وراء المؤتمرات الصحفية والابتسامات الحارة أمام الإعلام وحفلات الاستقبال الرسمية يختفي عالم الدبلوماسية الحقيقي، العالم الذي تلعب فيه العلاقات الخاصة والسرية دورا كبيرا في صياغة الشئون الدولية. وفي كتابه الأخير "أسرار الرؤساء"، يدخل الصحفي الفرنسي فينسُن نوزي إلي كواليس العلاقات غير المُعلنة بين الرؤساء الأمريكان والفرنسيين منذ عام 1981 حتي اليوم. و في كتابه الذي اعتمد فيه علي وثائق أرشيفية سرية من البيت الأبيض والإليزية بالإضافة إلي شهادات لشخصيات سياسية ذات ثقل من الجانبين الفرنسي والأمريكي يكشف نوزي أحداثا غير مسبوقة ومخالفة كثيرا للصورة التي تظهرها وسائل الإعلام عن العلاقات الأمريكية الفرنسية. ويروي الكاتب أن الرئيس فرنسوا ميتران بالرغم من ميوله الوطنية ال"دوجوليه" (نسبة إلي الجنرال شارل دوجول) كان قد أكد في لقائه برئيس المخابرات الأمريكية آنذاك عقب تشكيل الوزارة الجديدة بوجود 4 وزراء شيوعيين، عزمه علي تخليص فرنسا من الشيوعية وأتباعها! ورئيس المخابرات لم يكن سوي جورج بوش الأب، والذي أصبحت فرنسا فور توليه الحكم عام 1982 من أهم حلفائه خاصة مع توالي الأحداث الكبري التي غيرت وجه العالم في هذه الحقبة مثل حرب الخليج الأولي وسقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي. ويبدي الكاتب تعجبه من شخصية الرئيس التالي، جاك شيراك، الذي طالما كان منبهرا بالولاياتالمتحدة خاصة خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون حتي أُطلق عليه في هذه الفترة "خطيب أمريكا". إلا أن العلاقات قد انقلبت تماما مع قدوم جورج بوش الابن الذي لم يكن يطيق شيراك، ليس فقط لأنه كان معارضا للحرب علي العراق ولكن لأنه كان يعتقد أن الرئيس الفرنسي يراه "الابن المدلل الذي يمشي علي خُطي والده". إلا أن وسائل الإعلام الفرنسي بالرغم من ذلك كانت تظهرهما في صورة "أفضل صديقين في العالم"! وفي حديثه عن الرئيس الفرنسي الحالي، نيكولا ساركوزي يؤكد نوزي أن موالاته للولايات المتحدة هي "صداقة مصطنعة" فهو حتي لا يتحدث الإنجليزية بطلاقة وطوال حياته لم يفكر في زيارة الولاياتالمتحدة إلا أنه يحاول الظهور بمظهر صديق أمريكي ليخالف بذلك الرئيس السابق جاك شيراك في موقفه المتحفظ من هذه القوة العظمي الوحيدة في العالم. إلا أن هذه المحبة الزائدة التي أبداها ساركوزي لبوش الابن لم تكن مفيدة بعد رحيله وتولي أوباما، المعارض لبوش علي طول الخط، مقاليد الحكم. فأوباما، وفقا لتعبير الكاتب، يخشي نيكولا ساركوزي ويأخذ حذره منه حتي قبل أن يصل إلي البيت الأبيض. ويعتبر الكتاب مرجعا مهما، يلقي بنظرة مختلفة علي أهم الأحداث التي شكلت العقود الثلاثة الأخيرة، من سقوط حائط برلين وحتي هجمات ال11 من سبتمبر، من مفاوضات تحرير الرهائن في لبنان وحتي حرب العراق، مقتل رفيق الحريري ونهاية صدام حسين والملف النووي الإيراني وعلاقة كل فرنسا أحد أكبر وأهم اللاعبين الإقليمين علي المستوي الأوروبي والدولي والولاياتالمتحدة، قطب العالم الوحيد والقوة العظمي.