بعد 6 أشهر من توقيع مجموعة كبيرة من أساتذة الأدب في المرحلة الثانوية علي عريضة للمطالبة بعدم تدريس مذكرات الزعيم ورئيس الجمهورية الفرنسي الجنرال شارل دوجول في منهج القسم الأدبي ، يتجدد الجدل حول شارل دوجول الأديب من خلال ملف نشرته مجلة "الأزمنة الحديثة" الأدبية لتؤكد أن المشكلة لم تبدأ اليوم ولكن منذ خمسينيات القرن الماضي.. وكانت مجموعة الأساتذة الذين وقعوا علي العريضة قد أكدوا أن الجنرال دوجول كان رجلا ممتازا علي الأصعدة التاريخية والسياسية والعسكرية ولكن ليس علي الصعيد الأدبي، أو علي الأقل ليس كاتبا جديرا بما يكفي كي تُدرّس أعماله في مناهج البكالوريا في فرنسا، وذلك بعد أن تم اختيار المجلد الثالث الذي يحمل عنوان "الخلاص"، من كتابه "مذكرات الحرب" لينضم لنصوص هوميروس وصمويل بيكت التي يدرسها الطلبة في القسم الأدبي من البكالوريا الفرنسية. .ولا يمكن لأحد مهما اختلف معه أن يقلل من شأن شارل دوجول، أو الجنرال كما يحلو للفرنسيين أن يطلقوا عليه، حيث تعني لفظة «جنرال»بالنسبة إليهم: الزعيم. ولعله الزعيم الذي أعطي فرنسا الكثير من حضورها المتوهج، لأنه كان يتبني فكرة الوطن الأم، الذي يشمل أوطاناً عدة أخري أيضاً. لدي دوجول ثقافة كلاسيكية اكتسبها عن والده المغرم بالقراءة. كان شغوفاً بالأدب الكلاسيكي، يقرأ الشعر كثيراً ويكتب غالباً علي دفتر خاص به قصيدة تعجبه لينتقي منها بعض السطور أثناء إلقاء خطاب ما. كان مهووساً بالحضارات القديمة، الإغريقية واليونانية. اعتبر الفلسفة جزءاً من السياسة. قرأ لأدباء الشعب مثل دولا فونتين وبوسويه، وأحب المسرح الواقعي. وتتناول المجلة في ملفها الخاص عن "الأديب" شارل دوجول الآراء المختلفة لكبار الكتاب والأدباء تعليقا علي كتاب "مذكرات الحرب" منذ صدور الجزء الأول منه عام 1954. فالمتعصبون له مثل فرانسوا مورياك رأوا في كتاباته أسلوب الكلاسيكيين مثل باسكال واللهجة المهيبة مثل بوسويه ، بل هناك من شبه أدبه بمسرح كورناي وشيكسبير. أما المعارضون له وكان أشدهم في نهاية الخمسينات رولان بارت وجون فرنسوا ريفيل فاعتبروا أسلوب دوجول أسلوبا عفي عليه الزمن، خاويا ومليئًا بالعبارات الرنانة، جديرًا بعسكري أو متمرد أكثر منه بأديب. ويؤكد جون لوي جونال، أستاذ الأدب في جامعة باريس أن الإجابة عن هذا السؤال التاريخي، إذا كان شارل دوجول أديبا أو لا، يتوقف علي تعريفنا للأدب. فإذا كنا نعتبر أن الأدب يجب أن يستجيب لضرورة تجديد الأسلوب واللغة، فلن تكون لدوجول فرصة للانضمام لكبار الأدباء المعاصرين ، أما إذا آمنا بضرورة وجود أدب مختلف ، ينفصل عن التقليدية فيمكننا اعتبار "مذكرات الحرب" من التراث الأدبي الفرنسي..و يدافع عن دوجول صديقه جون ميشيل فونتين بتأكيده أن شارل دوجول كان يعتقد أن أي أديب يجب أن يكون دوره القومي أهم من أي دور آخر. لكن ما يبقي مهماً بالنسبة للفرنسيين اليوم هو أن دوجول كان زعيما وقائداً، ومثقفاً. ما زال صوته الهادئ والواضح يغري أجيالاً من السياسيين الفرنسيين الذين يستعملون في كلامهم تلك العبارة الدوجولية الشهيرة التي تلخص حياته وصراعاته وموته أيضاً. أما الكاتب والروائي بيار أسولين فيري هذه الجدالات ذات طابع فرنسي بامتياز. فالفرنسيون لا يميزون بين الأدب والرواية، وبالنسبة إلي الكثيرين، لا أدباء سوي الروائيين. ودوجول ليس مؤرخاً فقط، فمذكراته تدل علي مهاراته ككاتب مذكرات ومؤلف عظيم وهناك مقاطع كثيرة تستحق أن تكون موضع دراسات أدبية، لمقارنتها مع مؤلفات هوجو وبيجي والأعمال الأدبية الإغريقية.