بيني وبين السفر عشق خاص.. و" عند " أشد إخلاصا و" ملاوعة " تصل الي حد الهجر أحيانا (!)، العشق بدأ مبكرا جدا، حينما كنت أطلق ذراعي للريح من نافذة قطار الشرق العتيق المخيف، كانت مقدمته "الجرار" تشبه الي حد كبير مقدمة الطائرة الأييرباص أتوبيس الهواء لمن لا يعرف الإنجليزية مثلي ! كانت العظيمة أمي تفضل اصطحابي باعتباري الأكثر هدوءا بين أشقائي، كانت دائمة التحذير لي من أن " يأكل " القطار ذراعي، فتأصل الخوف بداخلي.. ده اقتراحي يعني!ّ وطفت بمصر بكافة أركانها خلال فترة انتمائي الي فرق الجوالة بجامعة عين شمس، وتعرفت علي طبائع أهلها الذين أعشقهم عشقي لأهلي، وأؤمن بأن مصر لديها كل المقومات لتحافظ علي مكانها ومكانتها بين الأمم.. هكذا خلقها الله ينبوعا للمواهب.. ولم تبهرني عواصم أوروبية وعربية قدر انبهاري بدلتا وصعيد مصر وبدوها. ولأن العاصمة الإماراتية "دبي" أصبحت مقصد العشاق، أقصد عشاق السفر والتسوق والتجوال، أحببت كثيرا أن أتعرف علي مذاقها وسر صعودها مرة أخري أعترف بأنني مولع بمحاولات فك شفرة قصص الصعود والنجاح، فعلت هذا كثيرا وأرجو ألا تتخلي عني متعة ونعمة ولهفة الاندهاش وعلي الرغم من سابقة الاعتذار، إلا أن الدعوة الكريمة من مؤسسة العويس الثقافية، وهي مؤسسة غير ربحية أقامها الشاعر الإماراتي سلطان العويس حبا في الثقافة وفي وطنه العربي . وكان من حسن حظي أن ذهبت مع فرقة رضا العريقة، التي أعرف تاريخها وقدرها، ووصولا الي نجومها، الأصيل الدافئ المتدفق محمد رءوف والموهوب حتي النخاع مديرها ايهاب حسن، والراحل الموهوب عمر فتحي، ومن روادها محمود وعلي وفريدة؛ فجميعهم أصدقاء حميمون ولمست عن قرب أن مصر تنافس بالمواهب، وبطبيعة أبنائها المبدعين .... ما علينا ... نعود الي قصة السفر، ففي هذه الرحلة رزقني الله بشخص زاملني من مطار القاهرة مجرد راكب لا أعرفه بدأ بالسلام، ورددت بأحسن منه، ثم دخل في الموضوع مباشرة: انت بتخاف من السفر؟ قلت بفتور ومن غير اهتمام: يعني ! أنصحك اذا قابلت مثل هذا الشخص ألا تتردد في أن تقول له: انت مال... ك ! قال: مافيش حاجة تخوف ..لأن لو الطيارة وقعت ولادك هايصرفوا تعويض كويس .. واحنا بنشقي ليه .. وعلشان ايه؟ واستمر الزمل بدون سابق معرفة في إطلاق أسئلته " المطمئنة ": انت نمت كويس؟ وأجاب علي نفسه: ماهو طبيعي قلة النوم، لأن الفكر بيودي ويجيب، ما هو انت حتي مافيش حضرتك انت متشعلق في الهوا ولو المحرك وقف هايعمل ايه الطيار الغلبان.. ماهو شوف هو يقول الطيارة دي عاملة زي المرجيحة لو لفت ترميك في البحر !! وهنا دعوت الله أن يصرف عني هذا الرجل، ولكن ارادته سبحانه شاءت أن يقترب مني، أثناء شرح المضيفات لأدوات النجاة، فيما فرحت أنا جدا بوجود صحيفة روزاليوسف التي أشعر بالانتماء والامتنان لها، فانهمكت في التهام عناوين الصفحة الأولي الي أن نقلع علي خير، وفيما يدعونا المضيف الأنيق في شركتنا الوطنية الي اعتدال المقعد والتخلي عن الوسائد والبطاطين الخفيفة، أشار لي زميلي الغتت الذي لاأعرفه، ان هذه الاحتياطات سببها ان الطائرة لو ولعت مافيش حاجة " تشنكلك " وانت بتهرب ( ! ) وما أن زادت الطائرة من سرعتها علي الأرض تمهيدا للانطلاق، حتي وجدت الرجل المتشائم يتصبب عرقا ! وانطلقت " المرجيحة " بسلام الله .. فصاح الرجل: هييييييييييييييييييه وسبحان الذي سخر لنا هذا.