في هدوء ينقضي عام 2010 مسدلا ستاره علي عدد من التشكيليين بعضهم كان رحيله بمثابة حدث جلل ذي دوي عال، وبعضهم رحل في سكون وكأنه مازال يبحث عن السلام الذي عاشه طوال حياته، فمنذ أيام ودعنا التشكيلي مصطفي مشعل مواليد طنطا 1944 الذي فقده فنانو الأقاليم قبل أن تفقده الساحة التشكيلية في القاهرة، فرغم مظهره الهادئ وتواجده الشفيف في الفعاليات والندوات الفنية، متأملا الحالة الفنية وتحولاتها وتشابكاتها، لكنه ظل محافظا علي مشروعه الفني الذي كان يراه لا ينفصل عن العالم، فمعاناته كفنان هي معاناة كونية لذا جاءت أعماله تحمل تيمة واحدة بتنويعات مختلفة، كمعزوفة لا تنتهي من الشخوص الناعمة الملمس المتكسرة الشكل وخطوطه كانت ذات انطباعات صادمة، تقع في محيط ضوئي غير معلوم المصدر، فلوحته تحمل مزيجاً خالصاً من المشاعر المتضادة المتشابكة، هذا الفنان لم يأخذ حقه كتشكيلي ولا حتي أعماله الفنية، ربما لأنه كان خارج " الشلل" المعروفة. ورحل قبله في 27 نوفمبر وفي هدوء أيضا بعد عمر ناهز الواحد والثمانين، النحات سيد أبو السعود مبدع أول تمثالين ميدانيين لمعركة أكتوبر بارتفاع 6 أمتار بالوادي الجديد، وصاحب النصب التذكاري لشهداء المدفعية بارتفاع 13.5 بقاعدة 8 - 17 متراً وعدد من التماثيل الميدانية في شتي شوارع مصر بأكملها، تتميز أعماله بالصرحية وذلك تبعا لتوظيفها بالأماكن العامة لذا فهي لافتة للنظر، تأثر الراحل في منحوتاته بمنطق الفن المصري القديم حيث شموخ الأشخاص ونظرتهم الأبدية والملامح المحايدة الانطباع، كذلك الكتلة عنده تكاد تخلو من الفراغات وصامدة تأكيدا علي رسوخها وتماسكها. يبدو أن رحيل النحاتين كان سمة العام، فقد رحل أيضا شعبان عباس ذو الواحد والأربعين عاما، في منتصف نوفمبر، ترك عباس أزميله وأدواته النحتية مخلفا إرثا نحتيا معاصرا أنتجه علي مدار اثنين وعشرين عاما، متنوع الخامات والأحجام، اهتم عباس في منحوتاته بالتقنية النحتية وحلوله المختلفة للكتلة، فلم يكن ذا مشروعاً فنياً واضحاً بل باحثا في التقنيات والخامات المختلفة، وتتضح المعاصرة في العلاقة التي كان يبدعها فيما بين الكتلة والفراغات التي تجعلها في اشتباك مع ما يحيطها، مما يخلق لدي المشاهد تعدد الرؤي والأفكار للعمل الواحد. وفي أواخر سبتمبر رحل عنا مبدع التجريدات اللونية أحمد كمال، الذي كانت علته سبب تأخره لأنها كانت تلزمه بالابتعاد والتوقف لفترات عن العمل، ربما لهذا جاءت أسطح أعماله غير هادئة، فيها خشونة وتحد لعوامل التعرية، يقدمها في مجردات لونية غير محددة لمعالم عناصر بعينها، وكأنه ينتج كائنات غامضة تستعصي علي المحيط أن يدرك سرها فيسيطر عليها، مثلما فعل المرض معه الذي أدرك سره الجسدي بلا رحمة. ورحل أيضا فنان المائيات الأول عدلي رزق الله صاحب المقام والحضرة، الذي قاوم المرض بالحب حتي أعلن استسلامه في منتصف سبتمبر، وهو ليس بالجديد عليه فعم عدلي رأسماله الحقيقي هو " الحب"، بالحب لقريته تنفس كل شبر فيها واختمره، بحبه لزوجته أدرك أن الدين لله بلا مسميات وأطر، بحبه لفنه ومائياته أورثنا ميراثا ضخما من رسوم الأطفال وأغلفة الكتب واللوحات، أحدث رحيل عم عدلي دوياً هائلاً وفجيعة مازالت مرارتها في " حلق" كل الوسط الثقافي بلا استثناء، نفس الحالة يعيشها المثقفون مع اللباد والذي سبق عم عدلي بأيام ليكون هو الضربة الأولي القاسمة للوسط التشكيلي. وغادرنا فاروق إبراهيم، نحات الجيل الثالث في منتصف يونيو بجسده، لكنه باق في تمثال الشاعر حافظ إبراهيم وطلعت حرب بحديقة الحرية، مفكرا مع تمثال العقاد بأسوان، مستشهدا مع عمر مكرم بالتحرير، مؤكدا لعزة المصري وكرامته مع عرابي في التل الكبير. وفي أبريل رحلت السكندرية الجرافيكية مريم عبدالعليم في أبريل الماضي، والتي تأثرت أفكارها بما حولها خاصة الشارع المصري بكل تفاصيله مع اهتمامها بالتراث والآيات القرآنية، أما النحات محمد أبو القاسم فكان في مقدمة الراحلين وذلك في مارس الماضي، تاركا شخوصه الرشيقة وكتلها الإنسيابية الناعمة، تستكمل حياتها كما هي في وداعة ومرح تدركها ببساطة.