر واستحالة انعقاد الإجماع لكثير من الصعوبات والعقبات التي تواجه إمكانية التحقق من إجماع جميع الفقهاء والمجتهدين في العالم الإسلامي، بل إن من الفقهاء من أقر بأنه لم يحدث أن انعقد إجماع بهذه الشروط علي الإطلاق منذ وفاة الرسول وحتي هذه اللحظة، وقد ذكر أحد الفقهاء المعاصرين (عبد الوهاب خلاف) إمكانية انعقاد الإجماع عن طريق الحكومات في دول العالم الإسلامي، وسوف أقدم للقارئ أقوال ومذاهب الفقهاء حول إمكانية انعقاد الإجماع وتعذر ذلك، فقد ذكر الدكتور (عبد الوهاب خلاف) في كتابه: أصول الفقه ما يلي: (قالت طائفة من العلماء منهم النظّام وبعض الشيعة: إن هذا الإجماع الذي تبينت أركانه لا يمكن انعقاده عادة، لأنه يتعذر تحقق أركانه، وذلك أنه لا يوجد مقياس يعرف به إذا كان الشخص بلغ مرتبة الاجتهاد أو لم يبلغها، ولا يوجد حكم يرجع إليه في الحكم بأن هذا مجتهد أو غير مجتهد، فمعرفة المجتهدين من غير المجتهدين متعذرة. ولو فرض أن أشخاص المجتهدين في العالم الإسلامي وقت حدوث الواقعة معروفون فالوقوف علي آرائهم جميعا في الواقعة بطريق يفيد اليقين أو القريب منه متعذر، لأنهم متفرقون في قارات مختلفة، وفي بلاد متباعدة، ومختلفوا الجنسية والتبعية فلا يتيسر سبيل إلي جمعهم وأخذ آرائهم مجتمعين، ولا إلي نقل رأي كل واحد منهم بطريق يوثق به. ولو فرض أن أشخاص المجتهدين عرفوا، وأمكن الوقوف علي آرائهم بطريق يوثق به، فما الذي يكفل أن المجتهد الذي أبدي رأيه في الواقعة يبقي مصرا عليه حتي تؤخذ آراء الباقين؟ ما الذي يمنع أن تعرض له شبهة فيرجع عن رأيه قبل أخذ آراء الباقين ؟ والشرط لانعقاد الإجماع أن يثبت اتفاق المجتهدين جميعا في وقت واحد علي حكم واحد في واقعة. ومما يؤيد أن الاجماع لا يمكن انعقاده: أنه لو انعقد كان لابد أن يكون مستنداً إلي دليل، لأن المجتهد الشرعي لابد أن يستند في اجتهاده إلي دليل، والدليل الذي يستند عليه المجمعون إن كان دليلا قطعيا فمن المستحيل عادة أن يخفي، لأن المسلمين لا يخفي عليهم دليل شرعي قطعي حتي يحتاجوا معه إلي الرجوع إلي المجتهدين وإجماعهم، وإن كان دليلا ظنيا فمن المستحيل عادة أن يصدر عن الدليل الظني إجماع، لأن الدليل الظني لابد أن يكون مثاراً للاختلاف. وقد نقل ابن حزم في كتابه "الأحكام" عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قوله: سمعت أبي يقول: "وما يدعي فيه الرجل الإجماع هو الكذب، ومن ادعي الإجماع فهو كذاب، لعل الناس قد اختلفوا ولم ينته إليه، فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا" . وذهب جمهور العلماء: إلي أن الإجماع يمكن انعقاده عادة، وقالوا: إنما ذكره منكرو إمكانه لا يخرج عن أنه تشكيك في أمر واقع، وإن أظهر دليل علي إمكان فعلا، وذكروا عدة أمثله لما ثبت انعقاد الإجماع عليه مثل: خلافة أبي بكر، وتحريم شحم الخنزير، وتوريث الجدات السدس، وحجب ابن الابن من الإرث بالابن وغير ذلك من أحكام جزئية وكلية. وقد رجح الدكتور عبد الوهاب خلاف: أن الإجماع بتعريفه وأركانه التي بيناها لا يمكن عادة انعقاده إذا وكل أمره إلي أفراد الأمم الإسلامية وشعوبها، ويمكن انعقاده إذا تولت أمره الحكومات الإسلامية علي اختلافها، فكل حكومة تستطيع أن تعين الشروط التي بتوافرها يبلغ الشخص مرتبة الاجتهاد، وأن تمنح الإجازة الاجتهادية لمن توافرت فيه هذه الشروط، وبهذا تستطيع كل حكومة أن تعرف مجتهديها وآراءهم في أي واقعة، فإذا وقفت كل حكومة علي آراء مجتهديها في واقعة، واتفقت آراء المجتهدين جميعهم في كل الحكومات الإسلامية علي حكم واحد في هذه الواقعة، كان هذا إجماعا، وكان الحكم المجتمع عليه حكما شرعيا واجبا اتّباعه علي المسلمين جميعهم. *باحث إسلامى - مقيم بأسيوط