*** الإدارة الأمريكية مغرمة بابتكار أنواع غريبة وعجيبة من الدبلوماسية.. تتناسب وأهدافها الخفية والمعلنة أيضاً في إحكام السيطرة الاستعمارية من ناحية.. والإمعان في نشر الفوضي ضد المناوئين لسياستها المعارضين لرغباتها في اللهب بمقدرات الشعوب تحت أي مسمي. وهذه الأنواع المبتكرة من السياسات يتم تصديرها لنا بكل سهولة ويسر ونحن نتقبلها دائماً بنفس راضية.. كما ترضي بقضاء الله وقدره.. حتي وإن حدثت حالات رفض واعتراض فإنها تكون علي استحياء.. أو ذراً للرماد في العيون ليس إلا.. لم نكد نفيق من دبلوماسية الاحتواء المزدوج.. وما أعقبها من دبلوماسية الفوضي الخلاقة والتي تم تبشير المنطقة معها بقرب حلول ربيع الديمقراطية علي البلاد والعباد.. وهي الدعوة التي تواكبت مع الحرب علي العراق وتدميره.. ولما فشلت هذه الفوضي الخلاقة ولم تؤت ثمارها كان لابد من الاستمرار والبحث عن طريق آخر يعزز ويدعم الفوضي.. ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتي فاجأتنا الإدارة الأمريكية الأخيرة بقيادة باراك أوباما بدبلوماسية الإحراج.. وهي الامتداد الطبيعي لدبلوماسية الفوضي ولكن هذه المرة الفوضي غير الخلاقة.. دبلوماسية الإحراج القائمة عليها ترتكز علي سلاح خطير وهو التسريبات والتفضيحات نسبة إلي الفضيحة ولها عدة أبطال علي أرض الواقع في مقدمتها المذكرات الشخصية لكبار المسئولين والذين كانوا في موقع الصدارة أو في مراكز حساسة.. وهذا ما شاهدناه مؤخراً مع كتاب الرئيس جورج بوش الابن والذي كشف فيه عن الاتصالات والجوانب والعلاقات الشخصية وبعض من أطراف العلاقات العامة بين الدول والرؤساء. وأيضاً في المذكرات التي نشرها أحد ضباط المخابرات المركزية السي آي إيه وكشفت عن خبايا وأسرار وكواليس ماجري ويجري في أفغانستان خاصة وفي الشرق الأوسط بصفة عامة. ورغم أن الهدف واضح.. وأن الإدارة الأمريكية متأكدة من خطورة الأمر وأن عواقبه قد تكون كارثية لو تم التصرف إزاء ما يحدث بالطريقة الصحيحة والواجبة إلا أنها اكتفت بالتعليق أن الإدارة تشعر بالحرج الشديد إزاء نشر هذه الوثائق.. وأنها سبق وحذرت من أن النشر سيحرج الإدارة الأمريكية مع حلفائها وأصدقائها.. وهذا ما جاء صراحة علي لسان المتحدث باسم البيت الأبيض أو المسئولين بوزارة الخارجية.. وبعد حالة الازعاج والغضب من جانب بعض قادة الدول المهمة أمريكياً بالطبع.. خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلي وسائل الإعلام واعربت عن أسف بلادها للكشف عن تلك المعلومات السرية.. وقالت إن نشر الوثائق السرية لا يشكل هجوماً علي الولاياتالمتحدة وحسب بل وعلي المجتمع الدولي ويسهم في تبديد الثقة بين الدول وحاولت هيلاري طمأنة المتضررين بالقول إن إدارة أوباما ستلاحق بقوة المسئولين عن النشر. وفي الوقت نفسه أعلن: أمر البيت الأبيض الأجهزة الاتحادية بتشديد إجراءات التعامل مع المعلومات السرية بعد تسريب كميات كبيرة من البرقيات الدبلوماسية لموقع ويكيليكس.. وبحسب تعليمات الإدارة الأمريكية فإن من بين الإجراءات الجديدة منع مستخدمي المعلومات من الوصول إلا إلي ما يلزم لأداء وظائفهم وفرض قيود علي استخدام التعليمات السرية بالإضافة إلي منع وصولها إلي وسائل الإعلام. كما تم الإعلان علي لسان وزير العدل الأمريكي أريك هولدر عن أنه ستتم محاكمة كل من يتبين أنه علي علاقة بالتسريب حيث إن السلطات الأمريكية تجري تحقيقاً جنائياً مكثفاً فيما يتعلق بكشف ويكيليكس آلاف الوثائق السرية. إلا أن وزير العدل الأمريكي كشف صراحة عن حقيقة الموقف الأمريكي ورد الفعل علي نشر الوثائق السرية وهو ليس التهدئة والترضية لأحد كما يظن البعض ولكن كما قال وحذر هولدر في مؤتمر صحفي لأن نشر تلك الوثائق يعرض للخطر دبلوماسيين أمريكيين أو أشخاصاً آخرين يساعدون الولاياتالمتحدة!!! وقال: إنه إذا كانت هناك ثغرات في القانون الأمريكي بشأن كشف المعلومات السرية فإن إدارة الرئيس باراك أوباما ستعمل علي سد هذه الثغرات بحيث تمكن محاكمة أي شخص بصرف النظر عن جنسيته أو مكان إقامته. وصدر بيان عن البيت الأبيض يدين بشدة الإفشاء للوثائق السرية والمعلومات الأمنية القومية الحساسة.. واعتبر نشرها عملاً مستهتراً وخطيراً وحذر من أن بعض تلك "البرقيات المسروقة" إذا نشرت كاملة فإنها قد تعطل العمليات الأمريكية في الخارج وتعرض عمل بل وحياة المصادر السرية للدبلوماسيين الأمريكيين للخطر. وأشار بيان البيت الأبيض إلي أن التقارير غالباً ما تتضمن معلومات "صريحة وناقصة في الغالب" وإفشاءها يمكن أن يؤثر بشدة ليس في مصالح السياسة الخارجية الأمريكية فقط ولكن في تلك المتعلقة بحلفاء أمريكا وأصدقائها في جميع أنحاء العالم. وذلك لأن البرقيات التي تمثل عينة ضخمة للحركة اليومية بين وزارة الخارجية الأمريكية ونحو 270 سفارة وقنصلية تابعة تعادل سجل أحداث سري لعلاقات الولاياتالمتحدة مع العالم. ولك أن تتخيل صدي نشر مئات الآلاف من الوثائق السرية والتقارير الحساسة في أمور بالغة الحساسية تم الحديث عنها في الغرف المغلقة بين من يفترض أنهم أصدقاء وحلفاء ولكن منذ متي كان المستعمر والمحتل حليفاً..؟!! وقد اعترف السفير الأمريكي السابق في ألمانيا جون كورنبلوم أن الوثائق السرية الجديدة التي بحوزة الموقع الالكتروني ويكيليكس زعزعت الثقة في العلاقات الألمانية الأمريكية. وقال كورنبلوم في تصريحات للقناة الثانية في التليفزيون الألماني "زد.دي.إف": يتعين أن تدار الدبلوماسية علي أساس الثقة وعندما يتم زعزعة الثقة وهو الحال الآن يتعين البدء من الصفر مجدداً. وذكر كورنبلوم أن العاقبة الأصعب التي ستواجهها الدبلوماسية الأمريكية الآن هي أن الحلفاء سيضطرون في المستقبل التفكير مرتين قبل إبلاغ الأمريكيين بمعلومات وقال: لقد انتهي العصر الذي يتحدث فيه المرء بسرية مع الآخرين. تابعت يوم الاثنين الماضي 29/11/2010 فقط ما بثته وكالة الأنباء الألمانية من عشرات البرقيات لزعماء العالم في أوروبا وآسيا وأفريقيا تضمنت تعليقات بعضها ساخرة أو ممتعضة أو مشككة أو متوعدة أو محذرة من التأثير علي العلاقات مع الولاياتالمتحدة.. وهو ما يعكس حالة القلق والازعاج لدي الكثيرين وأعتقد أن هذا ما تقصده وتهدف إليه الإدارة الأمريكية. رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني "ضحك ساخراً" من الوثائق الدبلوماسية الأمريكية السرية ووصفته من ضمن أشياء أخري بأنه "عاجز" و"غير فعال". ووفقاً للمادة التي نشرها موقع ويكيليكس وصفت برقية دبلوماسية أمريكية رئيس الوزراء الإيطالي لثلاث مرات بأنه "ضعيف بدنياً وسياسياً وأن السهرات المتأخرة الكثيرة وولعه بإقامة الحفلات" يعني أن برلسكوني 74 عاماً لا يحصل علي راحة كافية. ووصف رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان نشر وثائق أمريكية سرية عبر موقع ويكيليكس الالكتروني بأنه أمر مثير للشك وقال اردوغان إن حكومته ستفحص تلك الوثائق. لذلك فإننا سننتظر ما سيأتي من ويكيليكس ثم نقيم ذلك ونعلق عليه. وقد جاء في البرقيات السرية تقييماً ينظر بدرجة عالية من الشك لأردوغان وحكومته الإسلامية المحافظة بشأن سعيهما إلي قيادة تركيا لمستقبل إسلامي. هناك العديد من الإفشاءات الخطيرة خاصة بزعماء في الشرق الأوسط منها علي سبيل المثال. مواجهة خطيرة مع باكستان بسبب الوقود النووي والمساومة علي إخلاء سجن خليج جوانتانامو واشتباهات الفساد في الحكومة الأفغانية وحملة قرصنة حواسيب عالمية تتعلق بالصين. *** أخشي ما أخشاه أن تبادر بعض الدول وتسارع إلي تكريم الدبلوماسيين الأمريكيين لديها ومحاولة إغرائهم بأي شيء خوفاً من البرقيات إياها.. وسيتم منحهم الأوسمة والنياشين العظمي في البلاد تقديراً لدورهم في دفع العلاقات الثنائية وتوطيد أواصر العلاقات الحميمة بين البلدين الشقيقين!!! وسلم لي علي تسريبات ويكيليكس!!! [email protected]