في خضم الحملة ضد الرئيس الأمريكي( باراك أوباما) أخرجوا من ملفاته القديمة تصريحا يعبر عن رأيه في مأساة الشعب العربي الفلسطيني, بأن هذا الشعب أكثر الشعوب تعرضا للظلم والعذاب. ويعتبر هذا الرأي من أشرف آراء الرئيس الأمريكي صدقية, فالظلم الواقع علي الشعب المنكوب لايحتاج إلي دليل, فمظاهره جلية في المخيمات وفي الشتات, وكأن( البحتري) كان يعنيهم حين قال: فقر كفقر الأنبياء وغربه وصبابه ليس البلاء بواحد! لكن اللوبي الصهيوني الأمريكي إستخدم هذا التصريح مادة للهجوم علي الرئيس الأمريكي حتي اضطر إلي التراجع, وإعادة تفسير ما قاله عام2000, وهو يملك من الحرية القدر اللازم لقول الحقيقة, بأنه كان يقصد أنه شعب مظلوم بسبب قادته السيئيين! فتغلب وجه( أوباما) البراجماتي السياسي علي وجهه القانوني العادل كأستاذ قانون, وخطيب بارع في إقناع أكبر عدد من الناس, فهو أول من يعلم أن القيادات تولد في أحضان الأزمات, والواقع المتشابك المعقد, وتدفع علي مختلف مستوياتها أثمانا باهظة من حياتها وحياة ذويها في سبيل أوطانها, ولايصح أن تطلق التقييمات جزافا دون النظر للتاريخ كقيمة معياريه حاكمة للفعل العقلاني في كل ظرف تاريخي له واقعه وأفكاره السائدة, والتي تختلف من فترة لأخري. (أوباما) نفسه يتعرض لنفس الأحكام المطلقه بعد فترة رئاسته لمدة عام, وهناك شعور عام بالإحباط بين مؤيديه الذين أعطاهم الأمل في التغيير, وبين معارضيه الذين يرون في عقلانيته ودبلوماسيته ضعفا أمام الإرهاب وتراجعا للمشروع الإمبراطوري الأمريكي, حيث العالم بأسره ساحة مفتوحة أمامه فنائب الرئيس الأمريكي( ديك تشيني) لايكف عن توجيه الانتقادات اللاذعة للرئيس الأمريكي متهما إياه بأنه خطر علي الأمن القومي الأمريكي! أما( ساره بالين) المرشحه السابقة لنائب رئيس الجمهورية, فأعلنت صراحه أن( أوباما) لن يفوز بفترة رئاسه أخري دون أن يضرب( إيران) لإجهاض طموحاتها النووية, ويظهر دعما أكبر لإسرائيل!, حتي( أوباما) نفسه أعلن أنه لم يكن يدرك أن المشكلة الفلسطينية بهذا التعقيد, فالنيات الحسنة والعزيمة القوية والموهبة الفذة في الزعماء ليست وحدها المحددة لنتائج الأفعال والجهود المضنية, ولكن الملابسات والقوي المناوئة والوقائع الثابتة المشكلة لتاريخ كل مرحلة لاعب رئيسي مع الزعماء في تشكيل الأحداث والنتائج. والرئيس( أوباما) ولد كزعيم في رحم أكبر فوضي مرت بها أمريكا في العصر الحديث, فالأزمةالمالية أزمة هيكلية في الاقتصاد الأمريكي أكبر من الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن الماضي, بالإضافة إلي تورط أمريكا في حربين فاشلتين لم تحققا الأهداف المعلنه في الحرب علي الإرهاب, وإن حققت الأهداف الخفية في السيطرة علي النفط والعالم, فيما بعد, ولكنها ولدت مخاطر جديدة وأمدت الإرهابيين بذرائع جديدة تضمن تجنيد شباب متحمس قليل الإدراك ممايدخل العالم بأسره في دوامات وصراعات متوالية لن يوقفها إلا طموح( أوباما) العقلاني في الحوار والأمل في الحياة لكل البشر, وإلا دخلنا في جدلية العنف والعنف المضاد التي لاتنتهي, ولكن تحقيق هذا الطموح للرئيس الأمريكي يواجهه منافسون متشددون ووقائع علي الأرض تحتاج لصبر وحكمة وتضافر القوي لإنجاز المهام الكبري, لذلك وجب النظر في تاريخية الأحداث, قبل الحكم علي الزعماء في كل مكان وزمان لا إطلاق الأحكام المطلقة, فكما يقولون( اللي علي البر.. عوام)! وإذا كان للرئيس الأمريكي العذر في أن يتخذ من نقد وتهوين أمر قادتنا الوطنيين مبررا لإرضاء القوي المناوئة له وتخفيف حدة هجومها علي رأي موضوعي يضر بمصالحها وأفكارها المعادية, التي بنت عليها استراتيجيتها في الإضرار بمصالح العرب وسلب ثرواتهم وأراضيهم, فإن الأحكام المطلقة تلك عندما تأتي من النخب العربية فهي أشد خطرا علي الذاكرة الوطنية لدي الأجيال الشابة, التي تفقد الثقة في تاريخها وقضاياها العادلة, فعندما يصل الشباب لقناعات خاطئة عن الرموز التي صنعت تاريخها, بناء علي معطيات الحاضر من متغيرات حديثة لم تكن قد نشأت, بالإضافة إلي اختزال الأمور في أشخاص الزعماء وحدهم دون النظر للمحيطين بهم ممن تفرضهم الظروف الآنية, وكذلك رغبات الملايين الطموحة التي تدفع زعماءهم للارتباط بمواقف ملزمة لايستطيعون الخروج عليها, فالقادة ليسوا أحرارا تماما كما نعتقد, فهناك توازنات من ذات اليمين وذات الشمال عليهم أن يمشوا بينها. لذا وجب الحذر في إطلاق أحكام بسهولة وتقعر دون بحث علمي وموضوعي عميق, قائم علي أسئلة ضرورية بسيطة وهي: كيف كان الحال وكيف أصبح, وماهي البدائل المتاحة... والممكنة, وعند دراسة الإجابة سنمر بالمعوقات الداخلية والخارجية حتي نستطيع أن نقدر قيمة الزعيم الحقيقية بعيدا عن قيمة إنجازاته في حد ذاتها فيكفي( عمر مكرم) علي سبيل المثال اتخاذه الموقف الصحيح لمصلحة الوطن فعارض الحملة الفرنسية الغازيه, وساعد( محمد علي) علي ارتقاء الحكم, وأيضا عارض سياسته في الشئون الداخلية, حتي نفاه( محمد علي) إلي دمياط خوفا من تجمع الناس حوله, فإن لم يكن للرجل عمر مكرم إنجاز مادي إلا إنه رمز للشجاعة الأدبية والوطنية والأخلاقية في الدفاع عن مصالح الناس التي احترمته وقدرت تضحياته ووضعته في مكانته اللائقة بالعظماء في صفحات التاريخ. أيضا مازال الزعيم الخالد( جمال عبدالناصر) يحتل مكان الصداره في الجدل الذي يثيره في النخبة المصرية والعربية عن دوره التاريخي غير المنكور, في ثورة التحرير, والانحياز إلي الغالبية, وتمكين المرأه, وكفالة حق الانتخاب, وتغيير البيئة الهيكلية للملكية الزراعية بالإصلاح الزراعي, وطرد الاستعمار, وتمصير البنوك, ومجانية التعليم, والازدهار الثقافي والفني, والتحديث الصناعي, وبناء السد العالي, وفاعلية دولية بمساندة حركات التحرر ولإنجازاته.. وأيضا للحديث بقية.